أثيريات

د.سعيد الصقري يكتب: كيف نستفيد من قيمة التسامح والانفتاح لتدعيم رؤية عمان 2040

Atheer - أثير
Atheer - أثير Atheer - أثير

 

الدكتور سعيد بن محمد الصقري- رئيس الجمعية الاقتصادية العمانية

 

في معرض حديثه حول أهمية اكتساب التراكم المعرفي في الاقتصادات، أشار البروفسور ريكاردو هوسمان في كلمته الافتتاحية في المؤتمر الوطني لرؤية عمان 2040 إلى التسامح والانفتاح الذي تتمتع به السلطنة، وكيف يمكن الاستفادة من الرصيد والمخزون الحضاري لتحقيق تنمية مستدامة من خلال تشريعات تشجع على هجرة المواهب وتسهل عملية التنقل والإقامة.

 

والحقيقة فإن قيم التسامح والانفتاح الذي أساسه الاحترام توارثها العُمانيون أبًا عن جد، ويكفينا فخرًا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لو أن أهل عمان أتيت، ما سبوك ولا ضربوك”، ووصف القسيس الإنجليزي لاوفينجتون العمانيين في عهد الملك جيمس الثاني في سنة 1663م وقال “هؤلاء العرب دمثون في تصرفاتهم ومهذبون في تعاملهم مع الغرباء. لا يعنفون ولا يهينون بأي شكل شكل من الأشكال. وبالرغم من تشددهم في التمسك بمبادئهم وإعجابهم بدينهم فإنهم لا يفرضونه على الغير. لا تعريهم حميتهم لمعتقداتهم من إنسانيتهم وسماحتهم. معتدلون بصورة طبيعية ومنصفون ويتمتعون بمثل تلك السجايا التي حض فلاسفة اليونان والرومان أبناء جلدتهم على التحلي بها في غابر الأزمان وإن هم أخفقوا في ما نادوا به.”[1]

[1]

وفي لقاء صحفي أكد صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم  هذا المبدأ عندما قال ” أريد أن أنظر لخارطة العالم ولا أجد دولة لا تقيم علاقات صداقة معنا”.

 

ما أهمية الانفتاح والتسامح القائمة على مكارم الاخلاق لتحقيق تنمية اقتصادية؟

 

في القرن السابع عشر وخلال ما يُعرف “بالعصر الذهبي الهولندي” لعبت التجارة الهولندية وتقدمها العلمي والعسكري والفني دورًا رائدًا في العالم أجمع، واستطاعت أن تحقق تقدمًا اقتصاديًا وعلميًا بفضل سياسة الانفتاح والترحيب بعدد كبير من البروتستانت الفارين من الاضطهاد الإسباني في عام 1585م . كما رحبت باليهود من البرتغال وإسبانيا الذين فروا من الاضطهاد الديني أيضا. واستقر العديد من التجار الأغنياء والحرفيين في مدينة أمستردام، وأصبحت من أهم الموانئ والمراكز التجارية في العالم بحلول عام 1630.[2] فضلا عن ذلك تشير المصادر نفسها إلى أهمية ودور الحريات والانفتاح التجاري في تقدم هولندا خلال تلك الفترة. ونتيجة لذلك، فقد تمكنت هولندا أن تتبوأ مركزا عالميا مرموقا.

[2]

 

لكن، هل هذا يعني بأن الانفتاح والتسامح كفيلان وضامنان لتحقيق تنمية مستدامة؟

 

طبعا لا! العناصر الأخرى مهمة أيضا مثل حسن استغلال الموارد الطبيعية، والاستفادة من التطور التقني،  والاستثمار في رأس المال العامل مثل المصانع والآلات والبنية التحتية، والبنية التشريعية، وغيرها من العناصر، غير أن الحديث هنا عن دور وأهمية الانفتاح والتسامح، الذي يؤدي إلى هجرات بشرية كقيمة اقتصادية .

فحسن استغلال الموارد الطبيعية مثل النفط، والتمكن والاستفادة من التطور التقني وتحويله إلى ثروة قابلة على الاستدامة، وإنشاء البنية التحتية، وحتى البنية التشريعية كلها تحتاج إلى العنصر البشري الذي يمكن من خلاله الربط بين كل تلك العناصر الأخرى المهمة لتحقيق التنمية وتحويلها إلى ثروة قادرة على النمو والتطور.

 

إذًا، التاريخ والتجربة البشرية الحاضرة، كما وضح أستاذ جامعة هارفرد في المؤتمر، يؤكدان بأن الهجرة تلعب دورًا مهما، بل أساسيا في تحقيق التنمية المستدامة[3].  فما هي تجربة السلطنة في الهجرة منذ اكتشاف واستغلال الموارد النفطية؟

[3]

 

لقد مكّن اكتشاف النفط وازدهار قطاع النفط في السبعينيات من تحقيق نمو اقتصادي كبير. وللمحافظة على النمو الاقتصادي ظهرت الحاجة إلى قوى بشرية غير موجودة محليا، لذا لجأت عمان إلى توظيف عمال وافدين في مختلف الأنشطة ، بدءًا من البناء والتشييد ، إلى الرعاية الصحية والتعليم والتجارة والعمل المنزلي. وفي الفترة 1971-1985، ارتفع عدد العمال الوافدين بنسبة مذهلة بلغت 50 في المائة سنويا في القطاع العام، وخلال 1969-2006 بلغ المتوسط 19٪ سنويا.

 

غير أن تدفق العمال الوافدين شكل العديد من التحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. ومع انخفاض أسعار النفط، خلال منتصف الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي وانخفاض أسعار النفط منذ منتصف عام 2014م، أثار وجود عدد كبير من العمال الوافدين إلى جانب عدد متزايد من المواطنين الباحثين عن عمل عدة تساؤلات حول سياسة الهجرة. فلماذا لم تؤدِ تجربة الهجرة للسلطنة منذ عام 1970م إلى تحقيق تنمية المستدامة؟ وهل تجربة هولندا قديمًا في الهجرة وتجربة  كندا، وسنغافورة، وأستراليا، والولايات المتحدة الأمريكية حديثاً تختلف عن تجربة السلطنة؟

 

هذا ما سنحاول الإجابة عنه في قادم الأيام.

 

 

[1] مقتبس من كتاب عمان حضارة عريقة: دولة حديثة نحو إقتصاد مبني على المعرفة لفنسنت ماكبرايرتي ومحمد الزبير،  2004

[1]

[2] K. W. SWART, An Inaugural Lecture Delivered at University College London. http://www.dianamuirappelbaum.com/?p=583

[2]

[3] للمزيد أقرأ مقال “كيف يتم بناء المعرفة التركمية وتحقيق أرباح من الانشطة الاقتصادية؟” في أثير بتاريخ 5 فبراير 2019م على الرابط:

[3]

https://www.atheer.om/archives/490160

 

Your Page Title