محمد الحمزة – المملكة العربية السعودية
طال بنا الوقوف في طابور طويل للمسافرين في مطار جوانزو الصيني حيث اجراءات تسليم الحقائب استعداداً للمغادرة إلى دبي عبر الرحلة رقم (EK0363 ) في 19ديسمبر 2015 ، التفت خلفي فإذا برجل طاعن في السن أوربي الملامح مبتسم الوجه؛ بادلته الابتسامة والتحية فإذا هو يسألني مباشرة: من أين أنت؟ قلت عربي من الخليج، فهَدَر بسيل جارف من الأسئلةوالتساؤلات التي تنبئ عن استفهامات محيّرة في باله ولم يجد لها جواب مقنع -على حد تعبيره- وبقدر ما جعلته يتحدث إلاّ أني حملت همّ الإجابة وهمّ التبرير !
السيد (هيلموت) هو نمساوي يعمل في التجارة، ومع الحديث اكتشفت ثقافته الواسعةوالكبيرة والتفصيلية عن دول الخليج العربي مع أنه لم يزر سوى مدينة دبي فقط، فقد كان يورد الأرقام والإحصائيات وأسماء المدن وبعض الشخصيات بشكل سلس، وكان مما استأثر بهمعظم الحديث هي تساؤلاته عن التباينات الدينية والمذهبية في المنطقة وما ترتب عليها من صراعات ونزاعات نتج عنها إقصاء سياسي واجتماعي ووصل الأمر لسفك الدماء لمجرد اختلاف المذهب أو المنهج، فقال لي السيد هيلموت: ألستم كلكم مسلمين؟ فلماذا كل ذلك يحصل بينكم؟ حاولت ألملم الموضوع يمينا وشمالاً وأجد له المبررات من هنا وهناك ووضحت ذلك من حيث أن هذا الصراع طبيعي قد يحصل بين الأمم والحضارات ولنا في التاريخ شواهد قديمة وحديثة، وبيّنت له أن أوربا قد مرت بذات الشيء، فإذا به يقاطعني ويقول لا تبرر! ألا تستفيدون من التاريخ؟! ألم يعلمكم التاريخ بأن الحروب تضعف الحضارات وتسحقها ؟! ألا تتعلمون من التجربة الأوربية في إقامة وحدة سياسية واقتصادية واجتماعيةتعمل يداً بيد لبناء تنمية وحضارة تخدم الإنسان! استمريت في عنادي وصلفي العربي محاولاً تبسيط الأمر بأن الشعوب مغلوبة على أمرها وأن المشكلة هي في السياسي المسيطر على مفاتيح لعبة الصراع، فقال بكل هدوء : ولماذا ( عُمان ) نجحت في صنع دولة سلام وكوّنت مجتمع متعايش رغم التعددية التي يضمها النسيج الاجتماعي والديني والثقافي ؟! أليست مثلكم دولة عربية وإسلامية ؟ ، عندهاوقفت أتأمل كلامه وأيقنت بأن على عُمان واجب اقليمي ودولي كبير في تقديم نموذجها السياسي والاجتماعي ونشر قيمها وتأصيل تجربتها لرسم عالم جميل يقدّر الإنسان ويعمل على الوئام والسلام.
إذا كان السيد هيلموت أدرك عناصر قوة وتميّز ( عُمان )؛ فأين نحن من هذه المدرسة العظيمة التي تحيا بيننا ؟ وحُق لنا أن نسبر أغوارها ونكشف أسرارها وندرس تفاصيلها، فنحن أولى بعُمان من غيرنا، وتستطيع دول الخليج –لو أرادت- أن تصنع وحدة إقليمية متكاملة وقوية،تتضمن وحدة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعلمية، تتم عبر تبادل الخبرات والتجارب والأدوار حتى يكمّل بعضها بعضاً،تستفيد من الثروات الماديّة والفكريّة والبشرية، نموذج يجمع الشتات ويوحد الجهود ويستثمر الطاقات والعقول المفكرة لبناء نموذج وحدوي مميز بعناصره المتنوّعة وتعدديته، نموذج أساسه تحقيق العدل وخدمة الإنسان، ومنه تكون الانطلاقة لوحدة عربية ووحدة اسلاميةوصنع قوة عظيمة يفخر بها الجميع، وحتماً سيكون لعُمان بصمتها الجليّة في هذا النموذج الحُلم.