فضاءات

د.رجب العويسي يكتب: المرأة العمانية وسر التحليق في فضاءات التمكين

د.رجب العويسي يكتب: المرأة العمانية وسر التحليق في فضاءات التمكين
د.رجب العويسي يكتب: المرأة العمانية وسر التحليق في فضاءات التمكين د.رجب العويسي يكتب: المرأة العمانية وسر التحليق في فضاءات التمكين

د. رجب بن علي العويسي –  خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية  في مجلس الدولة

تحتفل السلطنة  في السابع عشر من أكتوبر بيوم المرأة العمانية، هذا التأريخ المتجدد الذي شكل نقطة تحول في قراءة موقع المرأة في السياسات التنموية، ليس فقط في إبراز منجزاتها والوقوف على محطات عطائها، والاعتراف بما قدمته في مسيرة العمل الوطني ؛ بل أيضا  في إعادة انتاج ثقافة المرأة العمانية حول ذاتها وفي فقه الرجل وقناعاته بشكل يتناغم مع منظور الهوية ، ويتشرب من معين القيم، ويتناغم مع مسار التكامل  في بناء مجتمع التنمية، ويتوافق مع نهج الثقافة العمانية في أصالتها وسموها واعتدالها، لتصنع في ظل أحداث الواقع ومستجداته ملحمة وفاء خالدة للوطن والانسان ، أساسها المرأة لتتشكل لبنات نجاح الوطن في رحم المرأة وفكرها الناضج وروحها المعطاءة، لتنسج في ظل هذا التمازج خيوط  ممتدة  تنمو فيها قيمة المشتركات كمدخل لتعميق روح الإنسانية النبيلة، ونثر حنين الود وعبيره، وترقية مسارات التوافقية، ليجد الوطن في ظل هذا التناغم في إنسانه، منطق القوة في النتائج، مقرونة بالثقة والتمكّن والتبصّر والاستعداد والجاهزية، والتجديد في مداخل العمل، وتحقيق التلاحم والتضامن، روحا منتجة  للعطاء النوعي الذي  يتجاوز الشكليات ويفوق  السطحيات ويتعالى فوق كل صيحات المدنية والتغريب والحرية المسيسة التي تحاول أن تنال من موقع المرأة في قلب الوطن ونبض إنسانه، إنها حياة الأوطان وأمنها ، ونهضة القيم وشموخها، وروح المسؤولية وجلالها، ليكون هذا اليوم شاهد اثبات على هذا الثراء  القيمي الذي يغمر الأرض العمانية المعطاءة وهي تفصح عن موقع المرأة في وطن الانسانية، وحضورها الراقي مع الرجل شريكها في الإنجاز، وهو تعبير عن  جميل الوطن وهو يقرأ في الجميع نساءً ورجالا انتماءهم للوطن، وحاجته إليهم ، ليزيد احتفال الآباء والأبناء والاخوة بيوم المرأة:  الأم والأخت والبنت، شعورا جميلا بالمسؤولية نحوها، وارتباطا بالنهج الذي أصلته عمان  في أبنائها، والتزاما بالمسار الذي صنعته رؤية القائد المفدى منذ توليه مقاليد الحكم في البلاد ، ما يزيد الاحتفال  بهذا اليوم  المرأة اندماجا في فقه المجتمع ورابطة تجتمع بشأنها قناعات أبناءه، لتصبح مصدر فخرهم، وبوح كلمتاهم، ينتظرون قدوم هذا اليوم ليدلو كل منهم  بدلوه ويتحدث كل واحد فيهم بلغته ليصف دور المرأة ويعبر عن فخره، وليقدم كلمات الشكر والتقدير لقائد المسيرة المظفرة على  الالتفاتة الكريمة الحانية من لدن جلالته  بدور المرأة العمانية، شموخ وطن، وسموق أمة، كريمة المعدن، اصيلة الفكر، راقية للخلق، ماجدة الشعور راعية للواجب.

عليه كان لهذا التحول في قراءة موقع المرأة في وجدان الوطن ومسيرة بنائه ؛ أثره  في المحافظة على هذا استدامة هذا السر الذي حفظته النهضة العمانية للمرأة، والخصوصية التي استطاعت المرأة العمانية أن تصنع خلالها مرحلة تحول عكست ثقة الرجل فيه وتبنيه لما تطرحه من أفكار في التنمية والإدارة والتطوير، وما تؤسسه من فرص لبناء الوطن في وجدان الناشئة وتعزيز قيم الولاء والانتماء والحب لعمان وسلطانها المفدى،  لقد عزز هذا الدور الذي مارسته المرأة العمانية  في منظومة الأسرة وبناء الأجيال وتأصيل القيم وترسيخ أخلاقيات التنمية من دعم الرجل لها ووقوفه معها جنبا إلى جنب ، ليكون الوطن أقوى مشتركات الترابط وأعمق دوافع الانجاز، فاستفادت من مساحة الديناميكية والمرونة المؤطرة بثوب الأخلاق وثبات المبادئ لتحلق خلالها في فضاءات الوطن الواسعة ؛ لذلك لم يعد التعاطي مع يوم المرأة العمانية في شكله المعتاد كتقليد وطني يتحدث عن إنجازات التنمية الوطنية للمرأة فحسب، بل شكل نقطة تحول في مسيرة  الإنجاز النوعي وتخليد الأداء الراقي الذي يستوعب الوطن  في كل تجلياته ويؤسس لنهضة الفكر في أنصع صوره،  والوعي  في أرقى مساراته وأنضج سياساته، لذلك أصبحت هذه المحطة السنوية أعمق من تراتيل تصدح بدور المرأة ، أو اشعار وخطب ومقالات وكتابات تتسابق إليها أعمدة الصحف ولقاءات الصحفيين ومنصات التواصل الاجتماعي؛ بل استراتيجيات أداء وأنظمة حياة تؤسسها المرأة وتصنعها في واقع الأجيال، وتنسج خيوطها في ظل قراءة أعمق للأحداث وفهم دقيق للمتغيرات وإعادة انتاج المسار الذي  يهيئ للمرأة العمانية كل عوامل  القوة،  ويضمن لها  بلوغ  استحقاقات التمكين،  لذلك فالاحتفاء بها غوص في البناء الإنساني، وقراءة في العمق البشري الذي ينطلق من فقه المرأة ووعيها، ويتناغم مع ابجديات الحياة في ظلال عطائها الشامخ إلى المجد، وأي فضل أعظم من امرأة  تنهض بأبناء هذا الوطن ، وترقى بفكرهم وتنمو بأهدافهم وتنهض بعطائهم ، وما تحمله من دوافع الايمان وإيجابية الذات، التي  نفثت في روح المرأة  لتنتج مجتمع القوة حتى وجد الرجل في المرأة  صدق التأثير ونهج البناء وموطن احتواء ونهج تربيه وسمو إرادة وإخلاص عمل وبناء جيل صالح يلتزم المواطنة مسلكه، ويؤمن بالهوية معدنه، ويدرك قيمة التناغم بينهما في بناء إنسان واعي في زمن السقطات، فامتلكت بذلك ناصية التربية، والتزمت نهج البناء، وراقبت تطوره، وأدخلت رؤية التحسين والتطوير والتجديد في المنتج العماني، إلهاما للفكر واحتواء للنفس ورسما لمعالم الطريق،  ولقد صدق مولانا المعظم في خطاب جلالته في الانعقاد السنوي لمجلس عمان 16/11/ 2009 ،  حينما صور لنا  هذا التناغم الحاصل بين لبناء البناء الوطني ومرتكزات نجاحه  في أبسط صورة وأنصع مثال وأدق معنى وارقى وصف ، بما يصنع للمرأة حضورا يحتوي النفس ممده، وتنهض الحياة بوجوده، بعيدا عن اختزالها في إطار ضيق،  كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السموات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضا منكسرا؟ هل يقوى على هذا التحليق؟!.”

  لقد رسم جلالة السلطان المعظم للمرأة طريق القوة وهي تشق طريق النجاح، وتتجه إلى آفاق السموات في شمولية واتساع، ونُهج من الاحتواء لترفرف على الأرض العمانية اشرعة السلام والأمن والوئام، وإذا كنا نتساءل عن هذا السر الذي تعيشه عمان في سلامها وتوادها وتناغمها  وتسامحها وثبات مبادئها ومصداقية سياساتها، فان الاجابة تتجه إلى أن حضور المرأة في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية العمانية ، أحدث تحولا في مسارات الحياة وأوجد فرصا أكبر للتعايش وقبول الاختلاف والشعور بعمق ما يحمله الآخر للوطن لينعكس أثر ذلك على منظومة بناء الدولة وسياساتها الداخلية والخارجية؛ وهي تلك المرأة التي  تقرأ الواقع بروح القيم، وتنظر للمستقبل بإشراقة الأمل، وتبرز العطاء في أخلاقيات الدين وجماليات الحياة في  التزين بالهوية ، إنها ترسم مستقبل آمن للأجيال ، وتبني  حياة هانئة قوامها المسؤولية، في عالم مشحون بالأحداث والتناقضات ويعيش حالة من السقطات والتقاطعات التي تغير مساره وتنحرف به عن مسار الجادة، لتبقى المرأة العمانية المخلصة في عطائها، الصادقة في وفائها، البارة بوطنها الحافظة لحدوده، ثبات على المبدأ، وصدق في المسؤولية، وإخلاص في الإنجاز، وتربية صادقة للنشء، ورعاية سامية للفكر،   بما تمتلكه من مبادرة تحقيق المسؤولية وترسيخ منظومة الوعي في سلوك الاجيال ، إنها امتداد لجسور التواصل عندما تنقطع صلة الرحم، وعزة الوطن عندما تتجه الانفس للتنازل، وصمود الامة عندما  يدب في  نفسها الوهن، من يسير بالإنجاز إلى عالم الحياة  المملوء بالشوك، متحدية النضرة الضيقة التي تراها في لباسها وجمالها وخصلات شعرها ، فهي القوية بمبادئها،  الطفلة في شموخها، الأخت في إبائها، والأم في احتوائها، فتقرأ في منجزات هذا الوطن  مرحلة القوة لاستعادة الانفاس، وإعادة التفكير في الأدوات، فلم تعد مسألة التمكين نهاية المطاف، ولن يكون التمكين  مساحة حرية لتنسلخ فيه من جلباب الأبوة أو احتواء الأمومة، بل هي مرحلة البحث في أدوات متجددة وأليات عمل  أكثر ابتكارية،  لقناعاتها بأن  التحليق في فضاءات الكون وسموات هذا العالم قد منحها  فرصة اكبر للاطلاع على احداثه وفهم مستجداته وقراءة أخباره والوقوف على زلاته وسقطاته ، وإدراك موضع الخلل، ومسببات المشكلة ، ومكامن التحدي،  لتقرأ في العالم فرصتها  لصناعة التحول المؤصل لنهج الإيمان والمؤطر لفلسفة  بناء الانسان، ولأن التحدي كبير فإن العمل المطلوب يتجاوز الاعتياد، ويستدعي المزيد من العطاء، والاستفادة من فرص التمكين  التي  أتاحتها  لها الدولة  لتتجه بها إلى مرحلة التمكن وتعيد من خلالها  انتاج واقعها المتجدد بامتلاكها أدوات المعرفة واختيارها للأفضل.

ولكونها في موقع المسؤولية ومكمن الريادة وحظها من الإخلاص والجهد  أكبر والحاجة إليها في ظل الظروف أكثر، لذلك فهي تتحدث  بمنطق القوة ، راعية للنشء، ماجدة  في خلق، عاملة في ظل مبدأ،  قيادية في ظل مسؤولية، أمٌ رؤوم لا ينازعها في التربية أحد، وأخت حنون راعية  للواجب حيث النصيحة والتوجيه، ولأنها تمتلك أدوات تشخيص واقع السلوك الاجتماعي في الأسرة والبيت بشكل يتناغم مع طبيعة المسؤولية ومؤشرات السلوك الواعي والقيم الأصيلة وتقريبها من فهم الأجيال وأنماط التواصل اليومي معهم، لذلك أصبح التعاطي الاجتماعي مع يوم المرأة  نهضة للفكر وصناعة للذات المتجددة ، واستحقاقات  تصنعها المرأة في ظل تقييمها وتشخيصها لمكونات الوطن ، وهي بما تحمله من مبادئ وقيم واخلاقيات وما تمتلكه من أدوات ونهج ومسارات الطريق لصناعة المستقبل  الذي تقرأه في تفوق أبنائها وسمو أخلاقهم ونبل صفاتهم ، لذلك تجد في سياسات الوطن وبرامجه وخططه وتوجهاته  منصات لإعادة انتاج واقعها بشكل تقترب فيه مكونات وتحليل ارضيات نجاحاته ليشكل ذلك كله قيمه مضافة في حياة أبنائها ، ولقد عزز استباقيتها لقراءة هذه المسار من قدرتها على تصحيح المفاهيم المغلوطة حولها، والتفكير الضيق في وصفها، فقد  رسمت صورتها في خلد الوطن، وحددت  في ظل هذا الدور كيف تريد أن يراها المجتمع ، وكيف هي في قاموس الاب والاخ والزوج ،  لذلك لم تعد مسألة التمكين حالة مقلقة للمرأة العمانية  بقدر ما شكلت مسار تحول  يقرأ المرأة في منظور القوة والعفاف ويبرزها في ثوب الجمال  في بساطته وعفويته بعيدا عن أي مجازفة بحق  الذات أو تشويه لصورة النفس أو اختزالها لها  في مظاهر براقة خادشه للحياء، عبر منصات التواصل الاجتماعي وغيرها .

لقد اثبتت المرأة العمانية  امتلاكها للوعي والثقافة الهادفة وقواعد السلوك الرصين الذي يصنع لحضورها قوة ، وهي تدرك  في رقي ذوق ونبض خلق، ما تعنيه هذه الاستحقاقات من مسؤولية تفرض عليها  أن تسلك فيها مسلك التميز بشخصيتها الانثوية المهابة ، الصادحة بنبل الطباع، والمتعلقة بنهج السماء، الضاربة  في فلسفة ماجدات عمان وعالماتها  وامهاتها وبناتها  المتفردات  بحسن الخلق ، والساطعات في إشراقة الأفق، من يحملن  الوطن في نفوسهم، ويتشربن الاخلاق  بريق عطاء، وهو مسلك  قائم على بناء لبنات الوطن  في ظل مرحلة باتت تفصح فيها الفضاءات المفتوحة عن  مستجدات ومتغيرات أثرت سلبا في حياة الأجيال، واتجهت إلى التأثير على هويتهم وقناعاتهم وأفكارهم وخصوصياتهم  وشكلت هاجسا كبيرا  في قاموس بناء المجتمع ووضعت لها الحكومة السياسات والخطط والتوجهات والاستراتيجيات عبر تفعيل خطوط التأثير التعليمية والإعلامية  الوقائية والعلاجية، ويصبح تعزيز دور المرأة  كشريك فاعل في استراتيجيات التطوير والتنفيذ،  منطلق لإعادة مسار العمل القادم، لما تمتلكه من خبرة وتجربة حياتية في العمل الإنساني الواعي،  وحضور قوي في التربية وأنماط التأثير والاحتواء التي تمتلكها كحالة فطرية وفسيولوجية أو مكتسبة أحيانا في بناء مسارات الحياة الآمنة المطمئنة.

 فإن الاحتفال بيوم المرأة علامة فارقة  تحسب لعمان قيادة وشعبا، وسياسة ونهجا، في تأسيس ثقافة المشاركة في الحياة العامة والخاصة، ومنطلق لفتح مساحات الحوار والتواصل التي بها تقوى رابطة الوطن وتنضج خلالها نواتج العطاء فإنّ على المرأة العمانية وفي ظل ما أنتجه لها الواقع من فرص التعليم والتدريب والتأهيل وبرامج الرعاية التي تحققت لها، وما اكتسبته من واقع الخبرة والتجربة والتعلم وموقعها في منظومة العمل الاجتماعي والمؤسسي، من وعي بالحقوق والواجبات وإدراك لطبيعة المسؤولية الملقاة على عاتقها؛ قادرة على منح هذه المفردات قيمتها في سلوك الأجيال، وبالتالي كيف يترجم جيل المرأة  العمانية القادم مساحات التمكين على شكل ممارسات ايجابية يشعر بها كل أفراد الأسرة،  ومدى استفادتها من الفرص المتاحة  في توجيه دورها لبناء وطنها وغرس سلوك المواطنة الحقة،  ليصبح الاحتفال بهذا اليوم  عملية ربط  بين ما تحقق للمرأة وما حظيت  به من اهتمام، بما يمكن أن يتعزز لديها من وعي  اجتماعي واقتصادي وثقافي وفكري ، وعلاقة ذلك بمفهوم التمين  في مجال حياتها الاسرية والاجتماعية وقدرتها على التفاعل مع كل المعطيات والمتغيرات بروح متفائلة وأجندة عمل نوعية تنظر في سلوك الأسرة والأبناء والمجتمع،  نماذج حية وممارسة أصيلة تحلق في سماوات الوطن لترفرف على أرضه حاملة معها رسالة السلام  والوئام والقدوة والانموذج.

Your Page Title