د. رجب بن علي العويسي- خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية
في مجلس الدولة
جاء قرار اللجنة العليا في اجتماعها الذي عُقد بتاريخ 13 أغسطس 2020 بتحديد موعد بدء العام الدراسي 2020/ 2021 لكافة الطلبة والطالبات يوم الأحد الأول من نوفمبر 2020، ولأعضاء الهيئات التدريسية والوظائف المرتبطة بها يوم الأحد 27 من سبتمبر 2020، ليسدل الستار على أي اجتهادات أو إشاعات أو تساؤلات أو استفسارات حول بدء العام الدراسي، ودوام الهيئة التدريسية والوظائف المرتبطة بها ودوام الطلبة بالمدارس.
كما اشتغلت منصات التواصل الاجتماعي بالحديث عن العودة إلى المدارس، واتجهت الأنظار إلى اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا (كوفيد 19) بشأن تحديد موعد بدء العام الدراسي الجديد 2020/ 2021، في ظل حالة من الترقب والحذر بشأن الحالة الوبائية المصحوبة برغبة الطلبة إلى العودة إلى مقاعد الدراسة بعد غياب طال أمده، وتعليق يحمل معه الكثير من المحطات التي سيكون بعدها التعليم أمام مرحلة جديدة؛ ليضع قرار اللجنة الجميع أمام محطة يتقاسم فيها المواطن مع المدارس ومؤسسات التعليم الأخرى مسؤولية التركيز على تبني الاستراتيجيات والبدائل والموجهات التي تحقق الجاهزية والاستعداد، وتضمن عودة آمنة مطمئنة للطلبة إلى مقاعد الدراسة، ولئن كان من وصف لهذا الاهتمام المجتمعي بالتعليم والحديث المستمر عنه والمتابعة المستمرة لكل محطات العمل التنموي، وموقع التعليم منها في مختلف القنوات الإعلامية والمنصات التواصلية والأحاديث الأسرية والاجتماعية، فإنه يجسد روح الشراكة المجتمعية نحو التعليم، لما يحتضنه في صفوف مدارسه وقاعات جامعاته، فهو له في كل بيت وأسره وعائلة حضور، وخيوط ممتدة وجسور متصلة تصنع في مؤسسة التعليم ومفرداته بيتها الثاني الذي يحتوي فلذات الأكباد، ويبني مسارات الوعي ويقوي من عزيمة الإرادة وبصيرة العلم لحياة أفضل وعيش كريم.
على أن هذا الحراك المجتمعي الصحي حول التعليم في هذا التوقيت وتعامل اللجنة المكلفة معه ضمَن المزيد من الطمأنينة والاستقرار والاحتواء للهاجس التعليمي، وفَتح المجال لحوار أكثر تآلفية وموثوقية، وضمان للوصول إلى نواتج نوعيه يؤخذ بها ما أمكن في ظل معطيات الحالة الوبائية، وتكيف ظروف السلطنة التعليمية معها، ليصبح الحوار المجتمعي حول التعليم مساحة أمان تتفاعل فيها كل المدخلات المنظومية المشاركة في التعليم، لتحتضن اللجنة المكلفة هذه القناعات، وتستوعب أجندة عملها هذه الأفكار لتقرأ في هاجس المجتمع ما يبرره، فمجتمع الطلبة الذي تتجه مشتركات التفاعل حوله يحتاج إلى مزيد من الرعاية والتوجيه والعناية به، وتهيئة بيئة التعليم بما فيها من صفوف دراسية ومختبرات علمية وقاعات الأنشطة والملاعب وغيرها بشكل يضمن تحقيق متطلبات العودة الآمنة، ويرفع من سقف الجاهزية التعليمية في وقاية الطلبة من أي تأثيرات صحية أو نفسية ناتجة عن الإصابة بفيروس كورونا، وتهيئة هذه البيئة لتقبل الكافة العددية من الطلبة في المدارس بحاجة إلى مزيد من المراجعة المقننة، والتخطيط السليم والضبطية المؤطرة لجودة الحياة المدرسية في ظل كورونا، وتوفير أدوات الوقاية الداعمة لتعلم آمن نشط، وهي أمور يجب أن يتقاسم المجتمع معرفتها ومستوى تحققها في بيئة التعليم، لذلك كان قرار اللجنة دعوة إلى استمرارية هذا الحوار والتفاعل المشترك بروح أكثر التصاقًا بالهدف، وانتقائية للفكرة وسموًا في الطرح؛ لتقترب لغة التعددية في الرأي من الوصول إلى قرار يحتكم الجميع إليه ويعمل الكل على تطبيقه، وعندها يصبح الحوار المجتمعي التعليمي خيار استراتيجي وضرورة لا تقبل التأخير أو التنازل عنها من أي طرف.
من هنا كان حديث المجتمع وتعامله مع موقف وزارة التربية والتعليم المعنية بطلبة التعليم المدرسي في المدارس الحكومية والخاصة في ظل معطيات هذه الجائحة وتطوراتها سواء بالنقد أو الرأي أو التساؤل أو الاستفسار والاستفهام أو الإشارة إلى القصور في الأداء وغيرها من أوجه التفاعل والحوار والتعايش الفكري والتواصل المعرفي ولغة المقارنة بالأنظمة التعليمية الخرى، والتوجهات المبتكرة حول العالم في مواجهة كورونا والعودة التدريجية للطلبة إلى مدارسهم، ظاهرة حضارية صحية وحالة مجتمعية راقية تعبر عن وعي مجتمعي مسؤول، وشعور بواقع مشترك، واعتراف بدور التعليم ومسؤوليته في استراتيجيات التنمية الوطنية، وبناء عمان المستقبل، ولأن الأمر يتعلق بفلذات الأكباد من الطلبة والطالبات فهو هاجس مجتمعي له ما يبرره، وشعور اجتماعي يستحق أن يقلق الجميع عليه، ويدلي الكل بدلوه بحسب تقديره للحالة وتحسسه للوضع، وبما يحمله على عاتقه من مسؤولية وجود أكثر من ابن أو ابنة له في المدرسة الواحدة أو مدارس متعددة، بل يجب أن يضعه المجتمع في مستوى أولوياته ومقدمة اهتماماته، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصير أمة في أبنائها وشبابها، وتصبح المخاطرة في ذلك وأحادية القرار ضربًا من التجني و إفلاسًا في الحكمة؛ نظرًا لخطورة التسرع باتخاذ قرار غير آمن للعودة إلى المدارس، ولأن مسألة الكر والفر والتجريب المؤقت في مثل هذه القضايا الاستراتيجية غير مأمونة العواقب، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية وتأثيرات فكرية ونفسية تزيد من حجم الأثقال التي تركها كورونا، ويلقي بضلاله على تعلم الطلبة أنفسهم، كما يرفع من مساحة الشعور السلبي لدى الطلبة والأسرة والمجتمع في لوم مؤسسات التعليم في اتخاذ قرار العودة السريعة، وتفتح للمزيد من الاجتهادية غير المضبوطة والأفكار الدخيلة والإشاعات المزيفة، لذلك ضمنت حكمة اللجنة العليا المكلفة والرؤية المتوازنة التي تعمل في إطارها، والاستراتيجية التي تتجه بها في إدارة الحالة، والقراءة الفاحصة لمؤشرات الحالة الوبائية تجسيد هذا الشعور المجتمعي واحتوائه للوصول إلى قرار يمتلك المصداقية وقوة التأثير، يحقق كل الاشتراطات والإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية المرتبطة بخصوصية تعلم الطلبة.
وتبقى الإشارة إلى أن قدرة المنظومة التعليمية على استشعار هذا الهاجس والحدس به، ووضعه موضع التقدير والاهتمام والمتابعة والرصد والثقة والتمكين وتوفير المنافذ الداعمة للرأي المجتمعي، وتجويد منصات العمل الداخلية والتشريعات والأنظمة التي تحفظ حق مشاركة المجتمع في التعليم، وتستوعب تفاعلاته ومرئياته وتحتضن أفكاره وطموحاته، وتعبر عن توقعاته في مشهد التعامل مع قرار العودة الآمنة إلى المدارس، سيكون فاتحة أمل لإعادة هندسة الواقع التعليمي، ونقله من حالة التكرارية إلى الابتكارية في الأداء والمنهجية في العمل والجاهزية في إنتاج البدائل، وتوليد الحلول المعززة والآمنة لتعلم الطلبة، وتوفير أعلى درجات الأمان والسلامة والصحة لهم، وعندها يصبح الهاجس التعليمي للمواطن ظاهرة صحية تستحق التشجيع والإثراء والتأطير الإيجابي لها في الذاكرة الوطنية.