زاوية تربوية

د.رجب العويسي يكتب: إحصاءات تعليمية مغيّبة

د.رجب العويسي يكتب: إحصاءات تعليمية مغيّبة
د.رجب العويسي يكتب: إحصاءات تعليمية مغيّبة د.رجب العويسي يكتب: إحصاءات تعليمية مغيّبة
د.رجب العويسي يكتب: ممكنات البعد الوقائي في السياسات التعليمية، ماذا نفعل؟
د.رجب العويسي يكتب: ممكنات البعد الوقائي في السياسات التعليمية، ماذا نفعل؟ د.رجب العويسي يكتب: ممكنات البعد الوقائي في السياسات التعليمية، ماذا نفعل؟


لم تعد الاحصاءات التعليمية اليوم مجرد ارقام عددية بالموارد والممتلكات التي تحتضنها مؤسسات التعليم المتنوعة، بل أصبح يمثل منطلقا يرسم خريطة العمل القادمة التي تتجه إليها في منظومة الأداء الوطنية، وقياس الأثر الناتج من مستويات الزيادة او الانخفاض في أعداد المنشآت والموارد البشرية التي تضمها والوظائف الشاغرة فيها في قدرتها على الوفاء بالتزاماتها التعليمية، وما يمكن أن تقدمه هذه الاحصائيات من فرص للتحليل والمقارنات في ظل المتغيرات التي تتناولها كالنوع والمسميات الوظيفية والفئات العمرية والتوزيع الجغرافي العددي لها في الادارات والدوائر والاقسام والامكانيات المالية والتوزيع الجغرافي للجامعات والكليات والمعاهد والمراكز التعليمية بمختلف محافظات السلطنة.

ولعل المتتبع لواقع الإحصاءات في المؤسسات التعليمية يظهر وجود تغييب وعدم إفصاح عن بعض الاحصائيات ذات العلاقة بالهدر التعليمي وحالات تعليمية أخرى كالتنمر الطلابي والتأخر الدراسي والتسرب والانقطاع والاعادة والملاحظة الأكاديمية للطلبة في التعليم العالي والجامعي وغيرها، إما لعدم وجود آليات لرصدها في واقع الممارسة التعليمية، أو لمظنة ما يمكن أن يترتب عليها من التزامات قادمة، أو ما قد تحمله من تشويه لصورة المنجز التعليمي المتحقق، أو أن الحصول عليها ينبغي أن يتم بطريقة رسمية وعبر خطابات معينة يحدد مستخدم البيانات الغاية منها، وهي توقعات من الصعوبة التكهن بها، فإن ثقتنا في مؤسساتنا التعليمية تضعنا أمام طموح أكبر في إبراز هذه الاحصائيات بشكل رسمي واضح في المنصة الإحصائية الرسمية والكتاب السنوي للإحصاء بوزارة التربية والتعليم وجامعة السلطان قابوس ووزارة التعليم العالي والكليات والجامعات الخاصة والمراكز والمعاهد المهنية والفنية والتدريبية وغيرها.

إن ما يتحدث عنه واقع الهدر التعليمي الناتج عن وجود هذه الحالات يضعنا أمام توقعات بأن مجموعها مجتمعة سوف يشكل رقما صعبا، يستدعي البحث خلاله عن مسببات اخرى غير ما كان متداولا حتى فترة متأخرة من تفسيرات وتكهنات بأن الزواج المبكر والرغبة في العمل المبكر وتأثر الطالب بأصدقاء السوء هي وراء انتشار مثل هذه الحالات في مؤسسات التعليم عامة والمدارس خاصة ، فإن الواقع يبرز متغيرات ومسببات اخرى غير ما أشرنا إليه، فمثلا هل للفجوة التعليمية الناتجة عن المواءمة لسوق العمل او رغبة الطالب الدراسية والاكاديمية دور في هذه الحالات؟، وهل للمشاعر والتخوفات التي يحملها الطالب حول مستقبله الوظيفي وهو يرى افواج الخريجين وأصحاب المهارات ممن لم يجدوا لهم موقع حضور بوظيفة في القطاع الحكومي أو الخاص؟، وهل لطبيعة البرامج الدراسية المقدمة للطلبة في المدارس والجامعات والقصور الحاصل في تكيف بعضها مع مواهب الطلبة واهتماماتهم أثر في انتشار هذه الحالات؟، وهل لسياسات الضبط وإدارة السلوك الطلابي في بيئات التعليم علاقة بذلك؟، وهل للضبط الاجتماعي والقوانين والأنظمة التعليمية وآلية المتابعة لها في فقه الطالب وسلوكه علاقة بالوضع التعليمي لهذه الفئات؟، وهل يشكل محدودية التنوع في المسارات المهنية من التعليم المدرسي ( أكاديمي فني تقني تجاري صناعي الخ) دور في انتشارها؟، وهل لأساليب التقييم والتشخيص لمستوى الطالب الدراسي وأدوات تقويم الطلبة أثر في انتشار هذه الحالات؟، وهل لعدم قدرة بعض الطلبة على تجاوز السنة التأسيسية في التعليم الجامعي علاقة بهذه الحالات؟ وهل سيكون وجود البيئة التعليمية والاكاديمية التي تحتضن الطلبة أثر في تحمل الطالب لعبء آخر غير تعلمه خاصة في ظل سياسات التسكين الخارجي لطلبة مؤسسات التعليم العالي وجامعة السلطان قابوس؟، كل هذه التساؤلات وغيرها باتت تطرح متغيرات جديدة في فرص انتشار هذه الحالات في مجتمع المتعلمين.

من هنا فإن الإفصاح عن هذه الاحصائيات حالة صحية تربوية ينبغي عدم تغافلها او تجاهلها احصائيا، بل العمل على ابرازها بالشكل الذي يتيح للدارسين والاكاديميين والباحثين الاجتماعيين والتربويين وغيرهم قراءة الحالات ودراستها والتعمق فيها للوصول إلى مقترحات واليات عمل قادمة تضع المجتمع امام مسؤوليته في التعامل معها، ولكونها مؤشرات تدق ناقوس الخطر تستدعي المزيد من الاجراءات التنظيمية والهيكلية الداعمة، لتجد في المقابل من يدعم مسار تصحيحها عبر أطر تشريعية ورقابية وتنظيمية ومتابعة لها وتوفير بدائل تضمن تحقق حلول واقعية داعمة للتحول الايجابي في التعامل مع ابجديات هذه الاحصائيات، وبالتالي العمق في فهم الحالة التعليمية ودراسة اسبابها والتعامل مع العوامل المؤثرة فيها وبناء مسار تفاعلي معها وحشد تكاتف مجتمعي لها، ومعنى ذلك أن الهدف من إبراز هذه الاحصائيات ومؤشراتها في الإحصاء الرسمي توفير أرضية داعمة للمؤسسة في البحث عن أدوات واستراتيجيات وطنية وتفعيل بعض التنظيمات المؤسسية التشريعية والرقابية وغيرها في سبيل دعم مسارات المحاسبية التي تقدمها هذه المؤشرات الاحصائية في حالة وجودها وتفصح عنها في الواقع لجعلها خيارات استراتيجية تبرز على هيئة توجهات وطنية يتعامل معها قطاع التعليم كأولوية مع ما يمكن أن يقدمه ذلك للشركاء في المجتمع وقطاع المال والاعمال ، أو للشركاء في التعليم من معلمين وأكاديميين ومشرفين ومتابعين وغيرهم، من فرص لتدارك الوضع وتبني البرامج الوقائية والتأهيلية والاثرائية والعلاجية المساندة في دراسة هذه الحالات والضبابية الحاصلة فيها.

ونعتقد بأن على المركز الوطني للإحصاء المعلومات في ظل مبادراته المشهودة أن يدعم مؤسسات التعليم والجامعات والكليات على اجراء مسوحات تشخيصية واسترشاديه واستقرائية قادرة على الوصول إلى فهم المعطيات التي تقف خلف هذه الحالات، وعبر خلق تناغم بين ما تتطلبه آليات التعامل مع هذه المؤشرات والواقع الاجتماعي واتاحة الفرص للمزيد من البحث والتحليل والتشخيص والحوارات واللقاءات في رصد هذه المؤشرات والية التعامل معها وكيفية تبني مسار وطني واضح في التقليل من مخاطرها الاقتصادية والاجتماعية على المنظومة الوطنية عامة والتعليم بشكل خاص. وفي الوقت نفسه بما تشكله هذه الحالات من هاجس لدى مؤسسات التعليمية (الوزارات، الجامعات، الكليات، معاهد التعليم ومراكزه وبرامجه الاكاديمية) في امتلاكها الإجابة عن التساؤلات التي تطرحها منظومة الاعتماد الأكاديمي، وعلى المجتمع المحلي وهو يجد أبنائه في الشوارع عاطلين / تائهين/ باحثين عن مسار جديد بعد حالة اخفاق متكررة في دراستهم او تحصيلهم الأكاديمي لم يجدوا فيه من يأخذ بأيديهم أو يقترب من صمتهم أو يصفح عن زللهم.

Your Page Title