فضاءات

أحمد الراشدي يكتب: ذكريات رحلتي لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب

أحمد الراشدي يكتب: ذكريات رحلتي لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب
أحمد الراشدي يكتب: ذكريات رحلتي لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب أحمد الراشدي يكتب: ذكريات رحلتي لمعرض فرانكفورت الدولي للكتاب

أحمد الراشدي- حكواتي وباحث متخصص في أدب الأطفال والناشئة

أقفُ الآن مذهولا أمام خريطة لا تُشبه أيَّ خريطة في العالم، أبحثُ فيها عني، عن موقع الرُّكن الذي سأعرض فيه كتبي، كتب أسلافي وأجدادي العُمانيين وأصدقائي الكُتّاب، أبحث فيها بعينيْ نسر عن رمز (O) رمز الركن العُماني، وهناك في مربع القاعة الخامسة أضعُ أصبعي على اسم بلدي عُمان، حينها فقط أشرق قلبي فخرًا.

إنَّها خريطة المعرض العريق، معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، تشير إلى أنَّه يضم ثمان قاعات كبرى تمتد على مساحة 171ألفـا و790 مترا مربعًا. أفتحُ دليل المعرض الذي بين يدي لأتأكد أنَّ غدًا الثلاثاء 9 أكتوبر 2012م يوم افتتاحه، حيث ستحتفل فيه ألمانيا ببلوغ هذا المعرض دورته الرابعة والستين، وأن 7500 دار نشر ستشارك فيه من 115 دولة في العالم.

ليس هذا فحسب، بل سأكون من المحظوظين لأشهدَ فعاليات الاحتفاء بنيوزيلندا ضيف شرف المعرض، التي عملت على ترجمة 66 كتابًا من الإنجليزية إلى الألمانيّة؛ لأنّها تعلم سلفـًا أن مؤشر سوق النشر فيها سيرتفع فور تغطية وسائل الإعلام الألمانية والعالمية بمناسبة «عزومة» فرانكفورت لها، وها أنا أعرف أنَّ هذا تقليد سنوي، سارت عليه إدارة المعرض، إذْ تركز فيه كل عام على دولة أو منطقة جغرافية، تعرض ثقافتها لتتعارف وتتقارب مع شعوب وقبائل هذا العالم… يالها من حكمة!

أنا هنا أمثل وزارة التراث والثقافة “سابقا”، وبصحبتي صديقي الفنان التشكيلي سلطان الرواحي (حينها كان رئيسا لقسم الفنون التشكيلية ) شهدنا معًا كم كان معرض فرانكفورت سخيًّا معنا جدا جدا في خلال خمسة أيام بما تركه من ذكريات وأثر لرؤية أكثر ثراء وأفقا لعالم النشر والكتاب؛ فقد حرصنا على المشاركة باحضور في الفعاليات الثقافية التي كانت تُقام في المقاهي الثقافية الموزعة على أركان المعرض، كما شهدتُ حفل تكريم الكاتبة الألمانية أورزولا كريشل، التي فازت بجائزة الكتاب الألماني عن روايتها «محكمة الصلح».

فهذه الجائزة سنويا ضمن فعاليات معرض فرانكفورت الدولي للكتاب- حيث حصلت الكاتبة على مكافأة مالية قدرها 25 ألف يورو (ما يعادل 13175 ريالًا عمانيًّا).

وما دفعني لاحقا أن أتابع وأقرأ بحرصِ التاجر أخبار هذا المعرض أنني اكتشفت بحزن في تلك الرحلة ضآلة مشاركة الدول العربيّة، واستحياء معروضاتها، وشتات أمر حضورها بدون خطة ولا استراتيجية ثقافيّة لكتبها وكُتّابها وقِيمِها وقيمتها بين الأمم، رغم استضافة إدارة المعرض للعرب عام 2005م؛ فكانوا ضيف شرف مائدة معرض فرانكفورت الدولي للكتاب.

الأكيد الذي رجعت به أنَّ الدول العربية لم تستوعب أنّ هذا المعرض سوق يُوقِّتُ فيه صنّاعُ الكتاب ومتلقيها في بقاع العالم ساعاتهم انتظارًا لأيامه، إنّه وقت الذروة، فيحجُّ إليه عشرات الألوف من الكتّاب والمثقفين والناشرين، فهو موسم لا يشبه أي موسم في السنة؛ يهدف بعضهم عقد صفقات ضخمة لبيع وشراء المنتجات والوسائط المتعلقة بالمعرفة والثقافة، أو عقد صفقات حقوق الطبع والنشر وعقود الشراكة والوكالة، وقد يكون الدافع أيضًا تبادل حقوق وتصاريح الملكية الفكرية وحقوق النشر والترجمة.

وبعد آخر ساعة للمعرض في اليوم الأخير؛ وأنا أتجه لمحطة فرانكفورت (HBF) لأركب قطار الساعة الثامنة ليلاً قافلاً مع رفيق رحلتي لفندق دورنت في فيسبادن ( تبعد عن فرانكفورت 35 كم) حيث حقيبة السفر. أسندتُ رأسي على نافذة القطار، ورحت أحدّث نهر الراين عن أول دورة لمعرض مسقط الدولي للكتاب كما سمعتُ عنها، عندما أجمعت دول مجلس التعاون الخليجي على إقامة معرض للكتاب ينتقل سنويًّا بينها تناوبًا، فكانت دورته الأولى في مسقط تحت مسمى «معرض الكتاب الأول لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربيَّة»، وقد أقيم في فندق الشيراتون بروي في الفترة من (10-15 أكتوبر 1992م)، افتتحه حينها صاحب السمو السيد فيصل بن علي بن فيصل وزير التراث القومي والثقافة.

وفي عام 1993م صدر قرارٌ وزاري من السيد فيصل بن علي بتشكيل لجنة للإعداد والإشراف على تنظيم «معرض مسقط الدولي الثاني للكتاب» في الفترة من (20-29 أكتوبر 1993م) برئاسة سعادة/ سالم بن إسماعيل بن علي بن سويد -وكيل وزارة التراث القومي والثقافة للشؤون الثقافية- آنذاك، وضمت تسعة أعضاء كان على رأسها: الشاعر هلال العامري؛ الذي كان يشغل مديرًا عامًّا للثقافة، والمُشْرف على المنتدى الأدبي.

كنتُ أستمعُ باهتمام وشغفٍ لرواية وحكاية الغراس الأول لمعرض مسقط الدولي للكتاب من فم الأستاذ أحمد بن حمدان الحارثي، أحد أعضاء لجنة الدورة الثانية للمعرض وأحد أهم المخلصين الذين أفنوا أعمارهم وأنفاسهم في خدمة عُرس الكتاب سنويا منذ تلك الدورة وحتى الآن.

ليتني أجدُ الوقتَ لأكتب وأسطّر حكايات كل الذين سهروا تلك السنوات في الإعداد والتحضير لدورات معرض مسقط الدولي للكتاب التي لم يتح لي أن أشهدها وأعايشها.

تفنى كل الذكريات وتبقى أجملها وأشْهاها، وأعزّها بصحبة الكتاب.. يحبس العالم العربي أنفاسه شوقا للدورة السادسة العشرين لمعرض مسقط الدولي للكتاب لعام 2021 الذي أثبت حراكه الثقافي وتصدره في استضافة دور نشر عالمية وعربية منذ انتقاله وافتتاحه في مركز عُمان الدولي للمعارض والمؤتمرات.

وفي هذه اللحظة من عمر الزمن، أزرعُ شتلة من الأمل والحلم الجميل، أنْ يشهد أحفادي معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الرابعة والستين بحلة احترافية تنافس كل معارض الكتاب العالمية، ومنها معرض فرانكفورت الدولي للكتاب.

Your Page Title