مسقط – أثير
أصدر حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- المرسوم السلطاني (2/2020) بتعديل الملحق رقم (3) الخاص بقانون علم الدولة وشعارها ونشيدها الوطني، والذي احتوى على تعديل للنشيد الوطني.
وأثار البعض جدلًا لغويًا فيما يتعلق بتعديل السلام السلطاني، وتحديدًا في الشطر الثاني من التعديل: (واملئي الكون الضياء)، فأدْلى كلُّ واحدٍ بدلوه، حول السبب في توظيف (الضياء) مُعرَّفة ب (أل)، وعدم تنكيرها (ضياء).
وحول هذا الموضوع، تواصلت “أثير” مع الدكتور زاهر بن بدر الغسيني أستاذ مساعد في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس الذي قال بأن هذا الجدال إيجابي، ويُثبت حرص أبناء الوطن على هويتهم الوطنية، وما يمكن توضيحه هنا، يتمثل في بيان أن كلمة (الضياء) صحيحة في استعمالها اللغوي؛ سواء أجاءت في السياق مُعرَّفة، أَمْ نكرة (ضياء)، باختلاف القراءات والتأويلات اللغوية، إذ تنفرد لغتنا العربية عن بقية اللغات بمرونتها، وسِعة تأويلاتها اللغوية، والخلافات النحوية تؤكد صحة النحو وسلامته، ناهيك عمَّا يسمى بـ “الضرائر الشعرية”، والتي ألَّف فيها علماء العربية مؤلفات عدة، أشهرهم ابن عصفور (ت669) ومؤلَّفه (ضرائر الشعر).
وأضاف الغسيني: لا يمكن إطلاق حكم جازم مطلق بعدم صحة تعريف (الضياء) ب (أل)، باعتبار أن الأصح وضعها نكرة (ضياء)، لتكون تمييزًا منصوبًا، والتمييز لا يكون مُعرَّفًا، وربما هناك مَنْ لم يُدرك أن التمييز قد يكون في اللغة العربية مَعرفة تُؤَول بالنكرة، ففي قولنا مثلًا: “أَلِمَ فلانٌ رأسَه” تُؤول لغويا بـ: “أَلِمَ رأسًا”، وفي قوله تعالى في الآية ١٣٠ من سورة البقرة: (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ) تُؤول: “سَفِهَ نَفْسَهُ” ب: “سَفِهَ نفسًا”، فجاءت المعرفة لفظية، وفي معناها نكرة. كما أن الرجوع إلى أمَّات الكتب والمصادر اللغوية يؤكد وجود شواهد شعرية تُثبت أن التمييز قد يكون معرفة في لفظه، نكرة في معناه، كما في قول الشاعر:
رَأَيتُكَ لَمَّا أَنْ عَرَفْتَ وُجوهَنا
صَدَدْتَ وَطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ عَنْ عَمْرِو
وتأويل “طِبْتَ النَّفْسَ” ب: “طِبتَ نفسًا”.
ومن الشواهد الشعرية أيضًا شاهد سيبويه:
وَما قَوْمي بثَعْلَبَـةَ بنِ سَعْدٍ
وَلا بِفَزَارَةَ الشِّعْرَ الرَقابا
إذ نُصبت (الرقابا) تشبيهًا لها بالمفعول به، “كما في قولهم (الضارب الرجلَ)، وذهب بعض البصريين إلى أن (أل) في (الرقابا) زائدة، وليست للتعريف، فدلَّ ذلك على جواز أن تكون (الرقابا) تمييزًا”؛ وبالتالي فإن لغتنا العربية تمثل فضاءً رحبًا للقراءات، واختلاف تأويلاتها، دون إطلاق أحكام مطلقة بصحة لفظ على حساب الآخر.