الدكتور سعيد بن محمد الصقري- رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية
ربما لم تتحول أي منطقة في العالم وتزدهر في العصر الحديث نتيجة تصدير سلعة واحدة مثل دول مجلس التعاون الخليجي. وهذه السلعة الواحدة التي مكنت دول الخليج من تحقيق ازدهار اقتصادي غير مسبوق هي النفط. وتم ذلك بصفة خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط في أكتوبر 1973. فقفزت أسعار النفط العالمية من 2.5 دولار للبرميل في عام 1972 إلى 11.6 دولار للبرميل الواحد في عام 1973. ونتيجة لذلك، تدفقت على دول المجلس كمية كبيرة من الثروة لم يسبق لها مثيل. ومكنت تلك الإيرادات النفطية، ولا زالت كذلك، حكومات المنطقة من إنشاء البنية التحتية، وتشجيع تنمية القطاعات الصناعية والزراعية والقطاعات الاقتصادية الأخرى، وتمويل التعليم والصحة وكل برامج التنمية.
وأثمرت جهود التنمية عن ارتفاع في متوسط دخل الفرد ونمو مستمر في الناتج المحلي الإجمالي. فبلغ متوسط دخل الفرد في دول الخليج نحو 33,990 دولار أمريكي في عام 2015 (جدول 1). وحسب تصنيف البنك الدولي، هذا المتوسط من الدخل (33,990 دولار أمريكي) يفوق بكثير متوسط الاقتصادات ذات الدخل المرتفع والبالغ 12,475 دولار أمريكي للفرد. وارتفع متوسط العمر المتوقع عند الولادة للفرد من 49 عاما في سنة 1970 إلى 76 عاما في سنة 2015م، وارتفعت معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة من 20% إلى 84% خلال الفترة نفسها. وتفتخر دول الخليج بوجود بنية تحتية جديدة وخدمات شاملة مثل أفضل الطرق السريعة وأنظمة اتصالات متقدمة على مستوى العالم.
وعلى خلفية نجاح دول المجلس في زيادة دخل الفرد، وتحسين ظروف المعيشة، واستمرار نمو الناتج المحلي الإجمالي، هو الاعتماد المستمر على الدخل من الموارد النفطية. ويمكن معرفة درجة الاعتماد على الموارد النفطية من خلال حجم الانشطة النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، ونسبة صادرات النفط الخام إلى إجمالي الصادرات، ومساهمة الإيرادات النفطية في مجمل الايرادات الحكومية.
المصدر: مساهمة الصادرات من موقع http://atlas.media.mit.edu/en/ ، والناتج المحلي الاجمالي من صندوق النقد الدولي، والايرادات النفطية من مصادر متعددة
http://atlas.media.mit.edu/en/
ملاحظة: البحرين النسبة لصادرات النفط المكرر وصادرات المفط الخام تساوي 1.5% من اجمالي الصادرات
وكما يتبين من جدول 2، تعتمد دول مجلس التعاون بشكل كبير على مساهمة النفط في الصادرات وفي جملة الايرادات الحكومية. في العام 2014، شكلت صادرات النفط الخام حوالي 56٪ من إجمالي الصادرات لدول مجلس التعاون الخليجي، في حين بلغ متوسط مساهمة الايرادات النفطية حوالي 75% من اجمالي الايرادات الحكومية. وبيانات الناتج المحلي الاجمالي توضح بأن مساهمة الأنشطة النفطية في الناتج المحلي بلغت حوالي 36% في العام 2015، ولكنه من المهم الاشارة الى أن أهم قطاع يأتي بعد النفط هو قطاع الخدمات، وقطاع الخدمات امتداد للقطاع النفطي ومرتبط به بشكل مباشر ونشاطه مرتبط باعادة تدوير الريع المتأتي من النفط. وبلغت مساهمة قطاع الخدمات حوالي 41% في العام 2015. فإذا ما تم دمج القطاعين النفط والخدمات (36 + 41) يتضح بأن الهياكل الانتاجية في اقتصاديات دول الخليج لا تزال تعتمد بشكل كبير على الانشطة النفطية.
ويثير الباحثون الذين يدرسون اقتصادات المنطقة مسألتين رئيسيتين: الأولى تتعلق بقدرة دول مجلس التعاون على الحفاظ على النمو الاقتصادي على المدى الطويل بسبب اعتماد الهياكل الانتاجية على الانشطة النفطية. فيعتمد الانفاق الحكومي على الايرادات النفطية ويصل الى 88% في بعض دول الخليج (الكويت)، وحجم ومساهمة النفط الخام في الصادرات تبلغ 76% في دولة خليجية أخرى (المملكة العربية السعودية)..
والموضوع الثاني ومرتبط بالموضوع الاول هو في قدرة دول المجلس على تنويع مصادر الدخل بعيدا عن الأنشطة النفطية. البيانات توضح بأن المنطقة حققت نموا اقتصاديا مرتفعا بلغ في المتوسط 6٪ سنويا في الستينيات وأوائل السبعينات، مقابل انكماش في الثمانينات وأوائل التسعينات. وشهدت المنطقة ازدهارا اقتصاديا مماثلا للازدهار الذي شهدته في الستينات والسبيعنات في الفترة 2000 – 2014، وبلغ متوسط النمو السنوي لدول الخليج حوالي 7%. ومنذ انخفاض اسعار النفط في العام 2014، تراجع نمو الناتج المحلي الاجمالي باسعار السوق في الفترة 2014 – 2016 بحوالي 9% سنويا.
وباختصار، مكنت الموارد النفطية دول المجلس من تحقيق نمو إيجابي في الناتج المحلي الإجمالي وزيادة دخل فردي لكنها لا تزال تعتمد على دخل النفط ولم تنوع قطاعاتها الاقتصادية بعيدا عن الأنشطة النفطية.
كيف يمكن استدامة النمو وتنويع قاعدة الإنتاج الاقتصادي؟ (هذا ما سيتم مناقشته في المقال القادم).