أثير-د.سالم الشكيلي
النقد أمرٌ مرغوبٌ فيه وهو ظاهرة صحيّة تؤدي إلى كشف الخلل، ومنع الزلل، وتصحيح المسار إن كان ثمة خطأ يكتنف الموضوع محل النقد، ولا يمكن بأي حال من الأحوال مصادرة هذا الحق من قبل أي فرد أو جهة كانت، باعتباره صورة من صور حرية الرأي والتعبير عنه.
والحقيقة التي أرغب في تبيانها قبل البدء في موضوع المقال، إنني هنا لا أدافع عن مجلس الشورى رغم انتمائي له ومن حقي وواجبي أن أفعل ذلك، وكذلك لا أدافع عن أعضائه فهم قادرون على الدفاع بأنفسهم بجدارة أكثر مني باعتبارهم المعنيين بهذا الموضوع، لكنني أكتب هذا المقال من منطلق قول الحق، وأداء الشهادة، وعرض الحقائق على الناس حتى يكونوا على بينة من الأمر فهم المعنيون أولًا وأخيرًا.
لقد تلاحظ خلال الفترة الماضية ظهور انتقادٌ عنيفٌ ضد مجلس الشورى وأداء أعضائه من قبل بعض الكتاب الفضلاء، وحتى من قبل بعض الجمهور، والنقد -كما قلنا- لا غضاضة فيه بالمطلق، ولكن النقد يجب أن يتسم بالموضوعية والسعي إلى البناء وليس الهدم، دون شطط أو غلو في هذا النقد؛ كي لا يتحول إلى مادة وكأنها موجهة ولها مآرب أخرى، وعلى هذا فإنني أرى وبتواضع تام أن تتوفر للناقد عدة عوامل من بينها : أن يكون مطلعًا وملمًّا بالموضوع محل النقد من جميع جوانبه ، ولن يتأتى ذلك إلا إذا كان الناقد من ذوي التخصص في المجال ذاته ، فعلى سبيل المثال لن يكون نقد المهندس لأداء الطبيب مهنيًا وعلميًا، وينطبق المثل على نقد الطبيب على أداء المحامي، وحتى لدى الإعلاميين تخصص فهناك إعلامي متخصص في المجال السياسي، وآخر في المجال القانوني وثالث في المجال الفني ورابع في المجال الرياضي وهكذا ، أما أن يقحم المرء نفسه في كل شيء دون اطلاع بجميع جوانب القضية فقطعًا لن يكون نقده هادفًا وبنّاءً ، والعامل الآخر الذي لا بد من حضوره عند توجيه سهام النقد هو الحياد والشفافية التامة دون ليّ للحقائق، أو تضخيم وتهويل من أجل إيهام الرأي العام بما ليس صحيحًا أو على أقل تقدير عرضًا للمشكلة غير مكتملة الأركان .
ولكي أكون منصفًا في قولي لن أزعم أن أداء مجلس الشورى مثاليٌ كما نريد جميعًا، فالمثالية أظنها في زمن كهذا ليست متحققة في أي شيء من تفاصيل حياة البشر، فالكمال لله وحده جل شأنه، أما نحن البشر فتتفاوت قدراتنا وإمكانياتنا واستعداداتنا الذهنيّة والفكريّة والمهنيّة، وهذا بلا شك هو الذي يصنع الفارق في الأداء والإتقان، وأعود للقضية الأساسية وهي الانتقادات الموجهة لمجلس الشورى وأعضائه ولكي نصل إلى حكم منصف وعادل ومن دون تمييع للحقائق يتوجب الانطلاق لهذا الحكم من عدة مرتكزات وهي:
الأولى أنّ مجلس الشورى لا يعمل منفردًا في الدولة، فكما هو معلوم هناك ثلاث سلطات تنفيذية وتشريعية وقضائية ولكل سلطة من هذه السلطات اختصاصات حددها النظام الأساسي للدولة، وعلى ذلك لا يجوز لأي سلطة أن تسلب اختصاصات ممنوحة لسلطة أخرى أو تحل نفسها مكانها وإلا كنا أمام مخالفة صريحة لأحكام النظام الأساسي للدولة.
الثانية، إن مجلس الشورى رسم وحدد له النظام الأساسي للدولة ثلاث وظائف تتمثل في التشريع والرقابة والاختصاص المالي، ومن هنا فمجلس الشورى لا يمكن أن يخرج عن حدود الاختصاصات تلك، أما الجانب الآخر فحتى تلك الاختصاصات هي مقيدة في ممارستها بنصوص تحكم المدى الذي يمكن أن تصل إليه الممارسة وإلا عُدَّ ذلك بلغة القانون غصبًا أو تجاوزًا للسلطة، ولكي يكون الكلام واضحًا فإنّ بعض الاختصاصات غير مكتملة البنيان وخصوصًا في مجال الرقابة والاختصاص المالي، وعليه لا يصح العتب أو اللوم في هذا الجانب.
إن أي ممارسة خارج إطار النصوص والصلاحيات الممنوحة للمجلس ستكون باطلة لا محالة، وينطبق هذا الحكم على ممارسة المجلس لصلاحياته خارج المكان والزمان المحددين له، وهنا أضرب مثالًا على تلك الدعوات التي كانت تطالب المجلس باتخاذ إجراءٍ ما حول بعض الأحداث المحلية التي وقعت في الإجازة البرلمانية الأخيرة، فالقول واحد وهو أن المجلس ممنوع من ممارسة أية اختصاصات أثناء الإجازة البرلمانية، ولو حدث ذلك فإن الاجتماع وما ينتج عنه يكون باطلًا وهذا بحكم النظام الأساسي للدولة وما استقرت عليه دساتير العالم.
الثالثة، تتمحور في أنّ المجلس ليس جهازًا تنفيذيًا ولا يمكن أن يحل نفسه محل الحكومة فيما يتعلق بتسيير المرافق العامة وتقديم الخدمات للجمهور وتنفيذ القوانين، إلى جانب أنّ بعض اختصاصات مجلس الشورى تخرج على شكل توصيات، ما يعني أنّ هذه التوصيات ليست ملزمة للحكومة قانونًا فأي عتب أو نقد يصح هنا ؟
كل هذا يدفعني للتأكيد بأن مجلس الشورى وهو يمارس صلاحياته لا يمارسها منفردًا حتى يُلقى اللوم والعتب عليه بشكل مطلق، وإنما يعمل ضمن منظومة قانونية، فهناك مجلس الدولة وهناك أيضًا الحكومة وهي الطرف الأكثر تأثيرًا بما تملكه من اختصاصات وصلاحيات واسعة.
وفيما يتصل بما يُقدمه الأعضاء من خدمات للمواطنين، أولًا على المنتقد لهذه الخدمة أن يوجه حديثه للمواطنين ما إذا يمكن أن يعفوا ممثليهم عن القيام بهذا الدور، أنا أعلم أنها ليست مهمة الأعضاء الأصلية وهم يقدمون بذلك خدمة للمواطنين فهل نؤنبهم على هذا ؟ ، ثانيًا هذا الدور الذي يقوم به أعضاء مجلس الشورى ، يمارس لدى كل أعضاء البرلمانات في العالم فكأنها تركة تتوارثها البرلمانات واحدًا تلو الآخر، لقد ذكر لي رئيس مجلس النواب في إحدى الدول العربية ذات العراقة في الممارسة البرلمانية، بأن العضو أو النائب عندهم أصبح نائب خدمات، فلا تغلظوا القول على أناس أرادوا خدمة مجتمعهم بجهودهم الشخصية
نسمع ونشاهد أيضًا، نقدًا موجهًا لأداء بعض الأعضاء على أساس عدم تلبيته لطموحات المواطنين، وأقولها بشكل صريح وواضح لا لبس فيه، من المجحف أن نلقي باللائمة على هذا العضو أو ذاك، من الذي أتى بهؤلاء إلى المجلس، ألسنا نحن الناخبين؟، أعتقد أن الإجابة لن تكون إلا بنعم، وعندها نتحمل جزءًا من المسؤولية إن لم يكن كلها، علينا منذ البداية أن نحسن الاختيار بعيدًا عن الممالأة القبلية والأسرية، علينا أن نغلب المصلحة الوطنية وأن نترفع عن أي عواطف أخرى.
وحتى يكتمل العرض ونصل إلى مرحلة إصدار الحكم، فأعضاء مجلس الشورى هم بشر يصيبون ويخطئون وعليهم أن يُدركوا ذلك، وعلى بعض الأعضاء أن يتفاعلوا بإيجابية مع ما هو منوط بهم، وعليهم أيضًا أن يفهموا أن العضوية ليست تزيّنا باللقب وكفى، بل هي مسؤولية حملها إياهم ناخبوهم وهم في ذلك مؤتمنون على تمثيلهم أحسن تمثيل، والتمثيل في نظري الشخصي ليس بالصراخ وعلو الصوت وكيل الاتهامات للآخرين دون سند قانوني فالهدوء في العرض أقصر طرق الإقناع لدى الطرف الآخر .
خلاصة قولي هنا أنّ الكاتب -أي كاتب- عليه أن لا يرمي التهم جزافًا، وأن لا يتحامل على طرف دون آخر، وإنما عليه أن يحيط بأبعاد الموضوع وتفاصيله وعلاقة كل طرف بالآخر، وفيما يتعلق بالحكم على مجلس الشورى علينا أن نمعن النظر أولًا في أحكام النظام الأساسي للدولة الحاكمة لعمل المجلس وحدود الصلاحيات الممنوحة له وفهم طبيعة ونوع العلاقة بينه وبين الأطراف الأخرى ذات الصلة، أما كيل الاتهامات وتمييع الحقائق سواءً بقصد أو بدون قصد فذلك تجنٍّ ما بعده تجنِّ، وقفز فوق الواقع ، ويكشف عن جهل لصلاحيات المجلس، الذي أصبح بحق بين مطرقة الاتهام وسندان النصوص الحاكمة لعمله.