محمد بن سيف الرحبي- كاتب وصحفي عماني
آلاف القراء لمقالي الأسبوع الماضي حول “ممشى الأنصب” وتخطيط هذا الحي المفترض أن يكون نموذجيا، وعبر تقنية الواتساب تم تداول ما كتبته من أفكار “بكثافة”، حتى أصبح الممشى شهيرا، رغم أنه يواجه خطر الإزالة، فالبديل هو “تعويض” أصحاب القطع بأخرى، أقول “التعويض” وليس “السحب” رغم ما في موضوع المنح من “ترتيبات” ضمن نطاق الوزارة، إن لم يكن غير بعيد عن مكتب معاليه!
دلالات ذلك الاهتمام تشير إلى أننا في مأزق إسكاني حقيقي، خطير وصادم، لكن المأزق الأخطر هو كيفية معالجة الملفات المتوارثة من حقبة سابقة، تراكمت فيها الأخطاء، حتى أصبحت أمرا واقعا، وذلك يعني التصادم، بكل ما فيه من أضرار، وحساسيات، والأدهى: فتح ملفات فوق طاقة الإدارة الجديدة للإسكان، و”في ذلك فليتنافس المتنافسون” حيث هناك “اليد الطولى”، بين أيادٍ كثيرة، لا يمكن لها أن ترد عمّا أحدثته من أمور واقعة، وليس أمرًا واحدًا.
ما يواجه وزارة الإسكان، في مرحلتها الحالية، هو هذا “الأمر الواقع”، كثقافة سادت ووجدت متنفسا لها خلال العقود الماضية، مستغلّة سنوات “الغفلة” بمعنى أنك تصرّف كما تحب، مدّد أرضك، في النور أو العتمة، وضع الجهات الرسمية أمام الأمر الواقع، ولاحقا عليك أن تستخدم كل الهالة التي يحملها حرف “الواو” لتمرير ما أردت.. وهكذا، تصبح أرضك ذات الألف متر خمسة آلاف متر.. مثلا!
أمام هذه الإدارة الجديدة مخططات تم التلاعب فيها، ووزعت على “ذوي القربى” ولم تطالها يد المساكين المنتظرين سنوات طوالًا، حتى أنهم لم يعودوا يتذكرون أين وضعوا “إيصال الأرض” ولا أرقام هواتفهم هي ذاتها المسجلة عند تقديم الطلب.
ملفات عالقة تثقل كاهل “النهضة المتجددة” في الشق الإسكاني، ومئات الآلاف من الطلبات، بينما لا يوجد ما يلبّي هذه الاحتياجات، ففي المرحلة السابقة من عمر الوزارة كان من حق المواطن أرض في “البلاد” وأخرى في “مسقط” إن كان يعمل فيها، إضافة إلى أنواع أخرى كالتجارية والصناعية والزراعية، وهذه المسميات يعرف الطرق إليها.. من يعرف الطرق “على الأبواب المغلقة لتفتح له بابتسامات عريضة”.. فقط!!
بلغة الأرقام فإن عدد طلبات الأراضي في السلطنة أكثر من 447 ألفًا، بينها ما يناهز الـ 123 ألف طلب في محافظة مسقط فقط، وبها 40 بالمائة من عدد الأراضي الممنوحة غير مأهولة.. أرقام تدعو للتأمل، والتدخل، لإعادة التوازن لهذا القطاع الغارق في أزماته، وربما بدأت المراجعة، وإطلاق الاستراتيجية من قبل وزارة الإسكان، لكن التحديات على “أرض الواقع” مختلفة عمّا تقوله الأوراق، والمثاليات المطلوبة لن تبقى هكذا فترة طويلة، خصوصًا مع فتح الملفات القديمة، إن أمكن فتحها، وإلا فإن بعضها سيتسرب إلى خارج الغرف المغلقة لأن مصيرها لا بد أن يتعارض مع مصالح العامة، تخطيط ممشى أو مواقف سيارات أو متنزه أو لوي عنق شارع لأجل تمديد.
حينما قام معالي الدكتور وزير الإسكان بجولة تفقّد فيها الممشى اليتيم في مرتفعات الأنصب رأى كيف تخرج الأراضي من “جحر الفأر” حينما تشاء الإرادة لدى المتنفّذين في الوزارة، يصبح الوادي مخططا سكنيا كل قطعة في باطنه بأكثر من مائة ألف ريال، مسجّلة قانونيا، وكما تشير معلومات حصلت عليها بأن هناك مخططات تتجاور فيها قطع الأراضي لعائلة بأكملها، ومن يمتلك الأراضي يعمل على الحصول على المزيد منها، ومن تتمدد أرضه آلاف الأمتار لا يكف عن المطالبة بالمزيد من “التمديد”.. ذلك يحدث لأنه يعرف “الدرب”، بينما المواطن البسيط لا يتذكر حتى أين وضع “الإيصال”!
وأكاد أحسب أن كل من يسعون إلى مقابلة “معاليه” و”سعادته” لا يبحثون إلا عن استثناءات، وكأن على البلاد أن تكون قطعة أرض ممتدة لهم فقط، بينما على الخالي من “حرف الواو” الوقوف في طوابير طويلة، ريثما يؤهل حفيده لمواصلة الانتظار.
على ثقة بأن الإدارة الجديدة تعمل بحرص، لأن المرحلة مختلفة، لكن من المهم التأكيد على “إغلاق” الأبواب أمام “المتنفّذين” خاطفي الفرص، وأصحاب سياسة الأمر الواقع، كالذي يمهّد مساحة تبلغ عشرة أضعاف أرضه، ثم يطالب بها، ويلحّ، ضاغطا، بمختلف السبل، والحيل ليتمكّن من مبتغاه!
مفتتح العدالة أن تُلغى كلمة استثناء من قاموس “الحكومة”، على الكبير قبل الصغير، وإلا فإن المحصلة ستكون معروفة جدا، وسلام على “الشفافية” ومعها المساءلة والمحاسبة.