سلسلة “من رموزنا”: الشيخان الرواحيان اللذان كان لهما أدوارٌ علمية واجتماعية

أثير- تاريخ عمان

أثير- تاريخ عمان

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

أنجبت عُمان على مر العصور المتلاحقة العديد من الشخصيات التي برزت في المجالات السياسية والفكرية والاقتصادية المختلفة، والتي أسهمت في توجيه بوصلة الحضارة العمانية نحو الأمام بعطائها الوافر، وإنجازاتها المتنوعة؛ الأمر الذي رسّخ من وجود السلطنة وثباتها في خريطة الحضارة العالمية.

ولم يقتصر ظهور هذه الشخصيات على مناطق دون أخرى، بل شمل كافة بقاع السلطنة ومناطقها وملحقاتها خارج القطر؛ الأمر الذي يدل على تنوع المراكز الحضارية في السلطنة، وإسهاماتها الجماعية في صناعة المنجز الحضاري العماني.

واليوم، نشهد من حينٍ لآخر إقامة ندواتٍ ومناشط فكريةٍ متنوعة احتفاءً ببعض هؤلاء الرموز الذين أثروا الساحة الفكرية بأعمالهم، وتقديرًا لدورهم، واستحضارًا لمنجزاتهم، وتعريفًا للجيل القادم بالتضحيات التي قدّمها أسلافهم في سبيل صناعةِ أمجادٍ خالدةٍ لهم تبقى مدى الزمان، ومن بين هذه الفعاليات والمناشط الندوة التي نظمتها اللجنة الاجتماعية ببلدة مسلمات العام بولاية المعاول مؤخرا تحت رعاية  معالي الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالله السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية، للاحتفاء بسيرة عالِمَيْن جليلين كانت لهما آثارٌ فكريةٌ واجتماعية متعددة على مستوى الولاية والقطر، وهما الشيخان محمد بن شامس الرواحي وسيف بن عبدالعزيز الرواحي، وذلك كانطلاقةٍ لسلسلةٍ تعريفيةٍ تتناول أعلام وادي المعاول تسعى اللجنة الاجتماعية ببلدة مسلمات بوادي المعاول إلى إقامتها على مراحل وتتناول من خلالها عدة شخصيات كان لها دورها الفكري والحضاري.

واليوم، نشهد من حينٍ لآخر إقامة ندواتٍ ومناشط فكريةٍ متنوعة احتفاءً ببعض هؤلاء الرموز الذين أثروا الساحة الفكرية بأعمالهم، وتقديرًا لدورهم، واستحضارًا لمنجزاتهم، وتعريفًا للجيل القادم بالتضحيات التي قدّمها أسلافهم في سبيل صناعةِ أمجادٍ خالدةٍ لهم تبقى مدى الزمان، ومن بين هذه الفعاليات والمناشط الندوة التي نظم

ت

ها اللجنة الاجتماعية ببلدة مسلمات العام بولاية المعاول مؤخرا تحت رعاية  معالي الشيخ عبدالله بن محمد بن عبدالله السالمي وزير الأوقاف والشؤون الدينية، للاحتفاء بسيرة عالِمَيْن جليلين كانت لهما آثارٌ فكريةٌ واجتماعية متعددة على مستوى الولاية والقطر، وهما الشيخان محمد بن شامس الرواحي وسيف بن عبدالعزيز الرواحي، وذلك كانطلاقةٍ لسلسلةٍ تعريفيةٍ تتناول أعلام وادي المعاول تسعى اللجنة الاجتماعية ببلدة مسلمات بوادي المعاول إلى إقامتها على مراحل وتتناول من خلالها عدة شخصيات كان لها دورها الفكري والحضاري.

 

وهدفت الندوة إلى التعريف بسيرة الشيخين الرواحيين ودورهما العلمي والاجتماعي والسياسي وتوثيق مسارات حياتهم للأجيال، وذلك بمشاركة ستة باحثين عرضوا سبعة أبحاث علمية مقسمة على جلستين، تضمنت الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور ناصر بن علي الندابي ورقة للباحث عبدالعزيز بن محمد بن شامس الرواحي بعنوان (السيرة الذاتية للشيخ محمد بن شامس بن عبدالله الرواحي رحمه الله)، وورقة أخرى حول التعريف (بالشيخ سيف بن عبدالعزيز الرواحي نشأته وحياته وآثاره) للباحث أحمد بن حمد بن هلال المعولي، أما الورقة الأخيرة في هذه الجلسة فتناولت (الشيخ الرواحي وعلم الفرائض ) قدمها الأستاذ ماجد بن سعيد بن ناصر الناعبي وتحدث فيها عن الشيخ سيف بن عبدالعزيز الرواحي ومؤلفه في علم الفرائض المعنون (بالنبع الفائض في أصول الفرائض).

أما الجلسة الثانية التي أدارها الدكتور ناصر بن عبدالله الناعبي فتم من خلالها استعراض أربعة أبحاث؛ الأول بعنوان (نظرة تأملية في رسالة عقيدة المذهب الشريف الإباضي للشيخ سيف بن عبدالعزيز الرواحي) للدكتور بدر بن هلال بن حمود اليحمدي، ثم قدّم الأستاذ الباحث خلف بن حمدان بن سليمان المعولي ورقة عمل بعنوان (التأليف اللغوي عند الشيخ سيف بن عبدالعزيز الرواحي النفحة الوهبية نموذجا)، تلاه الباحث أحمد بن حمد بن هلال المعولي بورقةٍ حول (الدور العلمي للشيخ محمد بن شامس الرواحي. وكالة الكتب الموقوفة نموذجا) واختتمت الجلسة بورقة الأستاذ الباحث بدر بن سعود بن حمد المعولي والتي تناولت (خزانة الشيخ محمد بن شامس الرواحي مخطوطاتها ووثائقها).

 كما شمل برنامج الحفل كلمة لأسرة الشيخين قدمها نعمان بن زهران بن حمود الرواحي وقصيدة شعرية بعنوان (أعلام النور) ألقاها الأستاذ الشاعر سعيد بن علي اليعربي.

(أثير) تسلط الضوء على جوانب من شخصيتي الندوة الشيخين محمد بن شامس الرواحي وسيف بن عبد العزيز الرواحي من حيث نشأتهم وطلبهم للعلم ورحلاتهم وآثارهم العلمية من خلال استعراض أوراق العمل المقدمة، وأبرز ما جاء فيها والتي قدّمها لنا الباحث أحمد بن حمد بن هلال المعولي.

(أثير)

ت

سلط الضوء على جوانب من شخصيتي الندوة الشيخين محمد بن شامس الرواحي وسيف بن عبد العزيز الرواحي من حيث نشأتهم وطلبهم للعلم ورحلاتهم وآثارهم العلمية من خلال استعراض أوراق العمل المقدمة، وأبرز ما جاء فيها والتي قدّمها لنا الباحث أحمد بن حمد بن هلال المعولي.

الشيخ محمد بن شامس الرواحي

الشيخ محمد بن شامس الرواحي

 

 هو الشيخ العالم الفقيه الزاهد الورع محمد بن شامس بن عبدالله بن سالم بن عبدالله الرواحي، ولد بولاية نخل في نهاية ستينات أو سبعينات القرن الثالث عشر الهجري ثم انتقل إلى بلدة مسلمات بوادي المعاول وعاش فيها أغلب حياته، وينتمي الشيخ لأسرة برز منها العديد من الشخصيات الذين كان لهم دورهم العلمي والاجتماعي، درس القرآن الكريم على يد المعلم سالم بن سعيد الكندي، كما ارتحل إلى الرستاق لطلب العلم في حلقة الشيخ راشد بن سيف اللمكي  ولعله استفاد أيضا من أهل العلم الموجودين هناك خلال تلك الفترة وكانت هذه الحلقة مقصد كثير من طلبة العلم.

صفاته

صفاته

اشتهر الشيخ محمد بن شامس الرواحي رحمه الله بزهده وورعه وبعده عن ملذات هذه الحياة الدنيا وقد سارت بأخباره الركبان وتناقلتها ألسن الناس، وقد شهد له بذلك العلماء فالإمام الخليلي رحمه الله تعالى كتب عنه لبعض الأفاضل: (محمد بن شامس عجزت النساء أن تلد مثله) وما ذلك إلا تعبيرا عن مكانته ودوره، كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر ساعيا بالخير بين الناس.

دوره العلمي والاجتماعي وآثاره وعلاقاته بأعلام عصره

دوره العلمي والاجتماعي وآثاره وعلاقاته بأعلام عصره

كان للشيخ محمد بن شامس الرواحي دور علمي واجتماعي بارز خصوصا في عهد الإمام محمد بن عبدالله الخليلي رحمه الله، إذ نجد له الكثير من المراسلات مع الإمام الخليلي والتي تتعلق بمصالح مجتمعه وشؤونه وشؤون دولة الإمامة، فقد قام بأدوار إصلاحية كان لها أثرها، كما كان قائما بدور القاضي وإن لم يتولَ هذه المهمة رسميا فقد رفض تولي القضاء لكنه بقي محل ثقة الإمام الخليلي رحمه الله في إنهاء القضايا والصلح بين الناس ومراقبة عمال الإمام في هذه النواحي، كما ربطت الشيخ علاقات علمية واجتماعية مع أعلام عصره في مقدمتهم الإمامان سالم بن راشد الخروصي ومحمد بن عبدالله الخليلي رحمهما الله كما ربطته علاقة بالشيخ أحمد بن سعيد الخليلي والشيخ سعيد بن أحمد الكندي وغيرهم من أهل العلم والفضل، وكان للشيخ محمد الرواحي حلقة علمية بجامع الطمين ببلدة مسلمات بوادي المعاول، ونجد أن الإمام الخليلي رحمه الله في رسالة منه يحثه على مطالعة الأثر وبأن الله قيض له من يعينه وهو تلميذه سيف بن عبدالعزيز الرواحي. ومن طلبة الشيخ محمد بن شامس الرواحي الذين أخذوا العلم عنه: الإمام محمد بن عبدالله الخليلي، وسيف بن عبدالعزيز الرواحي، وسيف بن راشد المعولي، ومحمد بن حمد المعولي، وعلي بن حمد الرواحي، وغيرهم. ولم يترك الشيخ محمد بن شامس الرواحي أي آثار علمية وأثرت عنه بعض الفتاوى سواء المكتوبة أو المنقولة شفهيا.

وفاته

وفاته

بعد حياة حافلة بالعلم توفي الشيخ محمد بن شامس الرواحي في عصر الجمعة الخامس من شعبان من عام 1360 هـ ودفن ببلدته مسلمات بوادي المعاول.

الشيخ سيف بن عبدالعزيز بن محمد الرواحي

الشيخ سيف بن عبدالعزيز بن محمد الرواحي

هو الشيخ الفقيه القاضي سيف بن عبدالعزيز بن محمد بن سالم بن سيف الرواحي العبسي، ولد وعاش ببلدة مسلمات بولاية وادي المعاول في صفر من عام 1324هـ، وقد ولد ونشأ في ظل أسرة عرفت بعنايتها بالعلم والخط العربي، فأبوه الشيخ عبدالعزيز بن محمد الرواحي كان مستشارًا لعدة سلاطين في زنجبار وعمان كما كان مترجما للقنصلية الفرنسية منذ افتتاحها عام 1894م في عهد السلطان فيصل بن تركي إلى أن أغلقت في عهد السلطان تيمور بن فيصل وذلك عام 1920، وعمه الشيخ سالم بن محمد الرواحي وهو عالم وتاجر كان له دور علمي كبير وقام بطبع العديد من المؤلفات الإباضية على نفقته وربطته علاقات واسعة بالعديد من الأعلام منهم الشيخ قطب الأئمة محمد بن يوسف اطفيش وأبو إسحاق اطفيش والإمام محمد بن عبدالله الخليلي وغيرهم من أعلام عصره، وكان كاتبا لدى مجموعة من سلاطين زنجبار منهم برغش بن سعيد وأخواه خليفة وعلي، كما برزت في هذه الأسرة عدة نساء كان لهن دور علمي له أثره منهن غيثا بنت سعيد بن مصبح الرواحية.

نشأته وشيوخه وتلاميذه

نشأته وشيوخه وتلاميذه

نشأ الشيخ سيف بن عبدالعزيز الرواحي نشأة علمية في ظل هذه الأسرة الكريمة، وتتلمذ بداية على يد والده عبدالعزيز بن محمد الرواحي كما جالس الشيخ محمد بن شامس الرواحي وكان من أخص تلاميذه واستفاد من الشيخ سعيد بن أحمد الكندي ، كما تتلمذ على يد عمه سالم بن محمد الرواحي واستفاد منه وذلك خلال رحلاته إلى زنجبار.

 تتلمذ على يد الشيخ سيف بن عبد العزيز الرواحي عدة طلاب من أبرزهم: شامس بن عبدالله الرواحي، وسيف بن سليمان الرواحي، وعلي بن حمد الرواحي وأبناؤه ناصر وسعيد وحمد، كما استفاد منه خلال رحلته الأخيرة إلى زنجبار أبناء عمه سالم بن محمد وهم حمد وهلال وعيسى وأحمد، وكان الشيخ بدر بن حمود بن سالم الرواحي من أكثر من استفاد منه وعايشه فقد كان رفيقه في الحل والترحال داخل عمان وخارجها.

صفاته

صفاته

أما فيما يتعلق بصفاته، فكان متصفا بالزهد والتواضع وحب القراءة والمطالعة فقد كان الكتاب جليسه في كل حين، مشغولا به عن أمور الدنيا وملاهيها، وكان قليل الكلام فيما لا ينفع من الحديث وكثيرا ما كان يردد قول الشاعر:

لقاء الناس ليس يفيد شيئا*** سوى الهذيان من قيل وقال

فأقلل من لقاء الناس إلا*** لأخذ العلم أو إصلاح حال

وكان آمرًا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم.

رحلاته:

رحلاته:

كان للشيخ العديد من الرحلات خارج الوطن لغايات عدة منها الزواج والحج والعلاج، وقد سافر إلى زنجبار في الأعوام التالية 1337هـ و1344هـ و1356 هـ، كما سافر إلى لبنان والهند ولندن بغرض العلاج.

مؤلفاته

مؤلفاته

ترك الشيخ العديد من المؤلفات العلمية في العقيدة والفقه واللغة، وقد بلغ الشيخ مبلغا علميا شهد له به أهل العلم والفضل فممن شهد له بذلك الشيخ أبو إسحاق اطفيش حيث قال عن الشيخ سيف بن عبدالعزيز الرواحي في رسالة منه للشيخ سالم بن محمد الرواحي: (وكم كان سروري عظيما بشرح الشبراوية لنجلك بل نجل شقيقك هذا الشاب الفياض الذي تملك العلم لبه واندفع إلى التأليف بجد وهمة وحرارة فإن تأليفه هذا ينبىء عن مستقبل عظيم له……فإن إقدامه وفيضانه بمهمات السائل لدليل على اكتهاله في النبوغ وتمكنه فيه الأمر الذي يبشر بحسن مستقبله بحول الله وقوته..)، فمن مؤلفاته النفحة الوهبية في الأصول النحوية وهو شرح لمنظومة الشبراوية في النحو وكانت أول مؤلفاته إذ كتبه وهو في عمر واحد وعشرين عاما، ومن مؤلفاته أيضا النبع الفائض في أصول الفرائض وعقيدة المذهب الشريف الإباضي، كما طرق باب أدب الرحلات فألف كتابا سمّاه (رحلة إلى زنجبار) حكى فيه قصة رحلته إلى زنجبار، وله مؤلفات أخرى وخطب وتعليقات وحواشي على كتب اطلع عليها عسى أن تخرج محققة في قادم الأيام.

أعماله

أعماله

تولى الشيخ سيف بن عبدالعزيز الرواحي القضاء للإمام محمد بن عبدالله الخليلي على وادي المعاول وذلك في عام 1360 هـ فسار في الناس سيرة الحق والعدل وحكم بينهم بحكم الله وكانت هذه الفترة غنية بالمراسلات بينه وبين الإمام محمد بن عبدالله الخليلي وبين أعلام عصره الذين يستشيرهم في القضايا والمسائل التي تطرأ، كما كان مرجعا للأحكام الشرعية في جزء من وادي المعاول لفترة بسيطة في عهد السلطان سعيد بن تيمور وذلك في عام 1375 هـ ثم طلب منه أن يتولى القضاء على وادي المعاول في عام 1377 فرفض ذلك.

وفاته

وفاته

بعد حياة حافلة بالعلم والتعلم والتعليم، وبذل في سبيل إعلاء كلمة الله، ونشر دينه والجهاد في سبيله، رحل الشيخ عن هذه الدنيا ليلة الجمعة الخامس من جمادى الآخرة من عام 1412هـ، الموافق له 11 / ديسمبر من عام 1991م، تاركا خلفه آثارا علمية وإصلاحية ما زال خيرها مستمرا.

******************************

المرجع:

المرجع:

1-  المعولي، أحمد بن حمد. ملخص أوراق عمل (ندوة الشيخين محمد بن شامس الرواحي وسيف بن عبدالعزيز الرواحي – حياتهما وآثارهما)، مجلس مسلمات العام، وادي المعاول، الاثنين 24 يونيو 2019.

1- 

المعولي، أحمد بن حمد. ملخص أوراق عمل (ندوة الشيخين

محمد بن شامس الرواحي وسيف بن عبدالعزيز الرواحي – حياتهما وآثارهما)، مجلس مسلمات العام، وادي المعاول، الاثنين 24 يونيو 2019.

  • الصور من أرشيف الباحث أحمد بن حمد بن هلال المعولي

الصور من أرشيف الباحث أحمد بن حمد بن هلال المعولي

Your Page Title