أثير – محمد الهادي الجزيري

هذا كتاب جامع متنوّع ..شامل وملخّص لصلاح الدين الحمادي ..فقد جمع فيه جملة مقالات قديمة وجديدة ..ومن ضمنها مقالات سياسية وأدبية وذات منحى اجتماعي وأخرى قد يغلب عليها التعجّب والسخرية ..ونحن نتفهّم ذلك فكلّ شيء يدفعنا إلى الضحك بصوت عال ولكنّه كما يقول المتنبي : ولكنّه ضحك كالبكاء …
مدام الأمر كما ذكرت سأفتح الكتاب من صفحة ما وأقرأ ما دوّن صلاح الدين من وقائع وأحداث وما رسم من حرائق أو حدائق في بياض الأوراق ..، أطالع في الصفحة مقالة حول اتّساع مطارات كثيرة مقارنة بمطار قرطاج ..الذي قالوا لنا أنّهم وسّعوه ..في حين أنّه يمكن أن يكون ركنا بمطار فرانكفورت أو شارل ديغول أو غيرهما كثير..، ويختم الكاتب النصّ بمكالمة هاتفية لصديقه الروائي التونسي ابراهيم درغوثي يقول فيها:
” أمسكت بهاتفي الجوّال واتصلت بصديقي ابراهيم سائلا إيّاه : ماذا قالوا يا خال؟ ويرّد عليّ ابراهيم ضاحكا: كبرنا يا ولد أختي، كبّرناه ، فأردّ بمرارة : ماذا كانوا سيقولون لو أنجزوا مطارا في عشر هذا المطار الذي أزوره الآن ؟..”
في باب السياسة قرأت أكثر من مقالة قيّمة ومأخوذة من هموم الإنسان ومن معيشته وتوقه لغد أفضل..، وقد وقع اختياري على نصّ بعنوان ” بين المطرقة والسندان ” نظرا لقدرته على تكثيف المعنى في أقلّ ما يمكن من المفردات ..، إذ يقول النصّ أنّنا صرنا قطعة الحديد التي توضع بين المطرقة والسندان ..والغريب أنّها مازلت صامدة تتلقّى الضربة تلو الصفعة بثبات وصبر وكما نقول بالدراجة التونسية ” صحة بلاطة ” اي لست هنا ..على كلّ ما أعجبني مراوغة صلاح الدين في خاتمة النصّ حيث قال:
” نحن لا نرجو أن نصبح في يوم ما مطرقة ( تهرّس ) الآخرين ولكنّنا نأمل في أن تنبني العلاقات بين الشعوب على التعاون والتضامن والتوادد الإنساني ..إنّها مثالية منّي ..أدرك ذلك جيّدا..ولكن ماذا بقي لنا غير الحلم؟ فهل ستوضع أحلامنا أيضا بين مطرقتهم وسنداننا؟ يقول مظفّر النواب: ( نحن أمّة ، لو جهنّم صُبّت على رأسها واقفة )..”
ما دمنا نتحدّث عن صلاح الدين الحمادي فلا بدّ من ذكر أنّه رئيس اتحاد الكتاب التونسيين وقد كان من أوّل من صدّ النطيحة والعرجاء وما خلّف الجهل عن قلعة الكتّاب التونسيين في السنوات الأولى للانتفاضة التونسية ..وكان له ما أراد ..ظلّ الاتحاد واقفا راسخا شامخا رغم الداء والأعداء ..وظلّت ( المسار ) مجلّة المثقف التونسي ..وقد دأب صلاح الدين على تحبير مقدّمتها بأخبار وهواجس وأحلام الكاتب وعناد الباحث وإيمان الشاعر الذي آمن بفكرة أنّه يجب الدفاع والذود على اتحاد الكتاب التونسيين ليبقى جامعا لهم ..، وفي هذا الإطار كتب في مجلة المسار عدد سبتمبر/ أكتوبر سنة 2017 عن تكريم أحد رموز الساحة الأدبية وأقصد طبعا الحبيب الجنحاني وممّا قال فيه :
” نلتقي نحن محبّيه والمتقاسمين معه عبء القلم وما يسطّره البنان، لنحتفي به كائنا تونسيا سخيّ العطاء، وصديقا نادر الوفاء، أقول الوفاء ليس من قبيل السجع في الكلام، بل على سبيل الاعتراف بوفاء سي الحبيب للمنظمة التي كان من المساهمين في تأسيسها منذ سبعة وأربعين عاما…”
كتاب ” قفا نعجب ” جولة في ذاكرة صلاح الدين ..فهو جولة في ذاكرة الكاتب التونسي المهموم بالوطن والمهووس بالثقافة والأدب..، كتاب يعود إليه المرء من حين إلى حين لقراءة نصيب من التاريخ القريب لتونس ..كتبه شاعر وباحث ورئيس اتحاد الكتّاب التونسيين ..بكلّ ما في النفس من حبّ ومعرفة وحزن وأمل ..وممّا ورد في التقديم :
” إنّنا نروم من خلال جمع هذه المقالات وتقديمها إلى القارئ، إثارة الانتباه ولفت النظر إلى عديد المسائل التي قد يراها البعض بسيطة، بينما نرى نحن أنّ الاهتمام بها والسعي إلى التفكير فيها ومحاولة معالجتها هو جوهر الإصلاح المجتمعي ..”