أخبار محلية

سمّاه بـ “الأمل السعيد”: سماحة الشيخ المفتي يصف 23 يوليو الخالد

سمّاه بـ “الأمل السعيد”: سماحة الشيخ المفتي يصف 23 يوليو الخالد
سمّاه بـ “الأمل السعيد”: سماحة الشيخ المفتي يصف 23 يوليو الخالد سمّاه بـ “الأمل السعيد”: سماحة الشيخ المفتي يصف 23 يوليو الخالد

رصد-أثير

قبل 23 يوليو 1970م أي قبل 50 عامًا كان المخاضُ يستشرف سطوع نهضة كبيرة، رغم صعوبة المرحلة. وكان سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أحد الشاهدين على تلك المرحلة، إذ تحدث عنها في كتابه “مصرع الإلحاد ببراهين الإيمان” حتى تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد– طيّب الله ثراه- مقاليد الحكم.

“أثير” ترصد نصوصًا وردت في كتاب سماحته، تحدث فيها عن الانتظار والترقّب لميلاد النهضة المباركة، حيث قال: “كنت آنذاك أراقب بقلق شديد شبح الفتنة الشيوعية المرعب الموحش، وكان – مع الأسف– أغلب الناس في غفلة من ذلك، ولم أكن أجد من المسئولين الكبار من أفضي إليه بما في قرارة نفسي إلا ناظر الشئون الداخلية، السيد أحمد بن إبراهيم الداهية العملاق، الذي حلب الدهر أَشْطُرَهُ، وامتطى منه صهوتي ذَلُولِه وجَمُوحِه، فكان في حاليه الفارس المجلي والمقدام المصدام، ومع الفارق الكبير في العمر بيني وبينه، إذ كان ما تقدمني به من العمر يناهز نصف قرن، فقد كنت آنذاك لم أصل الثلاثين من عمري وهو كان يناهز الثمانين، غير أنه رغم شيخوخته الناضجة وفتوتي الناشئة كان يستمع مني عندما أجلس إليه، بكل حواسه ومشاعره، ويشعر بما أشعر به من الخطر الداهم من قبل الإلحاد الشيوعي الكالح المكفهر، وكنت مما أفضيت به إليه أن الشيوعية لا تقاوم إلا بيدين، يد من ذهب ويد من حديد، وقد استحسن هذه النظرة، ونقل ما قلته إلى مسامع شيخنا العلامة إبراهيم بن سعيد العبري في أمسية جمعتنا جميعًا، ولكنه أبدى أسفه على أن الأيام لا تسمح بذلك، لأنه لم يكن قادرًا على إقناع ولي الأمر بهذا، وقال: “من أين لنا باليد الذهبية وصاحبنا لا يعترف بجدوى غير اليد الحديدية؟!”. ولكنه رغم ذلك فإنه في الأيام الأخيرة – قبل حدوث التغيير – كان كأنما يستروح نسائم الفتح، ويتطلع إلى مستقبل واعد، وهذا كثيرًا ما كان يتردد في كلامه.

ولم يزل ذلك الشبح البغيض يقلق نهارنا ويؤرق ليلنا بنذره المشئومة؛ فقد بدأت عواصفه الحمراء تلفح وطننا العزيز من الجهة الجنوبية، وما لبث أن بدأ لهيبه يظهر علنا في شمال عمان بعد أن كان يسري في الخفاء، ففي ليلة 7 ربيع الثاني 1390هـ 11 يونيو 1970م هاجمت فرقة من الشيوعيين المركز العسكري بإزكي، وقصفته بالمدفع المحمول ثم انسحبت إلى أطراف ولاية إزكي، وخرجت على أثرهم كتيبة من العسكريين، ولما التقى الجانبان تبادلا إطلاق النار بعنف، وقتل جماعة من المهاجمين من بينهم قائد الفرقة الذي أبدى مقاومة شرسة وشجاعة فائقة في الدفاع، ولكنه هلك مع الهالكين.

ومن المفارقات العجيبة أن ورثة أحد الشباب – الذين غرر بهم، فكانوا ضحايا هذه الهجمة – أطلعوني على وصيته التي أعدها قبل مقتله ببضعة أيام، وهذا لا يدل إلا على أن الرجل كان على بقية من الإيمان، ولم يكن عارفًا بالشيوعية وأهدافها السيئة، وإلا فكيف يستعد للقاء الله بوصية شرعية، ولكن الجهل بغوامض الأمور هو الذي أوقع الناس في هذه المصايد، وهو راجع إلى الانغلاق وعدم انتشار العلم في البلاد في ذلك الوقت.

هذا؛ وقد كان المهاجمون وأشياعهم في نفس الليلة بثوا منشوراتهم التي تتحدث عن ثورتهم، وتتوعد كل من لم يكن على نهجهم، فعمت المدن والمؤسسات حتى وجدها بعضهم الضباط في أدراجهم..! وأخذوا بعد هزيمتهم في جمع فلولهم ولملمة شتاتهم؛ من أجل أن يشنوا غارتهم على جهة لم يفصحوا عنها، وقد نما إلينا أنهم يريدون إثارة الرعب في مسقط ومطرح بنسف محطة الكهرباء التي كانت تمد المدينتين بالطاقة، وهي بينهما في منطقة ريام، فنقلت هذا الخبر إلى من يعنيه الأمر، وأُخِذ مأخذ الجد، فطوقت المحطة فورًا بالجنود المدججين بالسلاح.

وظل ذلك الشبح يلاحقنا بالوساوس والرعب؛ حتى أطل علينا الأمل السعيد بنهضة عاهل عمان الكبير، وطودها الأشم، السلطان قابوس بن سعيد، الذي تولى مقاليد الأمر في يوم الجمعة 19جمادى الأولى 1390هـ – 23 يوليو 1970م، وبعد أيام قليلة أتى إلى مسقط ليضفي على شمال عمان فرحة توليه زمام الأمر، وكنت إبان هذا الحدث في أفياء سمائل الفيحاء الظليلة لقضاء أيام الصيف، فدعيت للمشاركة في استقباله من قبل السيد ناظر الشئون الداخلية.

واحتشد جمهور كبير لاستقبال قائد عمان الجديد الشاب الطموح في مطار الفلج، وعمت البهجة الجميع، كما شملهم التفاؤل بمستقبل باهر مزدهر بنهضة مباركة تعيد إلى عمان مجدها التليد، وتلبسها لبوس العز والفخار، وتدفع بها إلى مصاف الدول المتقدمة في شتى المجالات، وكان جلالته في أول خطاب وجهه إلى شعبه آذنهم فيه برفع القيود غير اللازمة التي كبل بها هذا الشعب، فتنسم الشعب العماني نسائم الحرية من هذا الوعد العزيز”.

Your Page Title