أثير – مكتب صلالة
إعداد: محمد حاردان
الحوار معه يأخذك إلى عالم العلم والمعرفة، وتمتد المحاور من سماء المتن، إلى فضاءات الهوامش المتفرعة، آفاقًا لا متناهية، لتشكل فيزياء الحديث نواة، تنقسم منها خلايا متعددة، حول تقنية النانو والطاقة النووية والفيزياء والرياضيات وعلم الفلك والاتصالات وعلم الأرض وعلم كل شيء، وفوق كل ذي علم عليم.
كسر كل الحواجز بتواضع العلماء، وتنحّى عن جميع الألقاب بنكران صريح للذات والأنانية، وبعيدًا كل البعد عن التصنيفات الضيقة، لتتوحد الذات بصفة الأستاذ التي رافقته طيلة 30 عامًا لتقريب المسافات وتخفيف المادة العلمية بالكثير من الشرح لتوصيل المعلومة بشكل مبسط.
التقت “أثير” بالأستاذ الدكتور “البروفيسور” أحمد بن ظفار الرواس الذي مثّل السلطنة في العديد من الاجتماعات والمؤتمرات الدولية، والذي صدر مؤخرًا قرار بتعيينه عميدًا لكلية العلوم في جامعة السلطان قابوس.
غيض من فيض سيرته الذاتية والعلمية والأكاديمية نستعرضها معًا ونسلط الضوء على أهم المراحل والمحطات في مسيرته.
وُلِد أحمد بن ظفار بن أحمد الرواس في مدينة صلالة عام 1959م، وتلقى تعليمه في الكتاتيب على أيدي أساتذة أجلاء، ومع بزوغ فجر النهضة المباركة وتولي صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في البلاد، التحق الرواس بالمدرسة السعيدية وتم ضمه في الصفوف الابتدائية المتقدمة.
في عام 1978م أنهى مرحلة الثانوية العامة وبعد عام حصل على بعثة من الهيئة الألمانية للتبادل الثقافي لدراسة الفيزياء بجامعة هايدلبرج ليتخرج منها بشهادة الماجستير عام 1988م. في العام نفسه أصبح الرواس أحد أوائل أعضاء الهيئة الأكاديمية العمانية وعُيّن محاضرًا مساعدًا في قسم الفيزياء بكلية العلوم، وخلال فترة عمله شارك في تنظيم وتجهيز المختبرات بجامعة السلطان قابوس وتدريس مقررات الفيزياء الأساسية.
في عام 1994م نال درجة الدكتوراه من جامعة ليفربول في المملكة المتحدة وعين محاضرا في قسم الفيزياء بكلية العلوم بجامعة السلطان قابوس، واستمر في التدريس والإدارة وتنظيم الأنشطة العلمية في الجامعة فضلا عن مشاركاته محليًا ودوليًا في المؤتمرات والندوات العلمية إلى جانب مشاركته في تطوير مناهج كليات التربية من مستوى الدبلوم إلى البكالوريوس.
في عام 1998 حصل الرواس على أستاذ مساعد ليكون أول عماني يشغل هذا المنصب في كلية العلوم ، ثم ترقى إلى أستاذ مشارك في عام 2002 وعين رئيسًا لقسم الفيزياء في العام نفسه.
يقول الرواس: إن كلية العلوم هي أكبر الكليات في الجامعة وهي إحدى الركائز الأساسية لجامعة السلطان قابوس بما تحتويه من أقسام تشمل جميع العلوم الأساسية التي تحتاج لها السلطنة لبناء قاعدة متينة، لذا نولي اهتمامًا بالغًا بجلب الكادر الأكاديمي المتميز لجميع الأقسام التي تضم الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الأحياء والحاسب الآلي والإحصاء وعلوم الأرض، وذلك لهدف تمكن جميع مخرجات التعليم بكل التخصصات لسوق العمل مبينًا أن أجهزة البحث العلمي في الكلية مكتملة وتغطي معظم التخصصات، مضيفا أن كلية العلوم تقدم خدمات التعليم الأساسي لمعظم كليات الجامعة.
وأضاف أن هذا الطيف الكبير من التخصصات يستقبل ما يقارب الـ 450 طالبًا وطالبة سنويا بعد اجتيازهم السنة التحضيرية مما يؤهلهم للالتحاق بالتخصصات حسب استيفاء شروط التخصص.
وقدم الرواس خلال مسيرته الأكاديمية ما يربو على 60 بحثًا علميًا نشرت في مجلات علمية محكمة دوليا إلى جانب الدراسات والمحاضرات وأوراق العمل التي يلقيها في العديد من المؤتمرات في مجال تخصصه العلمي كانت مساعدة للمختصين و الأكاديميين من مختلف دول العالم على إثراء دراساتهم وأبحاثهم حيث تم الاقتباس منها والاستشهاد بالرجوع إليها كمصدر علمي موثوق.
وتشمل أنشطة الرواس البحثية ما يُسمّى التوليف والتوصيف الهيكلي والمغناطيسي للسبائك وأكاسيد المعادن الانتقالية الجديدة، والعناصر الأرضية النادرة كما أن اهتماماته البحثية تكمن في مواد النانو، وعمل على وضع قواعد أساسية لتجهيز مختبرات تستخدم لتحضير المواد النانوية ودراسة خواصها التركيبية والمغناطيسية.
يشير البروفيسور أثناء حديثه لـ “أثير” إلى أن كليات العلوم في أغلب دول العالم تركّز على الأبحاث الأساسية والتطبيقية كما هو الحال في جامعة السلطان قابوس وهذه الأبحاث تختص بعلم المواد الذي شهد نقلة نوعية من التطور، ومثالا على ذلك علم تقنية النانو الذي سيؤدي إلى طفرة علمية وتقنية في مختلف المجالات سواءً كانت في الطب أو الهندسة أو تقنية الاتصالات والمعلوماتية وبكل تأكيد أن تقنية النانو تعد بوابة المستقبل لمختلف المجالات.
ويستذكر الرواس مرحلة مهمة في حياته، وكانت لحظة مضيئة إذ يقول: في أواخر عام 1976م، كان هناك ملتقى للطلبة العمانيين الجامعيين الدارسين في الخارج، وطلبة الصفوف المتقدمة بالمدرسة السعيدة آنذاك، وكان اللقاء في مدرسة السلطان قابوس الخاصة، في ذلك الوقت كانت المدرسة تنظم مخيمًا طلابيًا يضم العديد من الأنشطة، ومن تلك المناشط غرس الأشجار في موقع حديقة صلالة العامة، وكان الملتقى تحت رعاية صاحب الجلالة، ويتذكر الرواس عبارة أطلقها جلالة السلطان (خذوا السمين واتركوا الغث)، قائلا: كان لهذه التوجيهات والنصائح التي ألقاها صاحب الجلالة المفدى في مساء ذلك اليوم أثر بالغ علينا جميعا، وقبيل الانتهاء من العمل، وجّه صاحب الجلالة السلطان قابوس حفظه الله دعوة للمشاركين إلى قصر الرباط، وذلك لحضور حفل الشاي وقد تشرفنا جميعا بمصافحته والاستماع لتوجيهاته القيمة.
وفي ختام حديثه أشار الرواس إلى أهمية دور الصناعة في تنمية المجتمعات، وأكد أنه يجب على القطاع الخاص التوجه وبتسارع في إنشاء صناعات التعدين، ومراكز أبحاث لتطوير هذه الصناعات، مشيرا إلى أن أهم المنتجات التي تشكل عصب الحياة اليوم في العالم كله تنتجها شركات خاصة لذا على القطاع الخاص أخذ زمام المبادرة عاجلا، وإلا سيفوتهم ركب المستقبل.
كما نوه إلى استخدام الطاقة البديلة، خصوصًا طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، مشددا على أهمية الطاقة النووية التي يمكن الاعتماد عليها كقاعدة أساسية في إنتاج الكهرباء، وخاصة للدول التي ليس لديها مصادر متنوعة للطاقة، موضحا أنها ليست حكرًا على دول بعينها، ويمكن استخدامها للأغراض السلمية في إطار القوانين الدولية.
يُذكر أن الأستاذ الدكتور “البروفيسور” أحمد كان عضو اللجنة المنظمة للمؤتمر الدولي حول تطبيقات موسباور الذي عقد في العاصمة مسقط 2003، وهو عضو في المجلس الدولي المعني بتطبيقات مطياف موسباور، وعضو اللجنة الاستشارية الدولية للمؤتمر الدولي Mossbauer ICAME لعام 2015 و2017 و2019.