مرئيات

د.عبدالله باحجاج يكتب: كيف نصنع الوعي الوطني بالذباب الإلكتروني؟

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

أثير- د.عبدالله باحجاج

أثير- د.عبدالله باحجاج

عندما كنا في مسقط للمشاركة في مؤتمر مستقبل التعليم والوظائف في عصر الذكاء الاصطناعي ، أتيح لنا الوقت الكافي للتأمل والتفكير ، وإمعان الصفا الروحي والحضور الذهني اللازمين لنجاح تجليات التأمل والتفكير ، وما كان ذلك متاحا لنا في صلالة ، لكثرة انشغالاتنا اليومية في الكتابة الداخلية والخارجية ، والتزاماتنا بالواجبات اليومية والمناسباتية .. مما ينعدم معها فرص إعمال الفكر في قضايا غير تلك التي تعترضنا عرضا ، أو تأتينا من الجمهور فجأة ، والتي نغرق فيها ذاتيا حتى نتمكن من إيصال قضاياهم .

 

زيارتنا لمسقط رغم قصرها ، مكنتنا من رؤية مشهد رغم إننا نعيشه يوميا ، الا أنه اتضح أن معايشتنا له لم تكن سوى كحالة يومية نمطية تراكمية ، تسير بنا مرورا زمنيا خارج نطاق التفكير والتدبير بالسياقات الإقليمية المحيطة بنا ، والوعي من حيث الفعل وردة الفعل ، لو استحضرناها ، فسيتجلى لنا مشهد وطني ، سنعض عليه بالنواجذ ، وسنضحي من أجله مهما كان شعور ومواقف الفرد والجماعة والسلطة ، من هنا وددنا في نقل شعورنا به بصوت مرتفع خاصة في الظرفية الزمنية الراهنة التي نشعر بدرجة حساسيتها الوطنية بصورة غير مسبوقة.

 

  • المشهد الوطني من منظور محيطه الإقليمي .

المشهد الوطني من منظور محيطه الإقليمي .

بدأت تأملاتنا الذهنية مما يعانيه الأشقاء في فلسطين المحتلة واليمن والعراق وسوريا.. وشملت التأملات كذلك ، توترات السلط السياسية الإقليمية مع نخبها ، وتقاطعات الخارجية معها ، وتوترات مماثلة بين دول إقليمية شقيقة ومجاورة مع بعضها البعض .. إلخ وتجنيد عقول متخصصة لتفريق الإخوة وتشتيت شملهم وزعزعة أمنهم واستقرارهم ، ويدفعون لهم الملايين عبر ما يسمى اصطلاحا ” الذباب الإلكتروني ” .

 

بدأ لنا المشهد الجغرافي المجاور والإقليمي مرعبا جدا ، فهناك قتال واقتتال ، وخطف واختطاف ، وشتات وتشتت ، وتحريض ومؤامرات ، ومرض وجهل وفقر ، وأنانية فردية وجماعية ، وتشطيرات ترابية للدول ، واستقواء بالخارج على حساب الداخل… يذكرنا بما كانت عليه بلادنا قبل يوم الثالث والعشرين من يوليو عام 1970 ، لذلك ، نحس بمثل هذه المعاناة أكثر من غيرنا ، ونتعاطف  معهم بقلوب صادقة أكثر من غيرنا ، فلدينا الآن حصانة المقارنة ، وحكمة العقل والتعقل فيها ، فشتان بين مرحلة ما قبل 1970 ، والمرحلة الآمنة والمطمئنة الآن .

 

من هنا ، يبرز مشهدنا الوطني في إطار هذا البعد الجيوسياسي ، وكأننا نرى بلادنا في عالم آخر غير كوكب الأرض ، لا تمت له بأية صلة ، ولا تترابط معها بأية روابط أرضية ولا فضائية ، وأحيانا تتجسد لنا كجزيرة خارج يابستها ، تنعم بالأمن والاستقرار بينما في اليابسة المحيطة بها ، قد انقلب فيها الأمن رأسا على عقب ، وكذلك رأينا بلادنا تعيش حالة سلم اجتماعي ، متناغمة ومنسجمة ، يجمعها قواسم مشتركة رغم وجود الخصوصيات ، بينما قد أشعل في مثل هذه الخصوصيات نيران الفتنة والعداوة في جوارنا وإقليمنا .

 

إنه مشهد جدير بهذا التصوير ، تدفعنا إليه الأهمية الوطنية الكبرى لبلادنا في ظل مجموعة تحديات كبرى سنتناولها لاحقا ، ويدفعنا إليه ، زيادة الوعي بهذه الدولة الآمنة والمطمئنة ، ومسؤولية الفرد والجماعة والحكومة في ديمومته مهما كانت التحديات ، لأننا لسنا في جزيرة منعزلة ، فذلك صورة متخيلة لدواعي تقريب الفهم بأهمية الحالة المتعايشة في بلادنا ، والمسؤولية الجماعية في ديمومتها .

 

وحتى لو كنا في جزيرة مثلا ، فلن نسلم من الاكراهات الخارجية ، ولنا في الذباب الإلكتروني العابر للحدود ، والمخترق للأسراب الآمنة ، مثالا على أهم تهديدات منظومة أمننا واستقرارنا وسلمنا الاجتماعي – سيأتي الحديث عنها لاحقا – .

 

  • استدعاءات من ذاكرتنا الوطنية .

استدعاءات من ذاكرتنا الوطنية .

لن تنسى ذاكرتنا الاجتماعية عمليات تأسيس وحدتنا الوطنية ، وتتذكر انصهار الفرد والجماعة في الدولة أثناء عمليات هذا التأسيس ، وتتذكر ان هذا الانصهار لم يكن وراءه قوة قهر ملزمة ، وانما اقتناع من الفرد والجماعات المحلية بان الدولة هي التي ينبغي أن تستفرد وتحتكر القوة المطلقة العادلة والضامنة للحقوق والواجبات ، وغيرها لن يمكن له تحقيق الاستقرار والأمن والسلم المجتمعي ، لأنه لن يجمع عليه .

 

وهذه قناعة تتعزز كل يوم ، وكل حدث داخلي وخارجي يرسخ هذه القناعة عند الفرد والجماعة ، وبالتالي لا خيار لبلادنا غير خيار الدولة الجامعة للتعدد ، والضامنة عدلا لحقوق الفرد والجماعة في اطار منظومة المواطنة التي تطير بجناحي الحق والواجب .

وكل إشكالية أو احتقان يندلع في بلادنا حتى لو كان عابرا ، فهذا مرده الى خلل في تجسيد منظومة المواطنة ، وبالتالي حل اشكاليتنا القديمة والجديدة والمقبلة ، ستكون في إحداث نقلة سياسية كبرى في مسيرة المواطنة .

 

وما عدا ذلك يرجعنا الى الوراء ، ولا مجال للرجوع اليه ، بحكم ان بلادنا قد أسست دولة قوية بمؤسسات دستورية وديموقراطية وأمنية وعسكرية مستقرة ، وبتشريعات وقوانين حاكمة للخلاف والاختلاف ، وننتظر إعلاء شأنها أكثر فأكثر لمواجهة مثل تلكم الإشكالات .

 

تتذكر الذاكرة كذلك ، أنه لدواعي السلم الاجتماعي ، وديمومة الأمن والاستقرار ، ضحينا بجزء من أرضنا لشقيق وجار .. وذلك حتى لا يضرب الخلاف على شبر هنا أو هناك ، سلمنا وأمننا واستقرارنا في يوم من الأيام ، كالأيام التي تعيشها الآن الجغرافية الإقليمية في صراعات وحروب مع امتدادها المباشرة وغير المباشرة.

 

لذلك ، لن نستغرب أن  تكون بلادنا الآن في منأى عن التوترات الداخلية السياسية وعن الحروب الإقليمية ،  وهذه الديمومة هي التي ينبغي أن تكون الشغل الشاغل لكل فاعل ومواطن وكل مؤسسات الدولة ، لماذا ؟ لأن السلم الاجتماعي مرتبط بالاستقرار والأمن ، وهذان الأخيران مرتبطان بالأول ، وهما يرتبطان بقوة القوة وعدالتها ماضيا ومستقبلا ،  والتلازمية الثلاثية صنعت حالتنا العمانية الآمنة والمطمئنة ، وديمومتها يرتبط بهذه التلازمية .

 

  • التلازمية وتحدياتها الداخلية والجيوسياسية .

التلازمية وتحدياتها الداخلية والجيوسياسية .

 

فعلى المستوى الداخلي ، نجد التحولات الاقتصادية الذي تعيشها بلادنا منذ منتصف عام 2014 ، تشكل تحديات فعلية، ولها انعكاساتها الاجتماعية الواضحة منذ الآن ، وتأثيراتها السلبية على الفرد والجماعة ، بصورة عامة .

ومعظم النخب.. وحتى الكثير من المواطنين لم يستوعبوا حتى الآن معنى تحول دور الدولة من الرفاه الى الجبايات ، لم تصل الرسالة إليهم بصورة واضحة وقاطعة ، فظلت هذه النخب مصرة – بإصرار- على بقاء العلاقة نفسها قائمة مع السلطة ، بينما تحولت السلطة عنها للظروف المالية التي تمر بها الدولة من جهة ولإعادة ترتيب أوضاع الدولة المالية من جهة ثانية  .

 

 ويقف سبب من أسباب عدم هذا الاستيعاب وجود بعض الثغرات الحكومية التي ينفذ من خلالها بعض النخب – وهم قلة– ويتمكنوا من خلالها على الحصول على بعض المنافع والامتيازات ، ليس بالضرورة أن تكون مالية وانما ما يوازيها أو يفوقها – وهي معلومة بالضرورة – .

 

كان يفترض ان يكون المسار قاطعا وشاملا، اذا ما أردنا لرسالة التحولات ان تصل الى مستهدفيها ، لذلك ، فهذه منطقة قد يولد منها احتقانات ، قد تكون مزعجة لمرحلتنا الوطنية ، فثقافة التحول لم تتعمق في البنيات الاجتماعية ، وفي بناها الفوقية ولم تصل الى كل النخب ، فكيف ببقية أفراد المجتمع ؟

 

كما أن هناك الانعكاسات السلبية لعصر الجبايات ، وهي متوقعة ، وستكون فارقة في علاقة السلطة بالمجتمع خاصة عام 2019 ، عندما يتم تطبيق ضريبة القيمة المضافة ، وبالتالي ، فإن الآلام الاجتماعية الناجمة عنها ، ينبغي العمل من الآن على تحييد تأثيراتها على أولى أولوياتنا الوطنية سالفة الذكر ، وإلا ، فإنها ستكون مدخلًا للاختراق الخارجي عن طريق الذباب الإلكتروني.

 

وهذا الاختراق الخارجي يقودنا الى فتح ملف الذباب الإلكتروني وغزوه لمواقع التواصل الاجتماعي العماني – وقد تناولناه في مقال أمس الأول في جريدة الرؤية – تناغما مع ما كشف عنه الأخ سيف المعولي عن هذا الذباب عبر “أثير” حيث سيجد الذباب بيئات مواتية للاختراق ، ولن يتوارى في اقتحامها إذا ما توفرت الإرادة السياسية الإقليمية التي هي الآن محدودة ، ولا تسمح إلا بمناوشات بين الفينة والأخرى .

  • عقول ناقمة وحاسدة .

عقول ناقمة وحاسدة .

لن نكرر ما تناولناه في مقالنا سالف الذكر ، ويمكن الرجوع إليه عبر أداة البحث جوجل تحت اسم ” الذباب الإلكتروني .. واختراقه المواقع العمانية ” عندها سنقف عند قضية ستبرز فوق سطحنا الاجتماعي آجلا أم عاجلا ، ما لم يكن لدينا الوعي الكامل بالأولويات الوطنية ، وخطوطها الحمر ، ومدى الالتزام والإلزام بها طوعيا ، وهو ما نراهن عليه الآن .

 

ورهانات عليه ، يجعلنا نحذر من استهدافات الذباب الإلكتروني لشأننا الداخلي خاصة اذا ما بثت سمومها وجراثيمها في حالة خروج الخصوصيات الاجتماعية والفكرية والإقليمية عن تعايشها  أو جنحت جماعة ، ولوحت باستقوائها العددي  .. عندها ستتمكن الذباب من تهيج الأنفس ، وغليانها ، ثم العمل على انفجارها ،  خاصة وان الذباب ليست لها ضمير ، ولا دين ، ولا قيم أخلاقية تحكم عملها ، وهي تختار بعناية فائقة ، ممن لا يحملون ولاء ولا انتماء جغرافيا ولا سياسيا ، ولا أية مبادئ إنسانية – وفق ما اطلعنا على اعترافات ذبابة تائبة ، سيكون لنا مقال خاص بها – وتتأهل هذه الذباب وفق معاول التدمير وتفكيك الجماعات والشعوب ، ونشر الشائعات والفتن .. بذكاء احترافي ، وكلما نجحت في ذلك  يغدق عليها الأموال التي تسيل لعابها .

من هنا ، ينبغي أن ينتابنا القلق من الذباب الإلكتروني على أولوياتنا الوطنية ، المحددة سابقا ، فلو كان لهذه الذباب دين أو ضمير أو قيم .. لردعها مثل هذه الأحاديث الشريفة على صاحبها أفضل صلاة وتسليم : “الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضاً فالذباب هنا ، تعمل على هدم البنيان ، وهذا من صميم عملها .

من هنا ، ينبغي أن ينتابنا القلق من الذباب الإلكتروني على أولوياتنا الوطنية ، المحددة سابقا ، فلو كان لهذه الذباب دين أو ضمير أو قيم .. لردعها مثل هذه الأحاديث الشريفة على صاحبها أفضل صلاة وتسليم : “الْمُؤْمنُ للْمُؤْمِن كَالْبُنْيَانِ يَشدُّ بعْضُهُ بَعْضاً

 فالذباب هنا ، تعمل على هدم البنيان ، وهذا من صميم عملها .

 

 وكذلك الحديث النبوي ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده..  )) فلم ولن تسلم المجتمعات الإسلامية من شائعاتها وفتنها ، بل هي من أهم أدواتها الحربية ، وحديث آخر الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا” وَيُشِيرُ عليه السلام إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، “بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ“. 

 وكذلك الحديث النبوي ((المسلم من سلِم المسلمون من لسانه ويده..  )) فلم ولن تسلم المجتمعات الإسلامية من شائعاتها وفتنها ، بل هي من أهم أدواتها الحربية ، وحديث آخر 

الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا” وَيُشِيرُ عليه السلام إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، “بِحَسْبِ امْرِئٍ مِن الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ

“. 

لذلك يتم اختيار الذباب مجردة من أية عقيدة سليمة أو قيم أو مبادئ سماوية أو إنسانية  حتى لا يحاسبها ضميرها على تشتيت الإخوة وتدمير مجتمعاتهم .

 

وتخيلوا (100) ألف تغريدة تصدر يوميا من دولة واحدة فقط ، فكيف بدولتين ؟ بل كيف بثلاث أو أربع دول ؟ وكيف لو التقت ذباب هذه الدول على دولة واحدة مستهدفة ، فكيف سيكون أوضاعها ما لم يكن مواطنو هذه الدولة وجماعاتها على قدر عال من الوعي والذكاء ، والقدر نفسه في تحمل مسؤولية التنازل عن حق .. أو التغاضي عن إثارة أو استفزاز حتى لا تنجح الذباب الإلكترونية في تحقيق أجندتها السياسية .

لذلك يظل سلمنا الاجتماعي ، وأمننا واستقرارنا .. أولى الأولويات الوطنية ، وخطوطها الحمر .. وخطنا الدفاعي الأول عنها ، يكمن في المجتمع  عبر وعي نخبه التي عليها أن تدرك التحولات الحقيقية والجادة في دور الدولة ، وتدرك في الوقت نفسه ، استهدافات الذباب الالكترونية التشويش على الحقائق وتغيير نوايا الفرد والجماعة ، وصناعة رأي عام مزيف ، يخرج النوايا الحسنة عن مساراتها ويدخلنا في توترات قد تمس أولوياتنا الوطنية .. فهل وصلت الرسالة ..اللهم اشهد.

Your Page Title