أثير – مسقط
لقد آثرت منذ أمد ان أنأى بنفسي عن فتن ما يحوم ويزوم ويعصف بالأمة العربية عامة، وبمواقف الامة الخليجية في ما بينها وخلافاتها وتحالفاتها خاصة، وما تبع ذلك من إعلام واعلام مضاد، مع تمسكي بالجميع، ودعائي لهذه الفتنة أن تنقشع، ودماء الانسان في الوطن العربي الكليم أن تحقن، عربيا وغير عربي، مسلما وغير مسلم، مدنيا وعسكريا، صغيرا وكبيرا، رجلا وامرأة..
لم يكن مقطع الداعية الإماراتي وسيم يوسف والذي قال نصا فيه ” نحن اثناء ما السعودية جزاهم الله خير والإمارات والبحرين والسودان ودول التحالف نكسر شوكة ايران في اليمن ودولة عربية تتحالف معهم للاسف ترمم شوكتهم، لذا فإن إيران لا تقوم الا على الخونة”، ولا ردةُ فعل الكثيرين عليه، وقراءتهم المنطقية أنه يقصد بها عمان متهما إياها بالخيانة، والزوبعة التي اثيرت حول ذلك، لم يكن جميعه ليحملني على الكتابة، تمسكا بمبدأ ما قدمت آنفا، إلا أن ما أعقب ذلك من رسالة نظنها صادقة من الاخ الداعية لأهل عمان معتذرا، وقسمه فيها أنه لم يعن عمان بكلامه، إنما عنى كيت وكيت من الدول مما جاء في تغريدة اعتذار باسمه، إن ذلك القسم هو ما حملني أن أوجه رسالة للأخ وسيم، حقاً له علي، وواجبا للأمة أؤديه، ووصلا لعمان، وحفظ عهد لها…
أيها الصادق في قسمه وحبه، ليست عمان ولا الإمارات ولا غيرهما بأكثر حرمة ممن أنحيت اليهم من الامم العربية والإسلامية بالخيانة، بل إن الجميع حرام عليهم الخيانة، إنما هي الفتنة التي وقعت فيها دول الجوار الأزلي، والدين المحمدي، والطائفية التي تمكنت من النفوس، حتى بات الانسان العربي والمسلم وحضارته أرخص من التراب، تُهلك النفس بالهوية، ويُسفك الدم بالشك والريبة، وقد فاش اللعن وانتشر، وبعثت العنصرية وخصومات الأوائل وثاراتهم من قبورها، واحييت بعد موتها، فانتشرت لغة بائدة بمصطلحاتها المنتنة، فتمكنت من العقل الباطن حتى أفسدته، واستدعت خيالات مريضة وشكوكا، فأُهرقت الدماء، وأزهقت الأرواح، ودمرت القرى، وشتت العوائل من بيوتها ظلما وعدوانا، ليس لهم في الكير ولا في النفير من شيء، وصرنا نرى عصورا سوداء كنا نقرؤ عنها في فتن الأولين، ونتساءل عندها كيف يمكن لتلكم الفتن أن تكون، وبين ظهراني الناس كتاب الله، وسيرة نبيهم، والدعاة الصالحون؟! حتى عشنا فتن اليوم فرأينا السبب ووعيناه، إنها الظنة والاصطفاف والعصبية وسوء التقدير من قبل أناس جعلوا إلاههم هواهم في كلامهم القولي والفعلي، وقد أصاب الفصام نظرياتهم وما يدعون، وأعمالهم وما يأتون، فلم تعد لهم قيم ولا ثوابت، فتجدهم في تقلبهم يعمهون، يترددون من اليمين الى الشمال، ومن الشيء الى نقيضه في طرفة عين، وبين ليلة وضحاها …
أيها الداعية الكريم، برا بالقسم الصادق الذي اوليته اهل عمان في رسالتك، وجوابا له، وحبا في صدق تعبيرك فأرجو أن تعلم أن غضب العمانيين او حزنهم ليس على كون عمان المعنية في حديثك -رغم الأذى الخاص الذي يسببه-، فقد اعتدنا ذلك وشبيها له من غيرك، ولم نكن لننزل من علياء بوأنا الله إياها -نحن اهل عمان ولا يجوز- وشهد بها لنا الرسول الانسان، ” لو أن اهل عمان أتيت ما سبوك وما ضربوك…” -وساما نضعه فوق صدورنا الى يوم الدين- لننزل الى حضيضِ ما عليه اليوم جمع غير قليل من الأنفس المسخ والمريضة، الوالغة في أعراض الامم والدول والحضارات وتاريخها … الا أن ما ساءنا هو صدمتنا بك، وقد ظننا بك ما قد تعلم وما قد لا تعلم، أنك فلة عن الفتن، وفلة عن دعاتها الكثر، وأنك على أثر الدكتور سعيد رمضان البوطي رحمه الله، الذي جاد بنفسه العظيمة ثمنا لموقفه الراسخ في وجه الفتنة، ورفضه الاصطفاف في خنادقها، وفي دعوتها الطائفية، لا سيما وأنت قد وقفت في وجه المغررين بالشباب لحرب سوريا في عدة مقاطع شهدناها لك قبل أن تفاجأنا بتحولك مائة وثمانين درجة في المشهد اليمني!! رغم ان الحرب هي الحرب، والقتل هو القتل، والدم هو الدم، واللغة هي اللغة وما تغير فقط هو الطائفة او المذهب المزعوم، فعذرك وعموم تحولك وتخوينك الذي ذكرت للدول عينها آسفنا حد أنا بتنا لا نثق بوجود الوجه الواحد للداعية الواعي اليوم، وأن الفتنة استطاعت طحن كثيرين، ولم يعد مكان لله في قلوبهم، وهو الداعي في كتابه الى اللطف في الظن، والشهادة بالقسط، والإحسان في القول، والوحدة وعدم التمزق، ولا لرسوله المتعايش مع الامم الاخرى في مدينته رغم خلفياتهم، المحترم لمسلمهم ويهوديهم وحتى منافقهم، والذي لم يجز ربه له الخيانة، وأوجب عليه النبذ على سواء ان خاف من قوم خيانة، والذي غضب لقتل صاحبه لرجل مشرك نطق الشهادتين في ميدان الحرب والسيف فوق رأسه، فلم يكن ذلك عذراً للقاتل المجاهد في قتله لناطق الشهادتين في الحرب ان يغضب الرسول الاكرم على فعلته ويتبرأ منها، فكيف به بما هو اعظم من ذلك يومنا هذا من استباحة لدماء لا تعلم الا الشهادتين، والقبلة، والصلاة وأركان هذا الدين، فبزعم أحلاف سياسية وفي سبيلها تباد أمة كاملة…
رسالتنا لك أيها الداعية الكريم باختصار هي….” إن لم تستطع الصدع بالحق او تبيانَه فلا تصفق للباطل وتعلي بنيانَه” وإياك -وقد بوأك الله ما علمت، وهيأ لك من السبل ما نلت-ان يهرق دم بريء من دماء المسلمين الموحدين او كائنا من كان، ويكون وسيم يوسف مرهونا به يوم الدين، لا تعتق رقبته، ولا تفك كربته، فضلا ان تهرق أرواح، وتباد أمم، وتدمر حضارة…
ستبقى عمان وشعبها آسفة على القاتل والمقتول من العرب ومن الانسان عموما، وساعية لرأب صدع الامة ما استطاعت، وسنبقى مترفعين عن التردي في الحضيض، ومجاراة من سفه حلمه فسب وشتم وطعن في عمان وأهلها مهما كان، وسنبقى ندعو دعوتنا، أن يعجل الله الحفاظ على أرواح إخواننا في اليمن، واخواننا العسكريين من الإماراتيين والسعوديين وغيرهم، فالقاتل والمقتول الأحق في أصل عروبتهما ودينهما وإنسانيتهما العناق والاتفاق، لا الشقاق وحز الأعناق، والداعون الى غير ذلكم الأصل إنما هم داعون الى ضلال، مشتركون في جرم، بل إثمهم أعظم عند الله وأشنع، فقد زينوا للقاتل قتله أخاه الإنسان، والموحد المسلم دون حق الا الظن والإثم، ومن وراء الشاشات والبرامج، واتباعا للاهوية والاملائات، وباسم الله البريء وافتراءا عليه، وهو الذي أعظم النفس البشرية وأعظم قتلها، ” فكأنما قتل الناس جميعا..” بل لم يكتف بالامتناع عن قتلها فحسب بل دعى الى السعي في احياءها ” ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا..”، وأبغض الفساد والدعوة اليه ” ويسعون ف الارض فسادا والله لا يحب الفساد..”، وكره الحروب وموقدي نارها ” كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله”…كيف لا يكون ذاك، والنفس هي خلقه، وهو المسؤول عنها، وهو أولى بالاشفاق عليها، وتهيئة الظروف لها لتحقيق خلافته في الارض، التي فاجأ بها ملائكته، وخاطبوه فيها.
حمى الله عمان والخليج من أعدائهم وكل من أراد بهم كيدا وخطيئة، وأدام الله مجلسهم مجلس التعاون الخليجي، وحمى المسلمين بل والعالمين من الاحن العاتية، كما واصلح الله الامة ودعاتها، وأرشدهم لقول ما يمليه دينهم وفطرتهم، لا سياسة غيرهم، او أحقاد من قد يلونهم..