أبجد

محمد الهادي الجزيري يكتب: يمشي كنهر دونما ضفاف لـ عمر شبانة

محمد الهادي الجزيري يكتب: يمشي كنهر دونما ضفاف لـ عمر شبانة
محمد الهادي الجزيري يكتب: يمشي كنهر دونما ضفاف لـ عمر شبانة محمد الهادي الجزيري يكتب: يمشي كنهر دونما ضفاف لـ عمر شبانة

يمشي كنهر دونما ضفاف لـ عمر شبانة
عمر شبانة
يا قلبيَ المغدور…يا نايا تكسّر في الظلامْ


محمد الهادي الجزيري

في المراعي والهضاب المفتوحة نشأ الطفل ..واكتشف العالم وقام بكلّ أفعال الحياة ..وهذا ما أرادنا أن نعرفه ..، لذا افتتح عمر شبانة مجموعته ” يمشي كنهر دونما ضفاف ” بتتبع مجرى الطفولة..ذاك العميق الضّاج بما يحبّ ..حيث البداية المليئة بالدهشة ..ولكنّه منذ تتالت ضدّه هجمات ” وحوش ” غير معلنة وغير معرّفة كذلك ..قصد المدينة فانطلقت رحلة الشعر فيه وبه ..وإن حافظت في كلّ الكتاب الشعريّ على منبعها الأصلي ألا وهو الطفولة وعبثها وحماقاتها وعشقها الذاهب في النفس مثل السيف :

” في حقول البطاطا
غريبا ولدتُ، نشأتُ،
أكلت، شربت، ونمتُ،
حلمتُ، ترعرعت بين الدراويش،
صلّيت، صمت، رقصتُ كجدّي،
وإذ هاجمتنا وحوش كبرتُ،
وهاجرتُ صوب المدينة،
باغتني عُريها صارخا،
أيقظت فيّ ماء غريبا،
وغسّلني عطرها بأزاهير عشق،
وألقت عليّ ملامحها الفاتنة ”






من منّا لم يغنّ ” لفاطمة ” زهرتنا الأولى وقِبلتنا خاصة حين نكبر..؟، يبدو لي أنّ الشاعر عمر شبانة مصاب بها إلى حدّ التلاشي والذوبان ..، وعاد إليها في كبره البيولوجي وصغره الدائم الشعري ..عاد يستحضر معها الماضي الذي مازال حاضرا فيه ..في بواطنه وخفاياه ..انصتوا إليه وهو يمدح فاطمة …بل يمدح عمره الذي مرّ بسرعة ..ويمدحها وقد ذهبت في إثر الريح تاركة صورتها الشعرية في نفس الشاعر..:

” يا بنت حنطتنا
كأنّك من ذهبْ
وكأنّ ثوبكِ
من مياه
أو قصبْ



من أيّ قهر جئتِ
قهرك ناضج
ويداكِ من عنب
ووجهك أخضرُ ”



وفي خاتمة القصيدة يلوذ بالوطن الذي ينفلت من بين الأصابع ..يلوذ بفلسطين قبل أن تتلاشى وتضمحل..إذ أنّ كلّ أحلامه ذوت وليس أمامه إلاّ شاطئ في بحر عكا ..لعلّه يلمّ شتات الحبيبين بعد ضياعهما في متاهة الأيام والجغرافيا…

” كم شاطئا
للتائه المطرود
هل من شاطئ
في بحر عكا
كي يلمّ شتاتنا ”



يعود في نصّ شعريّ إلى التوغّل من جديد في الحياة..، يمضي بعيدا في كلّ شيء ..يتتبع
الماعز حيث يريد هو، يدخل كلّ مغلق ويفتحه باللغة ..، ويبقى هناك يتعلّم الحياة بعد أن فقد أبجديتها ولونها وطعمها..، في المقطع الموالي يدخل بنا أماكن وجهات نحن نعرفها ولكنّ الشاعر دليلنا هذه المرّة :


” راع وفلاّح
حقولي حالمات
ماعزي جبليّة، شامية،
ومياه بئري من جبال الحلم أجمعها،
خلايا النحل في قلبي تعشّش،
إنّني قيثارة للصمت ، أو ناي،
وقلبي يعرف الحانات والحارات
والأسواق والأشواق
في بيت بدائي يعلّمنا الحياةْ ”
خاتمة لإطلالتي على مجموعة الشاعر عمر شبانة ” يمشي كنهر دونما ضفاف، أشكره على هذا التميّز الواضح في هذا الكتاب الشعري..، وإنّي على موعد آخر مع نصوصه النابضة وعلى عودة أكيدة لما حبّره من ألم وأمل..وما فتّته من ذاته من صور فاتنة ..، وأترككم مع عمر شبانة في مقطع أخير..يعرّف نفسه ويبكي على ما كان منه ومن الدنيا:






” أنا ابن ريف
كنت أحسب أنّني
أغزو المدينة،
لم أكن أدري
بأنّ مدينة تغزو دمي
بجحافل الإسمنت،
أحلامي
قطارات وأنفاق
فهل كُتب الرحيل عليّ
من منفى بلا وطن
إلى وطن هو المنفى “






Your Page Title