د. رجب بن علي العويسي – خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية في مجلس الدولة
مع العد التنازلي لبدء المركز الوطني للتشغيل في تنفيذ مهامه واختصاصاته المحددة في المادتين (3،4) من المرسوم السلطاني السامي رقم ( 22/2019 ) ، والتي حددت المادة (8) منه، الأول من يناير لعام 2020 موعد بدء العمل بالمركز ، وما أشارت إليه المادة (4) من اختصاصات يقوم به المركز في سبيل تحقيق أهدافه، وما ركزت عليه الفقرات ( 6،8،9) من اختصاصات تتعلق بتحديد أولويات التعليم والتدريب واجراء البحوث الدراسات ذاعت العلاقة، وتوفير المعلومات اللازمة لحركة التوظيف والتشغيل ، بشكل يضمن تمكين توجيه السياسات التعليمية نحو تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم من التخصصات بشكل يتوافق مع احتياجات سوق العمل ؛ حيث حددت الفقرة (6) مسؤولية المركز في التنسيق والشراكة مع الجهات المعنية بالتعليم لتحديد أولويات التعليم والتدريب ب واحتياجات سوق العمل بما يشمل دعم القطاعات الاستراتيجية والمشروعات التنموية من الكفاءات والمهارات الوطنية؛ وأشارت الفقرة رقم (8) إلى : اجراء البحوث والدراسات بالشراكة مع مختلف الجهات التعليمية والتدريبية والتشغيلية لدعم تشغيل القوى العاملة الوطنية ، والفقرة( 9) توفير المعلومات اللازمة عن حركة التوظيف والتشغيل في السلطنة لتمكين الجهات المعنية بالتخطيط من صياغة سياسات التوظيف والتشغيل وتوجيه السياسات التعليمية والتدريبية نحو المواءمة بين المخرجات من مختلف التخصصات العلمية والتقنية ومستويات المهارة المهنية مع الاحتياجات الفعلية في سوق العمل.
وبالتالي ما تطرحه هذه الاختصاصات من مسؤوليات على المركز أن يقوم بها بشكل منفرد أو مشترك مع المؤسسات التعليمية والتدريبية في إعادة انتاج المسار التعليمي وتقييمه وتصحيحه وبناء هيكلة جدية في عمل مؤسسات التعليم تستطيع من خلاله تحقيق التزاماتها الوطنية ، وبناء مسارات تعلم أكثر تناغمية وانسجاما مع ما يتطلبه الواقع الوطني والمرحلة المقبلة، بشكل يحفظ للمركز موقعه باعتباره المرجعية الوطنية العليا في كل ما يتعلق بقضايا التشغيل والتدريب والتوظيف وقضايا الباحثين عن عمل ، وثقة المواطن في قدرته على رسم ملامح التحول في معالجات مستدامة في هذا الملف، وما يطرحه أيضا من موجهات حول طبيعة الاليات والأدوات والبدائل والاستراتيجيات التي يعتمدها المركز في إدارة الملف المتعلق بالسياسات التعليمية والخطط والبرامج المقدمة للمخرجات وهي على مقاعد الدراسة أو بعد التخرج وفي أثناء البحث عن الوظيفة، والآليات والأطر المبتكرة التي ينبغي للمركز ان ينتهجها في معالجة الاشكاليات الحالية الناتجة عن تزايد أفواج الخريجين من مؤسسات التعليم العالي والدبلوم المتوسط والعام من الباحثين عن عمل ، وما يثار من قبل البعض حول الاشكاليات المتعلقة بكفاءة هذه المخرجات والمهارات التي تمتلكها، والممكنات التي يفترض تحقيقها في تقليل الفجوة الحاصلة بين زيادة العرض من الكفاءات الوطنية وقلة الطلب الحاصل عليها من سوق العمل العماني الحكومي والخاص، والخطورة الناتجة من تضاؤل أعداد الكفاءات العمانية المشتغلة في القطاع الخاص والتي تتراوح نسبتها بين 11-13% ، حيث تشير احصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أن عدد المشتغلين بالقطاع الخاص والعائلي من العمانيين لعام 2028( 252,132 ) في حين بلغ عدد الوافدين ( 1,729,713 ). كما تشير احصائيات وزارة القوى العاملة لعام 2018 إلى أن توزيع القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص حسب الأقسام المهنية جاء ، بنسبة (24%) يعملون في المهن الهندسية المساعدة، ( 22.2%) في المهن الكتابية ، و(17.3%) في مهن الخدمات، و(10.9%) اختصاصيون في المواضيع العلمية والفنية والإنسانية و(8.8%) فنيون في المواضيع العلمية والفنية والإنسانية و(5.9%) مديروا الإدارة العامة والأعمال والمستثمرون العاملون ، وأن نسب التعمين المحققة في القطاع الخاص والعائلي في عام 2018 م حسب الأقسام المهنية ، كانت بنسبة تعمين(96.2%) في المهن الكتابية ، و(28%) في مهن الفنيون في الموا ضيع العلمية والفنية والإنسانية و ( 26.7%)، في مهن مديرو الإدارة العامة والأعمال والمستثمرون العاملون و(25.3%) في مهن الاختصاصيون . وهو ما يطرح على المركز مسؤولية البحث في هذه التباينات الحاصلة ما ودراسة الأسباب التي تقف دون التحاق الكفاءة الوطنية للعمل في هذا القطاع، وما يستدعيه ذلك من مراجعات للقوانين المنظمة والحوافز والامتيازات الممنوحة، ومستوى تحقق الأمن الوظيفي والاستقرار فيه، خاصة في ظل تزايد التسريح القسري للعمانيين من غير الداخلين فيه بعقود عمل مؤقتة.
وعليه فإن قدرة المركز على إدارة قطاع التشغيل والتوظيف للباحثين عن عمل من خلال ملفي التعليم والتدريب، يستدعي توفر الممكنات لديه في إعادة هندسة التعليم: سياساته وخططه وبرامجه ، ويطرح عليه البحث في أجندة عمل تقرا قطاع التعليم والتدريب في ظل مؤشرات الواقع الوطني والتزايد الحاصل في القوى الوطنية الباحثة عن عمل والمسرحة من القطاع الخاص، وفجوة التباين والثقة في الكفاءة العمانية وزيادة أعداد مخرجات التعليم العالي وقلة المعروض من الوظائف، أو في عدم وجود مسار واضح بالتخصصات التي يحتاجها سوق العمل في قطاعات التعليم او غيرها ، وبالتالي إعادة انتاج الواقع التعليمي عبر ما يتخذه من قرارات واستراتيجيات وبدائل وشراكات وينفذه من برامج وخطط ويرسمه من سياسات لإعادة التوازن في منظومة التشغيل والتوظيف، سواء من حيث تعزيز المسارات التعليمية والتنويع فيها، باعتبارها من بين الموجهات المطروحة في تعامل المركز مع سياسات التشغيل والتوظيف، بما يعزز فرص بناء المهارة ، وإعادة التجديد فيها بما يتناسب وطبيعة سوق العمل، وترقية وضبط معايير واشتراطات ونسب القبول والالتحاق في مؤسسات التعليم العالي ، وتعظيم قيمة المهارة كمسار استراتيجي يضمن قدرة المخرجات على امتلاكهم ادواتها، وتوظيفهم لها في ترقية مشروعاتهم الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بالاستفادة من نوعية المعلومات والخبرات والتجارب وضبطها وتعظيم قيمتها المضافة في الحياة المهنية للخريج؛ وتوفير مسارات مهنية وتدريبية وتحفيزية وتجريبية تتيح للخريج فرص بناء قدراته والاستمرار في زيادة دافع الحافز النفسي والابتكاري لديه، ورفد مؤسسات التعليم العالي بالتخصصات التي سيكون لها حضورا استراتيجيا في المستقبل وتكييف التخصصات بها لهذا الغرض، بما يضعها امام مسؤوليات استشراف مستقبل الوظائف للحد من حالة التكرار غير المبرر الحاصل في بعض التخصصات، وامتلاك قاعدة بيانات وطنيه واضحه ومفهومه حول نوع وطبيعة ومسميات الوظائف والتخصصات التي تحتاجها قطاعات التنمية الوطنية والثورة الصناعية الرابعة تحقيقا لرؤية عمان 2040، وأن يتبني المركز معايير واضحه يعمل خلالها سوق العمل عبر مؤشرات تقرا التحول الحاصل في الوظائف والتوقعات بشأنها وتستشرف مستقبل الكفاءات الوطنية، وإيجاد بيئات انتاجية تحتضن مخرجات الدبلوم العام فما دونه، باعتبارها القيمة التشغيلية المنتجة التي تعتمدها الشركات ومؤسسات القطاع الخاص والعائلي، وإعادة هيكلة المهارة الوطنية في التعليم وتحديد موقها الاستراتيجي في المناهج والممارسة التعليمية والأساليب التدريس وطرائق العمل والخطط الدراسية ومحتوى المناهج.
ويبقى على المركز الوطني للتشغيل مسؤولية تقنين وتقييم وضبط السلوك التعليمي الموجه نحو بناء الكفاءة الوطنية والتخصصات المطروحة بشكل يضمن قدرتها على ضبط معادلة بناء المورد البشري وإعادة انتاج الدور القادم للتعليم؛ بما يصنعه من بدائل ويوفره من سيناريوهات للتعامل مع ملف الباحثين عن عمل والتشغيل بكل متعلقاته في ظل قراءة واعية تتجه إلى بناء هيكلة جديدة للتعليم وفق خطة التصحيح والمعالجة الواقعية والمراجعة الشاملة لهذا الواقع، وإعادة تنظيمه وتقنينه وتوجيه الممارسة التعليمية نحو تعزيز قدرة المخرجات على تحقيق هوية الإنجاز القادم ومواكبة متطلبات مسيرة التحول النوعي في الاقتصاد الوطني في ظل فتح المجال للاستثمارات الأجنبية والتركيز على القطاعات اللوجستية وخدمات الموانئ والمطارات والمدن الصناعية، وما يعنيه ذلك من إعداد المخرجات وتهيئتها لقبول الدخول الطوعي في القطاع الخاص كممارس فاعل وخبرة وطنية رائده وأنموذج للمواطن المنتج في الحصول على استحقاقاته الوظيفية الناتجة عن جدارة وتنافسية والتزام لغة اقتصادية متزنة ومهارات تتسم بالاتساع والعمق، وتمتلك موجهات الاقتصاد العالمي وتتعاطى معها بكفاءة وفاعلية؛ فإن قدرة المركز على إعادة انتاج المسار التعليمي القادم في ظل سقف التوقعات المطلوب منه تحقيقها والاختصاصات المشار إليها في المرسوم السلطاني، يستدعي منه عملا متقنا وجهدا توافقيا استثنائيا محققا للهدف، وشراكة فعليه من جميع القطاعات، وقراءة معمقة لواقع التعليم وغوص في فقه الممارسة التعليمية، وتحليلا دقيقا لواقع سوق العمل ، واستيعاب أكبر للواقع ودور المؤسسات في تصحيحه على مسار كل وحدة تعليمية او مؤسسات التعليم عامة، وجدية في تحقيق الاستدامة في رؤية المعالجة لموضوع الباحثين عن عمل ، وثقة في قدرة القطاع الخاص في الإفصاح عن واقع الكفاءة العمانية المشتغلة فعليا فيه ، وقبل ذلك كله ثقافة وطنية مسؤولة تتفهم دور المركز ليس في حل مشكلة الباحثين عن عمل فحسب، بل في رسم ملامح الاقتصاد الوطني القادم في ظل المعطيات والمؤشرات الحاصلة في قطاعات التشغيل والتوظيف والتعليم والتدريب واعادة التوازن في التخصصات والأولويات الوطنية في الحد من حالة الازدواجية والتشتت والتبعثر الحاصلة في التخصصات لتحقيق المواءمة، وعندها يستطيع المركز أن يضع اليد على الجرح ويعالج المشكلة من جذورها عبر قرارات استراتيجية جريئة يتخذها المركز في تفعيل هذه الاجندة وفق رؤية عمل محددة زمنيا ليحقق المركز مسؤولياته في مراقبة وتصحيح وبناء وتنظيم وتقنين سياسات التوظيف والتشغيل وتوجيه السياسات التعليمية والتدريبية نحو تحقيق المواءمة بين المخرجات من مختلف التخصصات العلمية والتقنية ومستويات المهارة المهنية المتحققة لدى الكادر الوطني مع الاحتياجات الفعلية في سوق العمل لتمتد إلى قدرتها على توفير المهارة المهنية التي تتطلبها سوق العمل العالمي بما يفتح للكفاءة العمانية من نوافذ وفرص اكبر في المنافسة فيها واثبات جاهزيتها للتعامل معها .. فهل سيعد المركز إنتاج المسار التعليمي وتحديد أجندته وضبط أدواته، ليصل إلى سقف توقعات الوطن والمواطن منه، وهل سيمتلك الأدوات الرقابية والضبطية التي تلزم مؤسسات التعليم بمسؤولياتها في ترتيب أوضاعها التعليمية وتكييف خططها وبرامجها وأدواتها مع متطلبات المرحلة؟