فضاءات

د.سالم بن سلمان الشكيلي: تصالح الدول مع شعوبها أولى يا معالي الوزير

د.سالم بن سلمان الشكيلي: تصالح الدول مع شعوبها أولى يا معالي الوزير
د.سالم بن سلمان الشكيلي: تصالح الدول مع شعوبها أولى يا معالي الوزير د.سالم بن سلمان الشكيلي: تصالح الدول مع شعوبها أولى يا معالي الوزير

أثير- د.سالم بن سلمان الشكيلي


شدّني كثيرًا وأعجبني ما قاله معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية، على هامش منتدى التعاون العربي الروسي الذي عقد في موسكو ، حول حاجة الدول العربية أن تتصالح مع نفسها ، كي تتصالح مع المجتمع الدولي ، وهو قول في غاية الأهمية في هذا الظرف بالذات ، الذي تمرّ فيه الدول العربية بحالة من التشرذم فيما بينها ، وحالة التوجس والخوف التي تعيشها بعض الدول مع الدول الأخرى ، وانعدام الثقة بين بعضها البعض ، بالإضافة إلى المراهنة على الخارج والاستقواء به ، حتى أصبحت هذه الحالة علامة مسجلة ومحفوظة باسم العرب ، لا لغيرهم من دول العالم الأخرى .

كلام معاليه وافق الصوابَ بشكل كبير ، وهو الخبير بدهاليز السياسات العربية ، ولا أقول سياسة واحدة ذلك أننا نعيش في الوقت الراهن تعددًا في السياسة بتعداد الدول العربية وفقا لمصالح كل دولة ، حتى دون توافق على الحد الأدنى حول القضايا المصيرية للأمة ، وحتى على المستويات الإقليمية كدول مجلس التعاون الخليجي، والاتحاد المغاربي اللذين كانا يُمثلان حلمًا لشعوبهما ، وخاصة شعوب دول الخليج . لكنه بدا مؤخرًا وكأنه من أضغاث الأحلام .

إنّ هذا الوضع حالة مستجدة على الوطن العربي نسبيًا ، نشأت منذ أحداث الربيع العربي عام ٢٠١١م ، فقد كنا قبل ذلك نشهد بعض التفاهمات بين بعض الدول بشأن أهم القضايا والدفع بمواقفها باتجاه واحد ، وكان الضرب تحت الأحزمة أقل بكثير مما هو عليه الآن ، ومحادثات الغرف السرية والأبواب المغلقة ، أصبحت الآن تُعلن نهارًا جهارًا بلا استحياء .

لكنْ عذرًا يا معالي الوزير المخضرم ، هذه العبارة التي نتفق حولها ينقصها عبارة أخرى وهي أهم وأكثر إلحاحًا من الأولى إنها ” حاجة الدول العربية أن تتصالح مع شعوبها أولا ” كي تتصالح مع نفسها؛ فالداخل أولى وهو الأساس الذي تنطلق منه ، وهو السند الذي تستند وتتكئ عليه ، فكلما كان الوئام والتفاهم الداخلي حاصلا ، يكون التصالح الخارجي سهلا وممكنا ، أما في الحالة العكسية فلن يكون التصالح بين الدول كما ينبغي لافتقاده إلى الداعم الحقيقي وهي الشعوب ، ودول العالم تحترم الحكومات التي مرجعها الشعب ، وإن بدا أحيانًا أنها تساند بعض الديكتاتوريات ، فلأن ذلك بسبب من تقدمه تلك الدكتاتوريات من قرابين التبعية والولاء للحفاظ على كراسيهم ؛ إلا أنه سرعان ما تنفضّ عنهم عندما تثور الشعوب ضدهم ، وتسارع – أعني دول العالم الديمقراطي – إلى الاعتراف بمطالب الشعوب وتأييدها .

بعض أنظمة الحكم العربية تتجاهل شعوبها ولا تعيرها أي اهتمام من خلال الاستماع إلى أفكارها ورؤاها الحقيقية حول قضايا الأمة وقضايا أوطانها ، وتعيش هذه الأنظمة في حالة من الانفصام والانفصال والخصومة مع شعوبها ، مستغلة أجهزتها الأمنية في قمع أي صوت معارض لها ، فتظن بأنها ملكت السلطة وملكت البلد وملكت مقدرات البلد ، فلا صوت يُسمع غير صوت الآمر الناهي ، أما شعوبها فليس أمامها سوى الخضوع والانقياد ، دون أدنى تفكير أو الجهر برأي يخالف الحاكم بأمره ، وإلا فإن ظلامات الأقبية تنتظره على أحرّ من الجمر ، وسياط الجلادين الذين ربما تم الإتيان بهم من كوكب لا وجود فيه لرحمة أو شفقة قد شُحذت لتشق السواقي على جسده .

لتكن الأقوال مطابقة للواقع بجميع معطياته وعناصره ، فمعظم الدول العربية تعيش حالة خصام وانفصام – كما سبق القول – مع شعوبها ، والأنظمة الحاكمة لا تكترث بهذه الشعوب بالحوار معها والاستماع إلى رؤيتها ونظرتها للواقع الداخلي والخارجي ، وفِي سبيل ذلك ليس لديها مانع في أن تصنف الشعب الواحد ، وتفرّقه جماعات ومذاهب وأيدلوجيات ، من أجل تكريس الواقع الذي يخدمهم .

ويحضرني هنا حول أهمية التأييد الشعبي للحكام ، قول لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- حيث قال في إحدى مقابلاته الصحفيّة ( إنّ الحكم العائلي بدون تأييد شعبي قد ولّى زمنه ، الحكم يجب أن يكون متمتعا بثقة الجميع ) وفي حديث آخر لجلالته أيضًا يقول : ( إنّ النجاح الذي حققناه في عمان وفي تبنّي مميزات وحسنات المجتمع الحديث مع الاحتفاظ في الوقت نفسه بتقاليدنا وثقافتنا العريقة يعود إلى الشراكة الوثيقة القائمة بيني وبين شعبي . ) . أين هؤلاء القوم منكم ومن فكركم ، يا مولاي ، إنهم لا يعرفون سوى الاستبداد بالرأي والانفراد بالسلطة .

إنّ حالة اللا استقرار التي تعيشها بعض الدول العربية منذ عام ٢٠١١م ، تُعطي صورة مزعجة ومؤسفة ، ولم تستفد أنظمة الحكم مما حدث في ذلك العام وما تلاه ، لكنها أصرّت ولا تزال تُصر على الحلول الأمنية في معالجة أوضاعها الداخلية ، بدلا من التصالح مع شعوبها من خلال إقامة جسور للحوار والتفاهم بما يحافظ على كينونة الدولة ، ووحدة وتماسك جبهتها الداخلية ، وعدم السماح للتدخلات الأجنبية .
في عام ٢٠١١م عندما تمسكت بعض الأنظمة العربية بالحلول الأمنية أمام مطالب ورغبات شعوبها كان من أمرها حالتان ، الحالة الأولى انهيار أنظمة الحكم بل وانهيار بنيان الدول ، والحالة الثانية دخول أنظمة الحكم في صراع واقتتال مع شعوبها والسماح للأجنبي بالتدخل ، ممّا أدى إلى ثلاثة أمور : مزيد من القتلى ، مزيد من الدمار ، فقدان استقلالية القرار الداخلي وسطوة الأجنبي عليه .


عفوًا معالي الوزير ، وإن كنا نتفق معك فيما قلته من حيث أهميته وضرورته وواقعيته ، إلا أن الدول العربية بحاجة إلى أن تعيد النظر في علاقاتها مع شعوبها بما يؤدي إلى تماسك جبهاتها الداخلية فقوة الدولة – أي دولة – من قوة وحدتها الوطنية، أما إذا ضعفت هذه الوحدة الداخلية فذلك يُضعف بنيان الدولة ويجعلها هشة في مواجهة العواصف والأنواء التي تعصف بها .

وفيما يتعلق بتصالح الدول العربية مع المجتمع الدولي فذلك لن يتحقق إلا بتحقق المقتضيين الأول والثاني اللذين قلناهما، على اعتبار أنّ المجتمع الدولي لا يعرف ولا يحسب حسابًا إلا للقوي المتّحد الذي لا يمكن تعطيل قواه والنيل منه ، هكذا هي السياسة لا تعرف غير القوي ، وأي قول آخر خارج هذا السياق كمن ينفخ في قربة مقطوعة ، فالمجتمع الدولي اليوم ليس المجتمع الدولي فيما قبل القرن الواحد والعشرين ، الذي كانت تحكمه قليل من الأخلاق والقواعد والأصول ، وهذه قد غطّت عليها المصالح ثم المصالح ثم المصالح ، رغم الشعارات المرفوعة ، والأصوات المسموعة التي تتحدث عن الأخلاق ومبادئ القانون الدولي العام ، فهل ستتحقق أمنيتكم يا معالي الوزير ، وأمنية الشعوب العربية ، ذلك ما لا يلوح في الأفق القريب حتى الساعة ، وأرجو أن أكون مخطئًا.
فسبحان الله العظيم.


Your Page Title