فضاءات

د.حارث الحارثي يكتب: سعادة الشيخ الدكتور علي بن طالب الهنائي، الرجل الذي بنى لمستقبل عُمان

{"subsource":"done_button","uid":"042E878B-02D1-4187-BA32-8278CA214AFE_1595051489898","source":"other","origin":"gallery","source_sid":"042E878B-02D1-4187-BA32-8278CA214AFE_1595051489904"}

د.حارث بن عبدالله الحارثي

تم قبولي في كلية الطب بجامعة السلطان قابوس، وبدأت أول أيام دراستي في الكلية متعرفًا على بيئة جديدة وأناس جدد، كونت صداقات مع زملائي طلاب الطب “الجدد” وأيضا مع الطلاب الذين بدأوا دراسة المنهج الإكلينيكي للسنوات الثلاث الأخيرة.

أحببت الجلوس مع طلاب الطب من السنوات الإكلينيكية الخامسة والسادسة والسابعة، وكان يتملكني الذهول وهم يتحدثون عن ما درسوه وما شاهدوه من مرضى وحالات طبية وعن المعلمين والمدربين وما سمعوه منهم أو دربوهم عليه.

حياتنا كطلاب طب كانت بسيطة وتبدأ من الصباح الباكر وإلى المساء. لا تتوقف في أيام نهاية الأسبوع أو في الإجازات الرسمية وشكلنا “شبكة تواصل اجتماعية حقيقية” تتواصل مع بعضها باستمرار!

“لدينا حصة مع الدكتور علي بن طالب”… “الدكتور علي قال هذا..” .. “الدكتور علي سألني في الاجتماع الصباحي عن هذا” … تردد اسم الدكتور علي كثيرا في أحاديث زملائي الطلاب وتملكني الفضول لأتعرف على هذا الطبيب البارع والرجل المحترم الذي يكن له زملائي “الكبار” من طلاب الطب كل هذا التقدير والمحبة والاحترام.

مضت السنون سريعة وبدأت سنوات تدريبي الإكلينيكية مع حصص الدكتور علي، طبيب القلب الذي يملك أكبر قلب محب لتلامذته. رجل بشوش لم أره يومًا بملامح وجوم على محياه، ولم يتأفف أو يقلل من شأن أي سؤال وجهناه له مهما كانت بساطته. كنا ننصت عندما يتحدث لأننا ندرك يقينا أنه لا يقول إلا ما يضيف قيمة لرصيد معرفتنا، ولا يبخل إطلاقا بنصح أو بمشاركة خبرته الواسعة معنا. كان الدكتور علي بن طالب “قدوة” لنا طلاب الطب في جامعة السلطان قابوس -رحمه الله-، وتشرئب أعناقنا مناظرين لعالي همته وإنجازاته.

تخرجت من الكلية والتحقت بالعمل في المستشفيات، وقررت التقديم للالتحاق ببرنامج التخصص، رن جرس هاتفي مساء أحد الأيام برقم لم يكن مسجلًا معي، أجبت على الاتصال ليأتيني صوت الدكتور علي “أهلا حارث، معاك الدكتور علي”.

سألني عن تفاصيل تقديمي لبرنامج التخصص وأبلغني رسالة أنه “سعيد لإكمالي المتطلبات ويتمنى لي التوفيق”. لم يكن اتصاله بي من تلقاء نفسه لتشجيعي أمرًا غريبًا، فديدن الدكتور علي ومنهجه ثابت، فنجاح كل طبيب منا هو أمر شخصي جدا، ومبعث سعادة وفخر له.

كنا جميعا أبنائه ويسعده أن يرانا ننجح ونتفوق لنعود إلى حضن الوطن داعمين للقطاع الصحي. قص العديد من زملائي قصصا مشابهة ورددوا “كان للدكتور علي فضل مساعدتنا، ودفعنا، لنصبح ما نحن عليه، استشاريين ومعلمين، مثابرين ومجتهدين”.

مضت سنوات أخرى وكنت في اجتماع يترأسه الدكتور علي ويعنى بفعالية مهمة، استوقفتني حقيقة أن جل الأطباء العمانيين حول طاولة الاجتماع هم تلامذة الدكتور علي!… تغيرت ملامح وجوهنا وغزا وقار الشيب رؤوسنا ولحانا، لكن بريق أعيننا وتركيزنا على ما يقوله “أستاذنا” لم يتغير. ما زال الدكتور علي الرجل البشوش الكريم الذي لا يبخل بعلمه أو بحكمته علينا.

لا أعلم أي شرف أسمى، وأي صنيع أجل، من بناء وتأسيس أجيال متعددة من الأطباء العمانيين المتخصصين الذين يشكلون الآن ومعا، أساس النظام الصحي للسلطنة، ويسهمون في تدريب طلاب كليات الطب، وتدريب الأطباء المقيمين في المجلس العماني للاختصاصات الطبية، ويتخذون القرارات المهمة، ويقومون بنشر البحوث الطبية في المجلات العلمية المحكمة الدولية.

الدكتور علي رسخ كل وقته وكل جهده، واقتنع بكل فكره وآمن بكل كيانه، أن الاستثمار في الشباب العماني هو استثمار مجدٍ للمستقبل. أسهم بمنهجية وضمن أدوار محورية في ترجمة إيمانه وقناعته إلى واقع ملموس تزهو به السلطنة كلها.

ألف شكر لك يا أستاذي مني، ومن كل زملائي، ومن كل طفل ورجل وامرأة يقيمون على أرض هذا الوطن الطاهر، وأتمنى أن تواصل عطاءك في مرحلة التقاعد من وظيفة وزارة الصحة، فنحن ما زلنا بحاجة إليك. بارك الله فيك وفي أبنائك وفي كل ما زرعته فينا.

Your Page Title