أثير- تاريخ عمان
أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
اعتدت نهاية كل أسبوع تقريبا خلال السنتين الأخيرتين على الالتزام بطقسٍ فكريّ باذخ، وسعيت قدر الإمكان إلى التمسك به، ألا وهو الجلسة التي تجمعني بثلّة من المهتمين بالتاريخ من أبناء مدينة صور، وهي جلسةٌ يختلف مسرحها من حينٍ لآخر؛ فبعد أن كانت ضفة ” البطح” موقعها شتاءً سرعان ما انتقلت إلى مكتبة ” فينيق” بمقهاها الأنيق الذي لا يكاد يخلو كل مساء من جلساتٍ فكريةٍ مشابهة.
ولعل من بين الأسباب التي كانت تجذبني لتلك الجلسات وجود صديقٍ يمتلك نواصي السمت والهدوء والأدب الجم وحسن الكلام، وبرغم هدوئه وتواضعه الكبيرين إلا أنه إن تكلم فالمعلومات تنساب متدفقةً بغزارةٍ دون تكلفٍ أو محاولة استعراض، يحسن الحديث في السياسة، والأدب، العلوم، ويجيد عرض المعلومات كلاعب أكروباتٍ متمرس، أما التاريخ البحري فهو ملعبه الواسع المفضّل، ومجاله الخصب للإبداع، فهو سليل أسرةٍ أنجبت قائمة متوالية من الشخصيات التي برزت في المجال البحري والاقتصادي عبر قرون من الزمن، وهو “النوخذا” الذي قاد العديد من السفن خلال عمله في مجال البحرية السلطانية العمانية.
إنه الكاتب ورئيس تحرير مجلة “بحرنا”، والضابط البحري المتقاعد خالد بن علي بن محمد المخيني الذي تقترب منه “أثير” في هذه المساحة لتعرّف بعلاقته بالتاريخ بشكل عام، والتاريخ البحري بشكل خاص، وأبرز إنجازاته الفكرية، وآرائه الخاصة حول التاريخ البحري وكيفية الاهتمام به.
“أثير”
البدايات
البدايات
بدأ اهتمام باحثنا بالتاريخ منذ الصغر لانتمائه لأسرة بحرية توارثت مهنة الملاحة، فبدأ تعلقه بالبحر مبكرا وكان يرى البقية الباقية من السفن التجارية الصورية والنواخذة الكبار وبناة السفن فلزمته تلك الذكريات حتى تعززت بانتسابه للبحرية السلطانية العمانية كضابط بحري تشرف خلالها بقيادة بعض سفن البحرية، وقد عمل لمدة ٢٨ عامًا حتى تقاعد اختياريًا وتفرغ للقراءة في التاريخ البحري على وجه الخصوص.
مجلة “بحرنا” واهتمامات بحثية أخرى
مجلة “بحرنا” واهتمامات بحثية أخرى
بعد تقاعده أصدر الباحث مع بعض زملائه مجلة بحرية متخصصة تُعنى بجميع ما يتعلق بالاقتصاد الأزرق وتهدف إلى تسليط الضوء على أبرز المجالات الاقتصادية كالاستزراع السمكي، كما تناولت مختلف المواضيع الأخرى عن الموانئ والتاريخ البحري، وتم استكتاب عدد كبير من المتخصصين العرب فيها، ومؤخرًا تم تحويلها إلى مجلة رقمية.
كما شارك في ورشات ثقافية مختلفة في السلطنة وخارجها، وقدّم العديد من المحاضرات البحرية المتخصصة مثل محاضرة حول “تاريخ صور الملاحي الحديث” في فعالية التوأمة بين مدينتي صور العمانية واللبنانية تاريخيا وملاحيا وجغرافياالتي نظمتها الجمعية العمانية للكتاب والاُدباء عام 2017، وورقة عمل أخرى بعنوان “تاريخ صناعة السفن والملاحة في صور العمانية” في فعاليةٍ احتضنتها مدينة صور اللبنانية بتنظيم من الحركة الثقافية بالجمهورية اللبنانية في أبريل 2017، كما يعمل حاليا على موضوعين أحدهما رواية تاريخية، والآخر كتاب بعنوان “أشرعة الشرق” يتناول النشاط البحري التجاري في المحيط الهندي.
كما شارك في ورشات ثقافية مختلفة في السلطنة وخارجها، وقدّم العديد من المحاضرات البحرية المتخصصة مثل محاضرة حول “تاريخ صور الملاحي الحديث” في فعالية التوأمة بين مدينتي صور العمانية واللبنانية تاريخيا وملاحيا وجغرافيا
التي نظمتها الجمعية العمانية للكتاب والاُدباء عام 2017، وورقة عمل أخرى بعنوان “تاريخ صناعة السفن والملاحة في
العمانية”
في فعاليةٍ احتضنتها مدينة صور اللبنانية بتنظيم من الحركة الثقافية بالجمهورية اللبنانية في أبريل 2017، كما يعمل حاليا على موضوعين أحدهما رواية تاريخية، والآخر كتاب بعنوان “أشرعة الشرق” يتناول النشاط البحري التجاري في المحيط الهندي.
“الطريق إلى صور“
“
الطريق إلى صور
“
للباحث خالد بن علي المخيني كتابٌ مهم بعنوان “الطريق الى صور” صادرٌ عن دار بيت الغشّام، وهو يعنى بتاريخ إنشاء المدينة وتسليط الضوء على بعض النقاط المهمة فيها، ويضم أربعة فصول: تناول الأول بدايات الوجود والآراء التي طرحت حول ظهور المدينة وتأسيسها، وشحّ المعلومات والمصادر المتعلقة بهذا الموضوع، وعلاقتها بالفينيقيين، بينما ركّز الفصل الثاني على التحول نحو البحر، بينما سلّط الفصل الثالث الضوء على حركة الملاحة التي امتازت بها هذه المدينة التاريخية والتي اشتهر أهلها كربابنة معروفين على خطوط الملاحة الموصلة إلى الخليج العربي، والهند، وشرقي أفريقيا، وما جاور تلك المناطق من موانئ، وكيف أسهم الأسطول الصوري العماني في نقل الناس والبضائع إلى الجهات كافة داعما حياة الناس وجالبا المزيد من الرخاء إلى المدينة وأهلها.
“الطريق الى صور”

وأتى الفصل الرابع ليرسم لنا ملامح المكان من خلال الطواف بنا بين نماذج ومفردات معمارية وفنيّة واجتماعيّة واقتصاديّة ميّزت هذه المدينة وكانت نتيجة حراكٍ تاريخيّ امتازت به المدينة كغيرها من الموانئ المعروفة، اللواتي كنّ مصب ثقافاتٍ متدفّقٍ لا ينقطع نتيجةً للتواصل الحضاريّ الدائم، وحركة الأسفار الدائبة، وما صاحبها من تلاقحٍ للثقافات والعادات والفنون المختلفة، والتي تركت أثراً في عديدٍ من الجوانب الفكرية والاجتماعيّة والمعمارية وغيرها.

دور البحر في التاريخ والحاضر العماني
دور البحر في التاريخ والحاضر العماني
يرى الباحث خالد بن علي المخيني أن الإنجاز الحضاري المجمل لعُمان يُعدّ كبيرًا للغاية مقارنة بحجم السكان والمساحة الكبيرة للوطن مع القوى الكبرى المجاورة لنا والأخرى الطارئة على المكان، وأنه يجب الاستفادة من موقع عمان الجغرافي على كافة الأصعدة ففيها مقومات كبيرة غير مستغلة لا سيما السواحل البحرية وسيتضاعف هذا الأمر بعد توسعة منطقة الجرف القاري العماني مما سيشكل عبئا كبيرا لحمايته لكنه سيوجِد فرصا مضاعفة للدخل.
يرى الباحث خالد بن علي المخيني أن
الإنجاز الحضاري المجمل لعُمان يُعدّ كبيرًا للغاية مقارنة بحجم السكان والمساحة الكبيرة للوطن مع القوى الكبرى المجاورة لنا والأخرى الطارئة على المكان، وأنه
يجب الاستفادة من موقع عمان الجغرافي على كافة الأصعدة ففيها مقومات كبيرة غير مستغلة لا سيما السواحل البحرية وسيتضاعف هذا الأمر بعد توسعة منطقة الجرف القاري العماني مما سيشكل عبئا كبيرا لحمايته لكنه سيوجِد فرصا مضاعفة للدخل.
كما يؤكد أنه لا يمكن أن يُفهم التاريخ العماني إجمالا بمنأى عن القوة البحرية العمانية لأنها كانت الذراع الطولى لها والمسبب الحقيقي لازدهارها، وتاريخيا كان الجزء الداخلي من عمان هو المحرك الديني والسياسي لها أما الجزء الساحلي فكان الفاعل الاقتصادي الذي مارس عمليات النقل البحري بحكم موقعه الجغرافي كما كان الخط الدفاعي الأول عن الحدود العمانية.
ويضيف: أبدع العمانيون في صنع السفن، ونبغ الكثير من النواخذة والملاحين وصناع السفن العمانيين وأضافوا الى علوم الملاحة، ولقد مزج النواخذة الذين أتوا من بعد ابن ماجد واستفادوا من الأوروبيين بين العلوم العربية القديمة والحديثة في الملاحة، وتعد الغنجة هي النموذج العماني المثالي من السفن بسبب حجمها وجمال صنعتها وتفردها في عمان وهي الابنة الأكبر للبغلة العربية ويجب الحفاظ على آخر سفينة غنجة عمانية في صور وهي ” فتح الخير”، كما ازدهرت صور بشكل كبير خلال الأربعة قرون الفائتة وكانت ظاهرة في التاريخ العماني بحيث قدمت إرثاً بحريا متكاملا شمل صناعة السفن والملاحة وتوابعها والفنون البحرية المختلفة ومع ذلك لم تعط حقها التي تستحقه تاريخيا.
إعادة النظر في كتابة التاريخ البحري
إعادة النظر في كتابة التاريخ البحري
وعلى الرغم من أن عمان أمة بحرية بامتياز بسبب ظهيرها الطارد إلا أن المعلومات الشائعة التي تعنى بهذا الموضوع مكررة ومغلوطة ومركزة على فترة واحدة او اثنتين من مجمل التاريخ العماني الطويل، وتوجد فجوات تاريخية كبيرة في تاريخنا العماني على مستوى التاريخ الزمني وعلى مستوى المناطق الساحلية نحتاج إلى العمل عليها بشكل بعيد عن التقليدية حتى نخرج بنتائج حقيقية ومميزة، كما أن هناك حاجة إلى حراك علمي يبرز القصص الحكايات البحرية والاشعار التي تعبر عن حجم المنتج البحري الحضاري لعمان.
وعلى الرغم من أن عمان أمة بحرية بامتياز بسبب ظهيرها الطارد إلا أن المعلومات الشائعة التي تعنى بهذا الموضوع مكررة ومغلوطة ومركزة على فترة واحدة او اثنتين من مجمل التاريخ العماني الطويل، وتوجد فجوات تاريخية كبيرة في تاريخنا العماني على مستوى التاريخ الزمني وعلى مستوى المناطق الساحلية نحتاج إلى العمل عليها بشكل بعيد عن التقليدية حتى نخرج بنتائج حقيقية ومميزة، كما أن هناك حاجة
إلى حراك علمي يبرز القصص الحكايات البحرية والاشعار التي تعبر عن حجم المنتج البحري الحضاري لعمان.
ويشير باحثنا إلى أنه مرّت على عمان الكثير من الحضارات التي لم تعط حظها في تبيان أثرها على عمان والعمانيين وإيضاح كيفية تعامل العمانيين معها كالفينيقيين والبابليين والآشوريين، وكان التركيز ينصب على الفرس لقربهم الجغرافي والبرتغاليين بسبب هجومهم الكاسح على المنطقة بعد سقوط الأندلس، والإنجليز بعد ذلك كأمة بحرية أسست امبراطورية كبيرة.