الدكتور سعيد بن محمد الصقري-رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية
يختلف الباحثون حول دور وأهمية وفرة الموارد الطبيعية في النمو الاقتصادي والتنمية. ففي حين يرى بعض الباحثين بأن وفرة الموارد الطبيعية هي ميزة وتساعد الدول على النمو الاقتصادي والتنمية، يرى آخرون أن وفرة الموارد الطبيعية ليست بالضرورة ميزة، فالنتائج التي توصلوا اليها تبين بأن وفرة الموارد الطبيعية يمكن أن تعيق النمو الاقتصادي والتنمية.
هل تعزز وفرة الموارد الطبيعية النمو؟
لم يقتصر دور وفرة الموارد الطبيعية في تعزيز النمو الاقتصادي والتنمية، في رأي بعض الباحثين، بل عدُّوا وفرة الموارد الطبيعية بمثابة العامل الخامس للإنتاج بعد الأرض والعمالة ورأس المال والتكنولوجيا.
وذهب بعض الدارسين إلى أن دور ومساهمة الزراعة، باعتبارها موردا طبيعيا، أساسيا في المراحل المبكرة للنمو الاقتصادي. وبالاشارة إلى تجربة النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية، أكد بعض المهمتين بتجارب التنمية أهمية ودور أنشطة استخراج المعادن والموارد الطبيعية مثل النفط في التقدم التكنولوجي والتراكم المعرفي في الاقتصاد الامريكي خاصتا في الفترة 1890 – 1910.
بالاضافة الى ذلك، أكدت دراسات أخرى عديدة ان التصنيع السريع والنمو الاقتصادي “في العصر الذهبي للتنمية” خلال الفترة 1870-1913 تحقق إلى حد كبير في البلدان ذات الموارد الطبيعية الوفيرة، وبأن وفرة الموارد أسهمت بشكل إيجابي في نموها الاقتصادي السريع.
وهذا الرأي للدور الإيجابي الذي يؤديه توفر الموارد الطبيعية في النمو الاقتصادي مستمد أيضا من تجربة العديد من اقتصاديات الدول النامية. فعدّ بعض الباحثين بأن وفرة الاسماك في دولة البيرو لم تشجع على صيد الأسماك فحسب، بل شجعت على انشاء صناعات تكاملية للنشاط مثل تطوير صناعة السفن والتي تعد نشاطا مغذيا وممولا للصيد. فضلا عن ذلك، حفز صيد الاسماك على تطوير الصناعات الغذائية التي تستخدم الاسماك كمادة اساسية (نشاط فرعي ومكمل لصيد الأسماك)، ونتيجة لذلك تمكنت بيرو من تحقيق نمو اقتصادي سنوي مركب بنسبة 5.5٪ في الفترة 1950-1967. وكثيرا ما يستخدم الاقتصاديون بوتسوانا كقصة نجاح في استخدام الموارد المعدنية لتطوير اقتصادها وبأنها تمكنت من تحقيق تنمية اقتصادية ونمو اقتصادي مطرد بسبب استغلال وادارة صناعة وتعدين الماس بشكل جيد.
هل تعيق وفرة الموارد الطبيعية التنمية؟
أشارت العديد من الدراسات الأخرى إلى أن وفرة الموارد الطبيعية ليست بالضرورة ميزة. وفي الواقع وجدت هذه الدراسات بأن وفرة الموارد يمكن أن يكون حجر عثرة ويعيق التنمية والنمو الاقتصادي. ففي دراسة لعدد من تجارب البلدان في الفترة 1971-1989 تبين بأن البلدان ذات الموارد الطبيعية الوفيرة تعاني من بطء في النمو الاقتصادي بالمقارنة مع البلدان ذات الموارد الطبيعية الشحيحة، ونتائج تلك الدراسات تؤكد تلك الاستنتاجات حتى بعد السيطرة على المتغيرات الأخرى التي تعد مهمة للنمو الاقتصادي مثل الانفتاح الاقتصادي، ومتوسط دخل الفرد، ومعدلات الاستثمار، وكفاءة الحكومة والجهاز الاداري. ووجد باحثون آخرون بأن وفرة الموارد الطبيعية في العديد من الدول النامية غير الديمقراطية أثرت على السياسات الاقتصادية وأدت إلى الفساد وضرت بالسياسات الاقتصادية التي من شأنها أن تعزز النمو الاقتصادي، ويذهبون بالقول بأن وفرة الموارد النفطية، على سبيل المثال، في نيجيريا كان من نتائجها الفساد والهدر وضعف في الأداء الاقتصادي.
مرة أخرى، هل تعزز وفرة الموارد النمو الاقتصادي والتنمية؟ أم أنها تعيق النمو الاقتصادي والتنمية؟ كيف أثر اكتشاف النفط على دول مجلس التعاون الخليجي؟ وللإجابة عن هذه الأسئلة ووضع قضية مجلس التعاون الخليجي في سياقات تاريخية ونظرية، يمكن تحديد أربع نظريات اقتصادية على الأقل هي: نظرية وظيفة الإنتاج، ونظرية عدم استقرار سعر تصدير الموارد الطبعية، ونظرية المرض الهولندي، ونظرية الأثر المضاعف .
وسنستعرض في سلسلة من المقالات دور الموارد الطبيعية في التنمية من وجهة نظر تلك النظريات الاقتصادية، ومن بعد ذلك سنتطرق الى دور الموارد النفطية في تنمية دول مجلس التعاون الخليجي.