د.علي بن حمد الرِّيامي- دكتوراة الفلسفة في اللغة العربية وآدابها
بعد 50 عامًا من البذل والعطاء والتَّضحية، وفي صبيحة يوم قارس البرودة، ممزوجًا بدموع الغمام، ومتوشحًا برياح تنثر آهات الثَّكالى، يرحل مولانا جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ـ طيَّب الله ثراه ـ مترجِّلًا عن صهوة جواده، تاركًا خلفه شعبًا عظيمًا وفيًّّا استطاع أن يزرع حبه في قلوبهم ونفوسهم وعقولهم، مسدلًا السِّتار عن حقبة تاريخيَّة مهمة قاد بها عُمان إلى مصاف الدُّول العظمى حضارةً وإرثًا ومجدا، مرحلة مهمَّة في تاريخ الإمبراطوريَّة العمانيَّة العظيمة الضَّاربة جذورها في عمق التَّاريخ، قادها مولانا السُّلطان قابوس فأحسن وأجاد، سعيًا منه لتكون عُمان أنموذجًا عصريًّا يُحتذى به ويُشار إليه بالبنان، فاستطاع أن ينقل عُمان من الظَّلام إلى النُّور، ومن الشَّتات إلى الوحدة، فأرسى السَّلام والوئام في ربوع هذا الوطن العزيز.
يتركنا هذا الرَّجل العظيم في قلوبنا، الشَّهم في أقواله وأفعاله، رجل الحكمة والسَّلام والوئام، يغادرنا إلى جوار ربٍ كريمٍ، مطمئنًّا بما قدَّمه لبلاده وشعبه وأمَّته من تقدُّم وازدهار ورفعة وسؤدد، يرحل تاركًا بصمته في كلِّ شبر من عُمان، وفي كلِّ المحافل العربيَّة والدُّوليَّة، فهو صاحب شخصيَّة عظيمة، يده بيضاء، وحكمته سديدة، ورأيه نافِذ، لم يبخل يومًا على الأمة جمعاء بحكمته وحنكته وخبرته، مادًّا جسور الصَّداقة والسَّلام مع كلِّ دول العالم.
وداعًا مولانا جلالة السُّلطان قابوس، رجل السَّلام والوئام، وباني نهضة عُمان. لقد تركت لنا إرثًا حضاريًّا عظيمًا حافلًا بالمنجزات، وشعبًا وفيًّا قادرًا على المواصلة في البذل والعطاء والبناء، مستمدًّا قوته من روحك العظيمة، وتوجيهاتك النَّيرة السَّديدة، وإرثك الخالد الماجد بإذن الله. رافعين أكفَّ الضَّراعة إلى الباري عزَّ وجلَّ مبتهلين بأن يتغمَّدك بواسع رحمته، وأن يثيبك خير الجزاء، وأن يجعل مثواك مع النَّبيين والصِّديقين والشُّهداء وحسن أولئك رفيقا.
حملت راية عُمان في حقبة كانت تمرُّ بأحلك الظُّروف، وعبرت بها رُغم الصِّعاب إلى برِّ الأمان إلى الرَّخاء والوحدة والاستقرار، ليتسلَّم الرَّاية من بعدك مولانا جلالة السُّلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ ليكمل بإذن الله مسيرة العطاء المتجدِّدة، متسلِّحًا بفكرك النَّيِّر وحكمتك السَّديدة، فاللهم وفقه وسدِّد رأيه، وارزقه البطانة الصَّالحة التي تعينه على الخير لما فيه صلاح عُمان وشعبها، وآخر دعوانا أن الحمدُ لله ربِّ العالمين.