أثير- المختار الهنائي
رغم الحملات التي تقوم بها عدة جهات حكومية وخاصة بمواضيع النصب والاحتيال الإلكتروني، إلا أن العملية ما زالت مستمرة، ومع تغير طرق الاحتيال إلا أن الهدف واحد وهو الاستيلاء على أموال الضحايا، وهناك قصص كثيرة نشرتها هذه الجهات بجانب بيانات وأحكام وضبطيات تم إيهام الضحايا فيها بأنهم ربحوا مبالغ مالية، تكون تارة عن طريق البنك، وأخرى عن طريق شركات الاتصال.
وبالرغم من كل التحذيرات والنشرات، إلا إنه وللأسف الشديد ما زال الكثير من المواطنين يغيب عنهم الوعي بعدم الانجرار وراء هؤلاء المحتالون، غياب الوعي لا يعني غياب المعرفة، فالمعلومة انتشرت عن النصب وكيف يتم استهداف الضحايا، بل وأن الحملات التوعوية انتشرت في كل مكان سواء كانت في مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر التلفاز أو تلك الميدانية التي تقام حتى لطلاب المدارس.
“أثير” تسرد قصة احتيال وقعت لأحد المواطنين، غاب عنه الإدراك بإنه وقع ضحية نصب واحتيال، ولكن لم يغب ذلك عن الجهات الأمنية والقضائية التي لم تثني جهدًا في سبيل تطهير البلاد من هؤلاء الشرذمة، القصة نشرتها مجلة “المجتمع والقانون” التي يصدرها الادعاء العام، لتنشرها الصحيفة بغرض توعية المواطنين والمقيمين.
تبدأ أحداث القصة حين بدأ متهمين اثنين من الجنسية الآسيوية بالاتصال على المجني عليه وذلك عن طريق مكالمته هاتفيًا، وإيهامه بأنهما يعملان في إحدى الشركات المشغلة للاتصالات بالسلطنة، وأنه ربح عبر السحوبات جائزة مالية وقدرها عشرون ألف ريال عماني وأنهما يرغبان في الحصول منه على بعض المعلومات للتثبت من صحة بياناته الشخصية قبل تسليمه الجائزة.
لم تدع تلك البشرى الزائفة التي ساقها المتهمان للمجني عليه أي مجال لديه للتفكر والتحقق من صحة تلك الرواية أو مصداقيتها، على الرغم من وقوع العديد من الأفراد كضحايا لمثل هذه التصرفات، فضلًا عمّا يبثه الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والجهات المعنية من نصائح وتحذيرات ملحة لعدم الانجراف لمثل هذه الأساليب الاحتيالية.
لم يكن المجني عليه يعلم أنه سيقع ضحية احتيال يكبده مبالغ مالية، وأن الربح الذي أوهماه إياه هو خسارة له، وما إن أدرك المتهمان وقوع المجني عليه في شراكهما، أخذا بلف حبال الكذب والزيف عليه، وذلك بسرد بعض المعلومات الشخصية الخاصة به، اسمه ومحل إقامته والتي أصبح الحصول عليها سهل المنال بفضل وسائل تقنية المعلومات، وكان الغرض من ذلك بث الطمأنينة في نفسه، وليزداد يقينه الزائف بارتباط المتهمين بشركة الاتصالات بسبب معرفتهما ببعض بياناته الشخصية.
طلب المتهمان من المجني عليه تزويدهما برقم بطاقته المدنية، موهمين إياه برغبتهما في مطابقتها ببياناته المثبتة كما سألاه عن اسم البنك الذي يتعامل معه، وما إذا كان لديه أي تطبيق إلكتروني لإدارة حساباته البنكية، رغم أن تلك المعلومات بالنسبة للمجني عليه ليست ذا أهمية، لكنها قادت لاحقا بالمتهمين إلى الوصول لحسابه.
طلب المتهمان من المجني عليه تزويدهما برقميّ حسابه وبطاقته البنكية، بعد أن أوهماه بأن البيانات مهمة لإتمام عملية تحويل مبلغ الجائزة، وما أن حصلا على تلك البيانات، عمدا إلى تثبيتها في أحد التطبيقات الإلكترونية بالهاتف، بهدف الوصول الكامل إلى الحساب البنكي الخاص بالمجني عليه، وكانت الرسائل المتعلقة بتفعيل التطبيق تصل إلى المجني عليه، ولسوء الحظ زود بها المتهمين، ظنًا منه بأنها بيانات سرية لتحويل الأموال في حسابه، في حين أن المتهمين تمكنا بواسطة تلك البيانات من الوصول إلى حساب المجني عليه وسحب مبلغ وقدره خمسة آلاف ريال عماني، وتحويلها إلى حساب آخر.
تفاجأ المجني عليه بوصول رسائل نصية إلى هاتفه تفيد بسحب مبلغ مالي من حسابه عوضًا عن إيداع مبلغ الجائزة المزعومة، وحاول الاتصال بالمتهمين للاستفسار عن سبب ذلك، وكانت الصدمة بأن الهواتف مغلقة، ليدرك حينها وقوعه في شرك الاحتيال.
تقدم حينها المجني عليه ببلاغ إلى الجهات المختصة بعد أن أسرع في غلق الحساب البنكي خشية استيلاء المتهمين على مبالغ إضافية، وباشر مأمورو الضبط القضائيّ التحقيق في الواقعة بالتعاون مع الادّعاء العام، حيث تمت مخاطبة شركات الاتصال للحصول على بيانات الهاتف التي أجرى منه المتهمين المحادثة مع المجني عليه، ولكن للأسف، تبيّن أن الرقم مُسجل باسم أحد الأشخاص من الجنسية الأسيوية، ولكنه غادر الأراضي العُمانية قبل ارتكاب المتهمين للجريمة بفترة من الزمن.
وبتتبع بيانات الحساب البنكي الذي حول فيه المتهمين المبالغ التي استوليا عليها من المجني عليه، اتضح بأنه مملوك لشخص آخر من الجنسية نفسها، وتبين أنه مغادر للسلطنة أيضا قبل قيام الجرم، إذ عمد المتهمان إلى استخدام بعض البيانات الشخصية لأفراد غادروا البلاد حتى يصعب تعقبهم.
ظن المتهمان أنهما بهذا الفعل قد ابتعدا عن أعين الرقيب، ولم يدركا إمكانية تتبعهم، وذلك بعد أن بادر المتهم الثاني على تحويل الأموال التي استوليا عليها إلى بلده عن طريق أحد محلات الصرافة، مستخدمًا في ذلك بطاقة الحساب البنكي التي أودعا فيها الأموال غير المشروعة؛ ليتم ضبطهما حينها من قبل مأموري الضبط القضائي.
وبالتحقيق مع المتهمين بمعرفة الادعاء العام، أنكرا بداية الأمر علاقتهما بالعملية الاحتيالية، إلا أنهما لم يجدا مناصًا من الإقرار بعد تطويقهما بالأدلة المتحصلة ضدهما، كالتصوير المرئي من كاميرات المراقبة المثبتة بمحل الصرافة، فضلا عن ضبط بطاقة الحساب البنكي التي استخدماها في تحويل الأموال المستولى عليها، ليحيلهما الادعاء العام بعد انتهاء التحقيقات إلى المحكمة المختصة لمحاكمتهما عن جناية غسل الأموال المؤثمة بنص المادة (88) بدلالة المادة (6) من قانون مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وجنحة الاعتداء على بيانات بطاقة مالية، المؤثمة بنص المادة (28) من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
وبعد محص المحكمة وقائع الدعوى، ووقفت عليها عن بصر وبصيرة، خلصت عن يقينًا تامًا إلى إدانة المتهمين بالجرمين المنسوب إليهما، وقضت بمعاقبتهما بالسجن سبع سنوات، والغرامة عشرة آلاف ريال عُماني عن جناية غسل الأموال، والسجن سنة عن جنحة التعدي على بيانات بطاقة مالية.
انتهت أحداث هذه القضية، وأخذ الجناة جزائهم بفضل القانون ورجالاته، ولكن يبقى التحدي الحقيقي في الوعي الذي يجب أن يتحلى به جميع المواطنين، ويسعون إلى تثقيف أنفسهم والمتابعة باهتمام للتحذيرات والحملات التي تقوم بها الجهات المختصة، والتي لها كل الشكر على حرصها لتوعية المواطنين والمقيمين لعدم الانجراف تحت وطئة المحتالين وإن تنوعت أساليبهم.