أثير- د.سالم الشكيلي
ما من بلد في هذا العالم كله ، إلا وتواجهه مشكلات في فترات مختلفة من حياته ، وتتنوع هذه المشكلات من اجتماعية إلى سياسية إلى اقتصادية ، وغيرها من المشاكل ؛ وعلى الرغم من أنّ حجم المشكلة وقوة تأثيرها تتوقف على معطيات وعوامل عدة ، بعضها ما هو داخلي وبعضها ما هو خارجي ، إلّا أنه من نافلة القول وليس من باب المبالغة القول بقسوة وخطورة المشاكل الاقتصادية ، لما قد يولد منها مشاكل ذات طبيعة اجتماعية وسياسية بل وحتى أمنية ، تكاد تطال لُحمة المجتمع وترابطه وانسجامه ، بل إنّ تأثير تلك المشاكل يمكن أن تستغله الأيادي المتربصة بالوطن ، والقلوب السوداء التي تُبطن حقدا وغيظا دفينا ومكبوتا ، تجد فيها فرصة لتفريغ أحقادها في النّيل من نسيج الوطن ، والالتقاء التام والمنسجم بين المواطن وقيادته وحكومته .
لقد مرت كافة الدول بمنعرجات من هذا النوع بحسب تقلب الأوضاع الاقتصادية ، وربما زادت هذه المنعرجات بعد أن أصبح النفط هو الحاكم الفعلي للدول التي أغفل بعضٌ منها نفسها في فترات الرخاء ، وأخذت ما يشبه المخدر ذي الفاعلية القصوى ، إذ اعتمدت على ما تجنيه من هذا المورد دون تخطيط حقيقي وفعلي لتنويع مصادر الدخل الوطني ، واكتفت بالشعارات الرنانة ، والعبارات التي تدوّن على مجلدات خططها الاقتصادية ، حتى بات السياسيون يبشّرون بتنويع مصادر الدخل كل عشيّة وضحاها ، وخصوصًا عندنا ، فقد بدأت هذه البشارات تتتابع ، بشرى تتلوها أخرى، بدأت منذ منتصف الثمانينيات ، ويبدو أنّ المنظرين كانوا يعطوننا من ذات المُخَدّر شديد المفعول الذي اعتدنا على تعاطيه صباح مساء ، تسندهم آلة إعلامية تسبّح بحمدهم ، حتى وكأنّ هؤلاء المنظّرين معصومون عن الخطأ ، لايقولون إلا صوابا ، ولكن لأنّ لكل مفعول مدة يفقد بعدها قوته ويتلاشى ، فلا يعود له تأثير يُذكر ، صَحَونا على وضْعٍ أشبه بالكابوس ، فلا تنويع لمصادر الدخل ، بل تجويع لها.
لدينا مقومات عديدة وهائلة لتنويع مصادر الدخل ؛ ولكن للأسف لم يُحْسَن استخدامها إلًا في حدود استغلالية لمصالح خاصة لفئات خاصة ، في استغلال مقيت وفاضح ، أصبح لا يخفى على المواطن نشازه ، حتى الاستثمارات التي دخلناها أغلبها خاسرة ، والفاعل المتسبب مجهول ، غاب مبشرون ، وأتى غيرهم مبشرون ، والحال يغني عن السؤال ، لكنّ المؤكد أن المتسبّب هم المستفيدون ، وما أكثرهم ! وقد تمادى هؤلاء في بثّ روح الإحباط في أرجاء الوطن بسبب فشلهم الواضح الذريع ، ولأن يد الرقيب العدل لم تطَلْهم حتى الآن .
وقضية الباحثين عن عمل قضية تتفاقم يومًا بعد يوم ، فيزداد حجمها وتأثيراتها الاجتماعية ، كما يزداد خطرها أمنيًا ليس فقط بالمفهوم الضيق ، ولكن أعني به الخطر في مفهومه الشامل أو الواسع ، واسألوا المتخصصين في علم الجريمة ، فالباحث عن عمل الذي يمكث يبحث عن عمل يوفر له مصدر دخل يسدّ به حاجاته المعيشية ويبني حياته المستقبلية ، يمكث سنوات دون أن يوفق في ذلك لا في القطاع العام ولا في القطاع الخاص ، بينما يرى الوافدين يأتون وحدانًا وزرافات ، نعم ماذا يُنتظر من هذا الباحث عن عمل ، هل الفرجة ستكفيه وتسدّ رمق عيشه .
لا أحد عاقل يُنكر الجهود التي بذلتها وتبذلها وزارتا الخدمة المدنية والقوى العاملة ، وهنا أسجل لصاحبي المعالي الوزيرين شكرًا وثناءً خاصًا على جهدهما وحرصهما وإخلاصهما في التعاطي مع هذه القضية ، بما يملكانه من أدوات فنية وقانونية ، ولكنّ المشكلة أكبر من طاقة وإمكانية الوزارتين ، إنها تتعلق بسياسة الدولة كلها ، وهنا لا بد من استحضار أصحاب المصالح الذين يتدخلون بنفوذهم وسطوتهم ، إما لعرقلة ووقف سياسات معينة تهدف إلى التعمين والإحلال ، وإما لاتخاذ توجهات تخدم مصالحهم فقط ، وكأنّ البلد مجرد إقطاعيات لهم ، بل إنّي أعلنها صراحة ، بأن القطاع الخاص الكبير ، لم يكن بقدر الطموح المتوقع ، والاستجابة المطلوبة لنداء مولانا السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- في دعوته للقطاع الخاص المقتدر أن يُسهم في بناء الوطن ، وأن يخفف عن كاهل الحكومة بما يستطيعه ، ونعلم أن باستطاعته الكثير ، لكن للأسف لم يسهم هذا القطاع ، الإسهام الفاعل ، بل كل ما فعلوه هو الاستفادة من تسهيلات الدولة بأكبر قدر ممكن .
لا تعتبوا على شدة كلامي وتعابيري ، فهي من أجل تصحيح المسار ، واتخاذ الحلول الفورية التي تعالج المشكلة من جذورها وليس بمسكنات وقتية ، وأول هذه الإجراءات إبعاد أصحاب المصالح أين كان موقعهم ونفوذهم ، لا يصح مطلقًا أن يكونوا جزءًا من الحل ، لأنهم وبدون مواربة هم أصل المشكلة ، وثاني هذه الإجراءات إصدار تشريع استثنائي لحالة استثنائية وليكن لمدة زمنية ، ريثما تزول هذه الغمة ، بحيث يتضمن هذا التشريع تدابير عاجلة لوقف العمالة الوافدة بشكل مطلق ، وإحلال العمانيين مكان الوافدين المتمركزين في القطاع الخاص ، على أن يلزم بتدريب وتأهيل من يحتاج إلى ذلك من الباحثين عن عمل وهم أهل لحمل المسؤولية ، وكما يقول المثل الشعبي «هذا السيح وهذا الظبي» ، وكي تكون هذه التدابير والإجراءات فاعلة ، يجب تضمين التشريع جزاءات وعقوبات رادعة تطبق من قبل قضاء مستعجل وبإجراءات ناجزة وسريعة . وحتى نكون عمليين أكثر ، لعله من المناسب تفويض الحكومة لكل من وزير القوى العاملة ، ووزير الخدمة المدنية ، في شخصيهما الكريمين حصريًا اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير اللازمة التي سينص عليها القانون ، حتى لو اقتضى الأمر تفريغهما من كل ارتباطات أو التزامات أخرى ، وليعهد بتسيير أعمالهما الأخرى إلى وكلاء الوزارتين ، مع التشديد على خلوّ القانون المقصود من أية استثناءات ، فالاستثناء يجر وراءه استثناء آخر ، مما يفقد القانون فاعليته . إنّ فكرة القوانين الاستثنائية ، ليست بدعة وقد استخدمها كثير من الدول في أوقات الأزمات ، ولذلك لا بد من الاعتراف بوجود الأزمة ، وليكن آخر الدواء الكيّ . واسمحوا لي أن أقول هنا أيضًا: لسنا بحاجة إلى هيئات أو مؤسسات أو مراكز جديدة تُعنى بهذه المشكلة ، ولسنا أيضا في وقت يسمح لنا باستهلاك الوقت والانتظار أكثر ، فناقوس الخطر نفسه لم يعُد قادرًا على سماع صوته ، فهل نتخذ الخطوة اللازمة مَرة ولو كانت مُرة ، فالدواء مهما كانت مرارته يتم تعاطيه من أجل الشفاء ، فلا تتجاهلوا الأزمة ولا تؤجلوا اتخاذ القرارات الصحيحة وإن كانت صعبة ، فذلك أسلوب لا يحلّ مشكلة . وإنني أجزم هنا بالقطع ، بصبر وحكمة الباحثين عن عمل ، إذا رأوا بأم العين خطوات ملموسة على أرض الواقع ، فهم بلا أدنى شك حريصون على أمن وأمان وطنهم وستجدونهم في هذه الحالة في الصفوف الأولى يدافعون عنه ، ويبنون كما كلنا نبني .
ويشهد الله بأنّ هذا المقال لم يأتِ إلا من باب المصلحة العامة التي تهمّكم كما تهمّنا ، وتحرصون عليها كما نحرص عليها ، من منطلق الشراكة في الوطن .
وكفى بالله وكيلًا وشاهدًا ونصيرًا