أثير- سيف المعولي
أكد الأستاذ الدكتور (بروفيسور) صبحي نصر مدير مركز أبحاث علوم الأرض في جامعة السلطان قابوس بأن صخور البيريدوتايت الموجودة في السلطنة تكفي لتغطية العالم كله، وتكفي لامتصاص ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي لألف ضعف.
وأوضح الدكتور في حوار لـ”أثير” معه أن موضوع الاحتباس الحراري موضوع مهم جدا، وهو واقعي ومتزايد من سنة لأخرى، وتعد هذه القضية من المشاكل المستقبلية التي لا يشعر الإنسان بخطورتها حاليا.
وأشار الدكتور إلى أن من الملاحظ وجود زيادة في درجات حرارة الكرة الأرضية بشكل كبير في جميع أنحاء العالم، كما يوجد ارتفاع في مستوى سطح البحر في معظم المناطق، حتى في السلطنة حيث يُلاحظ وجود تقدم للشواطئ في بعض المناطق بالشرقية.
وسرد الدكتور في حديثه لـ”أثير” قصة صخور البيريدوتايت بالسلطنة قائلا:” في 2006م تقريبا قامت جامعة السلطان قابوس بإجراء بعض الأبحاث على هذه الصخور، ولوحظ أنها تمتص ثاني أكسيد الكربون بشكل طبيعي في معظم الوديان بالسلطنة حيث تتوافر هذه الصخور، وأينما وُجدت مياه جارية يُلاحظ تفاعل هذه الصخور معها وتتحول إلى كلس أبيض، فتم إجراء دراسة نُشرت في عام 2007م، وبعد انتشار هذه الدراسة ومعرفة العلماء الآخرين بهذا الموضوع حصل تكاتف واتصالات مع معظم العلماء لمناقشة هذا الوضع، وتم في الجامعة تنظيم أول ورشة في 2011م حضرها تقريبا 70 عالما من أشهر علماء الجيولوجيا في العالم وقاموا بزيارات ميدانية، ونوقش الموضوع بشكل كبير جدا، وفي ذلك الوقت وُضعت أطروحتان لعملية امتصاص ثاني اكسيد الكربون بواسطة هذه الصخور، فبعض المدارس اقترحت عملية تسييل ثاني أكسيد الكربون من المصانع المصدرة للغاز في السلطنة، وضخه عن طريق حفر الآبار، أما الأطروحة الثانية فاقترحت طحن هذه الصخور وخلط ثاني أكسيد الكربون المسال معها”.
وأضاف:” نوقش المقترحان في الورشة، ولاحظنا بأن هناك أسئلة كثيرة تحتاج إلى إجابات منها ما يتعلق بدراسة المخاطر التي قد تنتج عن العملية، فتم الاتفاق على عقد ورشة عمل أخرى في جامعة كولومبيا في نيويورك حضرها تقريبا 150 عالِما مختصا من جميع أنحاء العالم، ونوقش الوضع بشكل مفصل خصوصا المخاطر وأفضل السبل للاستفادة من هذه الصخور، وتم اقتراح إجراء دراسة مفصلة في السلطنة قبل عملية الحقن، بحيث يتم حفر آبار للدراسة فقط لأخذ عينات من هذه الصخور ودراسة علاقتها بالماء لمعرفة التفاعل بينهما، وكيفية تسريعه، وقد تم رفع هذا المقترح إلى المؤسسات التمويلية فاستطعنا الحصول على تمويل بـ4 ملايين دولار من المؤسسة الوطنية للأبحاث الأمريكية ومن مؤسسات كثيرة مثل وكالة ناسا ومؤسسة البحث العلمي الياباني ومؤسسات علمية في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا ومنظمة الحفر العالمي، ثم قدمنا المقترح باسم جامعة السلطان قابوس لوزارة البلديات الإقليمية وموارد المياه للحصول على التراخيص اللازمة لإجراء حفر هذه الآبار وما زلنا ننتظر الردود التي نتمنى بإذن الله أنها ستكون إيجابية لإجراء الحفر وأخذ العينات والبدء بالدراسة لفهم كيفية امتصاص هذه الصخور لثاني أكسيد الكربون، وحسب المخطط فإن الدراسة ستستمر 3 سنوات، وأهم منطقتين ستشملهما الدراسة هما منطقة بالقرب من وادي الطائيين في المجرى المؤدي إلى وادي ضيقة، ومنطقة أخرى بالقرب من سمد الشأن في المضيبي”.
وأشار الدكتور إلى أن جامعة السلطان قابوس أجرت دراسة أخرى حول القيمة الاقتصادية لمثل هذه التفاعلات تقوم على أخذ عينات من هذه الصخور وطحنها على شكل بودرة ناعمة ونثرها على مناطق الشواطئ لملاحظة التفاعل بين مياه البحر وبين هذه الصخور، وتم إجراء عمليات مخبرية لدراسة التفاعل، ولوحظ فعلا أن هناك تفاعلا سريعا جدا بين المياه وهذه الصخور بشرط تزويدها بالحرارة؛ فبالتسخين تسهل عملية التفاعل، وبالتالي خلصت الدراسة إلى أنه توجد جدوى اقتصادية لاستخدام هذه الصخور في امتصاص ثاني أكسيد الكربون”.
وبسؤال لـ”أثير” عن كيفية الاستفادة من هذه الصخور اقتصاديا أجاب الدكتور:” الأفكار الموجودة حاليا تصب في تصدير هذه الصخور لجميع أنحاء العالم لاستخدامها، ونثرها على المناطق المائية المنتشرة خصوصا المناطق البحرية، لأن هناك فوائد جمة لهذه الصخور أولها امتصاص ثاني أكسيد الكربون بالإضافة إلى حماية الشواطئ، وزيادة الكائنات المرجانية في الشواطئ، كما أن بودرة هذه الصخور تحتوي على بعض المعادن التي يمكن استخدامها بعد عملية التفاعل مثل البلاتين والنيكل كنواتج ثانوية”.
وأكد الدكتور أن الكميات الموجودة في السلطنة من هذه الصخور تمتد 600 كيلومتر تقريبا، وبعرض 150 كيلومترا وبسمك حوالي 3 كيلومترات، مشيرا إلى أن السلطنة تمثل أكبر وجود لهذه الصخور، ويوجد مناطق أخرى بها هذه الصخور لكن بكميات قليلة جدا مثل جزيرة قبرص وكاليفورنيا وبعض الجزر اليابانية لكنها كميات صغيرة جدا ولا تقارن مع السلطنة.
وذكر الدكتور أنه في عام 2012م قامت بعض الشركات الهولندية بالاتصال بالجامعة لتوريد هذه الصخور على شكل بودرة إلى هولندا، لكن لم يتحقق ذلك بسبب سعر النقل من السلطنة إلى هولندا في ذلك الوقت، بالإضافة إلى غلاء التأمين.
وختم الدكتور حواره مع “أثير” بالتأكيد أن الأمر يحتاج إلى وجود صناعة محلية وتشجيع حكومي على استخدام هذه الصخور وتسويقها خارجيا لدول العالم، كما يحتاج إلى قرار من الأمم المتحدة لإجبار الدول على استخدام هذه الصخور للحماية من الاحتباس الحراري، لكن مع ذلك فإن الأمر يحتاج إلى دراسة مستفيضة لفهم عملية التفاعل بين المياه والصخور وكيفية تسريعه، مؤكدا أن جامعة السلطان قابوس ممثلة في مركز علوم الأرض، وبعض الأفراد في الهيئة العامة للتعدين، ووزارة البلديات الاقليمية وموارد المياه مهتمون بهذا الأمر خصوصا من الناحية البيئية.