أخبار

“السياسة العمانية، الأزمة الخليجية، التطبيع”: تفاصيل لقاء سفير السلطنة في فرنسا مع “مونت كارلو الدولية”

مسقط – أثير
إعداد: ريما الشيخ


في الحادي عشر من شهر يناير الماضي فتحت السلطنة صفحة جديدة من تاريخها مع تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظّم-حفظه الله ورعاه- سدة الحكم في البلاد، فترة لم تكن سهلة مع دخول العالم تحديات كبيرة وعلى مستويات عدة أبرزها جائحة كورونا وما لها من تداعيات اقتصادية واجتماعية.

سياسة عمان الخارجية كانت هي الأخرى محط الأنظار على مدى العقود الماضية، وأسئلة عديدة طرحت عن شكل السياسة العمانية في العهد الجديد، وطبعا تسليط الضوء على تجربة التعايش الديني في السلطنة، هذه التجربة التي شكلت علامة فارقة في المنطقة.

تم مناقشة هذه المحاور مع سعادة الدكتور غازي الرواس سفير السلطنة في فرنسا، خلال برنامج الساحة الخليجية على أثير إذاعة مونت كارلو الدولية.

بدأ سعادة السفير غازي حديثه معبرًا عن فرحته بالعيد الوطني الخمسين المجيد رغم الظروف التي تمر بها السلطنة بسبب جائحة كورونا قائلا: بهذه المناسبة أود أن أرفع كل التهاني لصاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- بالعيد الوطني الخمسين وأهنئ الشعب العماني والمقيمين أيضًا، ولا شك أن الفرحة موجودة، ولم تتغير، إن لم نلتقِ فهذا لا يعني أن السعادة انقطعت، بالعكس العمانيون اليوم في فرحة كبيرة جدًا بمرور خمسين عاما على هذه المناسبة التي أبرز فيها السلطان قابوس بن سعيد –طيب الله ثراه- السلطنة وأعاد لها الروح لنهضة متجددة، فبالتالي نعيش هذه الأفراح في ظل هذه الجائحة رغم أننا لا نلتقي.

وأضاف: خلال هذه الجائحة توحد العالم واتفق على شيء واحد ألا وهو مكافحة هذا الفيروس بطريقة أو بأخرى، وهناك جهد عالمي كبير للخروج من هذه الأزمة، وعمان مثل الدول الأخرى تعاملت مع الموضوع بكثير من الحرص ، وذلك عندما شكّل جلالة السلطان هيثم –حفظه الله ورعاه- لجنة عليا لمكافحة هذا الفيروس وسلمها لرجل معروف عنه رجاحة عقله وصلابة موقفه، وزير الداخلية السيد حمود بن فيصل، وقد ترأس السلطان هيثم -حفظه الله ورعاه- هذه اللجنة ليبين مدى أهميتها .

أما عن تداعيات هذه الأزمة وهبوط أسعار النفط ، فذكر سعادته بأن السلطنة وكل الدول المصدرة للنفط التي تعتمد اقتصادياتها على مداخيل النفط قد تأثرت نوعًا ما بسبب هذه الجائحة، لكن هذه الأزمة لم تبدأ في 2020، لكنها بدأت في 2014م، عندما تهاوت أسعار النفط إلى عشرين دولارًا ، ومنذُ 6 سنوات نحن نكافح هذا الموضوع إلى الآن، فقامت السلطنة بالإجراءات لكنها لم تمس المواطن بشكل مباشر، بل كان هناك نوع من التعاون، فتم تقديم معونات وقروض ميسرة للشركات الصغيرة والمتوسطة، تم إعفاء الأقساط لفترات معينة سواء من البنوك وخلافه، وتم ضخ أموال كبيرة أيضًا في ظل هذه الجائحة، حيث أمر جلالة السلطان هيثم – حفظه الله ورعاه- بضخ مليار دولار للمشاريع التنموية كي يتحرك الاقتصاد، كما أمر بوضع خطة التوازن المالي لمدة 4 سنوات وهي خطة على المدى المتوسط ليكون هناك نوع من الترشيد في الإنفاق.

أما بخصوص تغيير هيكلة الدولة عند تولي صاحب الجلالة السلطان هيثم – حفظه الله- الحكم فقال سعادة الدكتور: ليس هناك خلل في الماضي أبدًا، لكن لا بد من التحسين، فالإنسان مهما كان لديه أمور متفق عليها ويراها بشكل جيد لابد أن يحسنها، فجلالة السلطان حفظه الله ارتأى بأن تكون هذه الحكومة سلسة، واختار أيضًا شبابًا في مقتبل العمر أثبتوا قدراتهم في إدارة الشركات إدارة قطاعات اقتصادية أو إدارة قطاعات أخرى خدمية، وتم تغيير الهيكل الإداري للدولة ومراجعة بعض المواضيع خاصة الشركات الحكومية ومراجعة أنظمتها وقوانينها وكيفية عملها وأيضًا تطويرها”.

أما عن حرية الرأي والتعبير في السلطنة، فقال سعادة السفير: هذا ديدن العائلة المالكة في عمان، وهكذا هم سلاطين عمان، فالعفو عندهم يتقدم على المقدرة، وبالتالي ليس بغريب على السلطان هيثم- حفظه الله ورعاه- عندما دعا بعض الإخوة العمانيين الذين غادروا للخارج ليعبروا عن رأيهم رغم أن مساحة التعبير في عمان تكاد تكون مفتوحة إلى حد كبير ما عدا بعض المحرمات، وكلنا نعرفها التي تؤثر على أمن الدولة، لكن فيما يتعلق بالتعبير ليس هناك من يكمم الأفواه في عمان أبدًا، فالسلطان قابوس-طيب الله ثراه- قالها قبل أكثر من 30 سنة بأن هذا البلد ليس بلد ممنوعات، نحن نعيش في بلد قوانين وأنظمة، إذا خالفت القوانين والأنظمة فيما يتعلق بالتشهير أو الإساءة للآخرين أو طرح معلومات قد تثير الفتنة في المجتمع، هذه الأمور لا تُقبل، فبالتالي هذه المواضيع ليست من باب تكميم الأفواه أو عدم التعبير، لكن درءًا للفتنة، وجلالة السلطان أشار في أول خطاب له لشعبه إلى أن حرية التعبير مكفولة بالقانون، والنظام الأساسي للدولة يكفل حرية التعبير، إلا في أشياء محظورة تتعلق بالفتنة.

أما عن التمكين السياسي للمرأة العمانية، فذكر سعادته: المرأة العمانية امرأة كادحة وشاركت الرجل في التاريخ العماني بالكامل، وكما نعلم بأن أول امرأة (أكاد أجزم إن لم تنافسنا اليمن في هذا الموضوع) كانت ملكة على عمان تسمى شمساء في الألف الرابع أو الثالث قبل الميلاد، وهناك مراسلات بين هذه الملكة وملوك بلاد ما بين النهرين، فبالتالي المرأة العمانية موجودة وحاضرة منذُ القدم في كل المجالات، وتعد عمان أول دولة من دول الخليج عينت المرأة كسفيرة ووزيرة وعضو برلماني في مجلس الشورى.

وعن السياسة الخارجية العمانية واستمرارها، أوضح سعادته بأن صاحب الجلالة- حفظه الله- أكد في خطابه الأول أنه سينتهج السياسة التي قام بها السلطان قابوس بن سعيد –طيب الله ثراه- وهو صانع السياسة والديبلوماسية العمانية، وستبقى عمان الدولة التي تدعو إلى السلام وتدعو إلى التسامح والعدل، وهناك من يقول عمان دولة محايدة أو نحن لسنا ساكتين، نحن نقول كلمة الحق، نحن دولة ليست وسيطة لأن الوسطاء عليهم التزامات أخلاقية وبعض الأوقات يتحول الوسيط إلى عدو لطرف أو طرف آخر، نحن نمارس نقل الرسائل التي قد تؤدي إلى شيء من السلام وشيء من العودة إلى حل المشكلة.

وأضاف سعادته متحدثًا عن مسألة الأزمة الخليجية وحلها: نحن سنحافظ على أي شيء نستطيع أن نحافظ عليه في مجلس التعاون، لأن مجلس التعاون ودوله الست اتفقوا على كثير من الأشياء، والمؤسسون الأوائل -رحمهم الله جميعا- عندما اتفقوا على قيام هذا الكيان كانت لهم نظرة طويلة للمستقبل، وبالتالي المكتسبات التي تحققت في مجلس التعاون لا يمكن أن نضحي بها أبدًا، هناك مكتسبات غير منظورة لا نراها اليوم، لكنها أصبحت شيئا طبيعيا يمارس اليوم بشكل أو بآخر، فبالتالي لا أعتقد أن الأنظمة السياسية في دول مجلس التعاون ستتخلى عن هذا الدور وعن هذه المنظومة وأيضا شعوب منطقة مجلس التعاون لن يتخلوا عن هذه المكتسبات.

وأكمل حديثه قائلًا : فيما يتعلق بالأزمة الخليجية، لا شك أبدًا في حل هذه المشكلة رغم أن الوقت طال لحلها، وقد كان أمير الكويت الشيخ صباح -طيب الله ثراه- يسعى إلى أن تكون آخر مهامه في الدنيا أن يحل هذه المشكلة، فقدم وقام بأشياء كثيرة ملموسة، والخلاف ليس إلى التراجع وليس إلى الأسوأ وإنما يسير بخطى بطيئة إلى الأحسن، وعمان لن تألو جهدًا إذا أراد الإخوان أن نقوم بدور معين سنقوم به، وسنرى ضوءًا في آخر النفق إن شاء الله قريبًا.

وفيما يتعلق بدور عمان في الحرب اليمينة ذكر السفير: المشكلة في اليمن بلغت إلى حد محزن جدًا، حرب ومأساة لن ننساها ولن تنساها الأجيال لأن بالفعل الوضع مزرٍ من ناحية إنسانية وصحية، اليمن جار شقيق وهو بلد عريق يجب أن نحافظ عليه بشكل أو بآخر، ونحن ندعو الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة التحاور والتشاور والخروج من هذه الأزمة بطريقة أو بأخرى لأن القرار بيدهم، و الحلفاء أتوا ليخلصوا اليمن من وضع معين في وقت معين وبالتالي لن تبقى السعودية والإمارات أو الآخرون في هذا الموضوع إلى الأبد، في يوم من الأيام سيتركونهم لكن تبقى اليمن لأهلها، وأعتقد أن على اليمنيين أن يراجعوا أنفسهم ويقوموا هم بدورهم لحل مشكلاتهم، ونحن في عمان ندعم المبعوث الأممي المكلف بهذا الموضوع، بكل جهد ونطلب من كل الدول أن تقدم مساعدات إنسانية لهذا البلد الذي أصبح في مأساة شديدة، فيما يخص الاتهامات التي خرجت من عقول مريضة لا أستطيع أن أسميها ، أقول لهم بأن عمان بوابة خير ولست بوابة شر ، ولا نرسل الأسلحة، بل نرسل إشارات سلام ومحبة، وهذا الموضوع تم إنكاره على مستوى الدول والمنظمات الدولية، هذا كلام ملفق أتى من صحف صفراء ليست محسوبة على أحد وإنما محسوبة على عقول مريضة.

أما بخصوص قضية التطبيع مع إسرائيل، فقال الدكتور غازي : لكل دولة الحق أن تقوم بما تراه في مصلحتها السياسية وبالتالي نحن أيّدنا عندما قامت دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة وأيضًا مملكة البحرين الشقيقة بالإعلان عن هذا التطبيع ، أيدناه لأننا نرى أن الدولة من حقها أن تعمل حسب ما تريده، أما بخصوص التساؤل هل عمان ستتطبع أو لا، هذا الموضوع يكاد لا يكون له إجابات ويكاد لا يكون السؤال مطروحًا أبدا، ونحن في عمان مؤمنون بأن السلام لن يأتي إلا عن طريق أن يُقدّم للناس حقوقهم.

وفي ختام الحوار، قال سعادة السفير غازي الرواس بأن الإرهاب في السلطنة صفر، وليس هناك عملية إرهابية قامت فيها، وليس هناك من سجل على قوائم الإرهابيين بجنسية عمانية أبدًا ، وهذا دليل على أن هناك عدلا وتسامحا وسلاما بين العمانيين، لدنيا تجارب في التاريخ، وكما أسلفت سابقًا نحن دولة أنظمة وقوانين فلن نقوم بما يخالف القوانين التي تحرم الفتنة بين المذاهب الإسلامية والإساءة إلى الأديان الأخرى.

وقال أيضًا: هذه النهضة متجددة مع جلالة السلطان هيثم بن طارق – حفظه الله ورعاه- فعمان تتجه للأفضل والأحسن، وستكون أكثر بهجة وسرور، وكلُ العمانيين متفائلون جدًا.

يُذكر أن السفير الشيخ الدكتور غازي بن سعيد بن عبدالله البحر الرواس تم تعيينه سفيرا للسلطنة ومفوضا لدى جمهورية فرنسا وفق المرسوم السلطاني رقم 30/2017

وأصبح سفيرا فوق العادة، ومفوضا غير مقيم لدى جمهورية البرتغال وفق المرسوم السلطاني رقم 30/2019

Your Page Title