ابتكار الألم
قصص لمحمد جعفر
محمد الهادي الجزيري
قاصّنا اليوم من الأردن الشقيق، انتبهت إليه عبر قنوات التواصل الاجتماعي وهو يطرح مجموعته القصصية ويعلن عن ولادتها ..، فاتصلت به وكان لي ما طلبت ..فقد أهداني نسخة من ” ابتكار الألم ” ..، وأحرص على اقتطاع مقطع من ” صوت ” الذي أراد أن ينظّر في بداية المجموعة ..لنظرته للكتابة التي تعاني من مشاكل كثيرة:
” الرهان الأساسي في العملية الإبداعية ـ منذ البدايات ـ كان في كيفية القول، وإذا كان البحث عن إمكانات جديدة وغير مسبوقة بغرض الإمساك بتعقيد الوجود والظرف الإنساني ضرورة لا مناص منها، فإنّ الإغراق في الذاتية سمة الأدب في العصر الحديث..”
يفتتح الكاتب السرد بقصّة ” الشكّ ” وهي تتحدّث عن باطن عقل امرأة ..تكتشف ورقة في ثياب زوجها مكتوب عليها رقم هاتف…، وتنطلق الأحداث ..فيتابع القارئ رغبتها الفوريّة في الطلاق..ثمّ تواصلها برقم الهاتف وتظلّ بلا ردّ..، خلاصة القول يمرّ الكاتب بحياة تلك المرأة من إنجابها طفل وخضوعها لطلب زوجها بالبقاء في البيت وترك عملها ..، ويظلّ يجرد لنا ما تعانيه من مشاكل..قبل الارتباط وبعده …، وأخيرا يقنعها الواقع المعاش بالرضا والاستسلام …ونقرأ في خاتمة القصة :
” إنّها وبأي حال لا تريد أن يختفي زوجها من حياتها إلى الأبد، لا ترغب في أن تجد نفسها ذات يوم على السرير وحيدة دونه، لا تريد أن يحصل هذا، كما أنّها موقنة أنّها لا تحتاج إلى شخصه لكنّها تحتاج إلى حضوره “…
وكلّ ما سرده الكاتب جولة في ذهن زوجة ينتابها الشكّ…ووساوسها في غياب زوجها…
في قصّة ” القضية ” نجد أنفسنا وجها لوجه مع كاتب فاشل يتبع هلوساته فور قيامه من النوم واطلاعه على خبر مسابقة أدبية وقيمتها الماديّة الهائلة ..، فجأة يجرّ مكتبا قديما إلى غرفة النوم ..ويبدأ الكتابة والتدخين وإصدار الأوامر للزوجة التي ليست مؤهلة لتقييم هذا المبدع الكبير..، ثمّ وبعد شطحات كثيرة ..يطلب من الزوجة أن تعطيه رأيها …فوجد رأيها مراوغا ” فأكّدت له أنّ القصّة جيّدة، لكنّها تظلّ في حاجة إلى بهار وملح ” …
وأخيرا ينتهي الأمر على كتابة قصّة عن فلسطين ونزيفها وشهدائها لجلب انتباه لجنة التحكيم ..بل أكثر من ذلك:
” ستحقق تحفته الأدبية التي سيكتبها عن فلسطين صدى طيّبا، كما أنّه سيفحم لجنة التحكيم ويجعلها في حرج كبير إذا ما حاولت أن تسعى بالجائزة إلى سواه، وله من الآن أن يتدبّر كوفيّة فلسطينية مناسبة يضعها شالا حول رقبته، وذلك حين يصعد المنصة فائزا تدليلا على تعاطفه وإخلاصه للقضيّة ”
في قصّة ” التباس ” ثمّة حادثة قتل، الضحيّة رجل أمن يغرق في دمائه ..وفي اليوم الموالي في الصباح الباكر يتقدّم المجنّدون صوب القاتل..ثمّ يلقون عليه القبض..وحين يستوجب عن جريمته يجيب “هذا ليس صحيحا، لا علاقة لي بشيء،لا بدّ أنّكم وقعتم على الرجل الخطأ” ومن هنا يلجأ الكاتب إلى إعادة النصّ كما هو مرّتين أخريين ..ليؤكد أنّ الخطأ إنساني ويبرهن على أنّ الكثيرين اتهموا ظلما وسجنوا لا لشيء إلاّ أنّ التحقيق يحتاج إلى مذنب :
” لاحقا، وبدل أن يخلوا سبيله لعدم توفّر الأدلة أخضعوه لمحاكمة صورية وحكموا عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، إذ يجب أن يكون هناك متّهم أن يحملونه وزر القضيّة كلّها ”
بعنوان ” قصص تضيء على المتاهة البشريّة ” قدّم الأستاذ محمود الريماوي وممّا ورد في مداخلته القيّمة :
وبقراءة هذه المجموعة يتعرف القارئ على مبدع موهوب، يشق طريقه بأناة وثبات، وبخصوصية واقعية جديدة ّستفيد من إنجازات السرد في العالم من حيث الإفادة من لغة الصحافة ومن اللقطات شبه السينمائية ومن كسر الحاجز “الوهمي” مع المتلقي… ما يجعل هذه المجموعة مدعاة للترحيب والاحتفاء بها