هل سيكون لـــ “إدارة الأزمات” حضورٌ أوسع في هيكلة التعليم ومناهجه؟

هل سيكون لـــ “إدارة الأزمات” حضورٌ أوسع في هيكلة التعليم ومناهجه؟
هل سيكون لـــ “إدارة الأزمات” حضورٌ أوسع في هيكلة التعليم ومناهجه؟ هل سيكون لـــ “إدارة الأزمات” حضورٌ أوسع في هيكلة التعليم ومناهجه؟

د. رجب بن علي العويسي-خبير الدراسات الاجتماعية والتعليمية
في مجلس الدولة


مع القناعة بأن جائحة كورونا ( كوفيد19) لم تكن الأزمة الوحيدة التي تواجه منظومة التعليم في السلطنة، إلا أنها القشّة التي قمت ظهر البعير، وأعجزت التعليم عن فك طلاسمها، وتفسير ما بين سطورها، وتحديد مكوناتها، أو خلق مسار أكثر قدرة على إنتاج الواقع الجديد في ظل كورونا، في حجم التحديات والسقطات التي واجهتها البشرية، وباتت توجه أصابع الاتهام للتعليم في عدم قدرته على إنتاج مواطن قادر على التكيف مع ظروف الجائحة والتعامل مع معطياتها، وحالة الانسحاب التي لازمت مؤسسات التعليم المدرسي بشكل خاص في التعامل مع الأزمة، حيث اقتصر دورها على تنفيذ قرارات الإغلاق والمنع والتقيد بالإجراءات دون أن تكون لها مشاركات واضحة وحضور يذكر، سواء فيما يتعلق بقدرتها على تعزيز دور الشركات الطلابية في إنتاج الحلول الطبية والتقنية والمستلزمات الصحية الوقائية والعلاجية للوقاية من الجائحة ، أو كذلك في مجال التوعية المجتمعية والتثقيف وترسيخ الوعي، أو في قدرتها على الاستفادة من تفاعلات الصندوق الأسود والفرص والممكنات والتنوع في القدرات والاستعدادات التي يمتلكها مجتمع التعليم بكل أطيافه ، وتوظيفها في خلق حراك فكري نوعي يسهم به التعليم في مواجهة الأزمات النفسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع.
على أن ما تعرضت له عُمان من حالات مدارية وأنواء مناخية في فترات متعاقبة منذ عام 2007م منح السلطنة ممكنات القوة في إدارة الحالات الطارئة والكوارث، وعززت من روح المواطنة العمانية والتآلف في البيت العماني المؤسسي والمجتمعي على حد سواء في قراءة ملامح المستقبل، عبر التعاطي الواعي مع متطلباتها، وإدارة سيناريوهات عملها بكفاءة واقتدار وحرص على تحقيق أعلى درجات الأمان والاستقرار للإنسان العماني والقاطنين على أرض عمان الطيبة، غير أن مسلسل الأزمات ظل مرافقا للتعليم بشكل مستمر، ولعل الملفات المرتبطة بمخرجات التعليم وسوق العمل، وزيادة أعداد الباحثين عن عمل من حملة الدبلوم العام والمتوسط والشهادة الجامعية الأولى- والتي بات يُنظر إلى عدم استيعاب المؤسسات الخدمية والإنتاجية والقطاع الخاص لها في بيئة العمل، على أنها أزمة تعليمية من الدرجة الأولى، أفصحت عن تدني قدرة التعليم على تحقيق مسار المواءمة، وتبرير مؤسسات الاقتصاد ورجال الأعمال لذلك، بأن هذه الفجوة نتاج لسطحية الممارسة التعليمية في المدارس والجامعات التي اتجهت بكل قوتها إلى تكريس اللغة الخطابية النظرية التراكمية في التعليم ومناهجه، وتقديم حافز الشهادات الدراسية للمخرجات، كونه أولوية تفوق تركيزه على بناء المهارة والإعداد الكفؤ المتكامل لمخرجاته مهاريا وثقافيا ووظيفيا ومهنيا، إلى غير ذلك مما يمكن أن يدرج ضمن مفهوم الأزمات، بما يعنيه ذلك من الحاجة إلى مراجعات أوسع وقراءة أعمق وحلول أكثر عملية يعمل التعليم على إنتاجها، ويسعى إلى تعزيز وعي مخرجاته بها وتقوية الممكنات الداعمة لبناء فقه الأزمة وأخلاقها في ثقافة التعليم وبرامجه ومناهجه.
وعليه وبعد إقرار اللجنة العليا المكلفة لخطة تشغيل العمل بالمؤسسات التعليمية حضوريا للطلبة في التعليم المدرسي وما قبل المدرسي والعالي ، والدعوات المتكررة لأن يكون تشغيل مؤسسات التعليم من مدارس وجامعات إيذانا بمرحلة جديدة من العمل التعليمي المؤطر القائم على التكاملية وإنتاج الفرص وتقييم الواقع وتشخيص الحالة وترقية الجهود وحفز الكفاءات وإعادة تقييم مناهج التعليم وأنشطته وفلسفة عمله والخطط الدراسية وطرائق التدريس، وأهمية النظر في الممارسة التعليمية بما يتناغم مع الظروف الناتجة عن الجائحة، والخلل الذي صاحب الجهد التعليمي في التعامل مع احتياجات الطلبة، بمعنى أن دور التعليم الجديد أن يعيد انتاج واقعة وسياساته وأهدافه وغاياته وفلسفة عمله، ويطور برامجه، ويصنع تحولا جذريا في فقه الطلبة، بحيث يتجه في كل خطواته الى استحضار مفهوم الأزمة والظروف التي نشأت فيها، وكيفية التعامل معها، والجاهزية الوطنية لها، والتحديات التي أسهمت في الحد من كفاءة الجهود، وكيف يقرا الطالب مفهوم الأزمة، وأين يقف دوره فيها، آخذا في الاعتبار نماذج عملية لبعض الازمات والجوائح التي مرت بها السلطنة كما اشرنا ، وأبرز الخطط والسيناريوهات العملية التي اتجهت لها الحكومة بقطاعاتها الأمنية والعسكرية والمدنية في المعالجة ، وأين يقف دور التعليم فيها، وكيف يساهم في التقليل من آثارها.


من هنا فإن استشعار حجم التأثير لهذه الأزمات على الواقع الوطني يستدعي اليوم تأطيرا فكرا لمفاهيم الأزمات وعناصرها ومكوناتها، وكيفية التغلب عليها، ودور المجتمع في مواجهتها، والخصوصية التعليمي في التعامل معها، والاثر الاستراتيجي لحضور التعليم في مواجهتها ، بحيث يتم تضمنين الأزمة في محتوى مناهج التعليم عبر مسارات واضحة، واستراتيجيات أداء محكمة، وموجهات عمل واقعية تستفيد من جوانب القوة وحالة الضعف، والأولويات والتحديات التي رافقت التعامل مع الأزمة في الواقع الوطني، وتعريض الطلبة لنماذج محاكاة واقعية، واسئلة عميقة، تضمن قدرته على بناء سيناريوهات العمل، واستنطاق القيم والمبادئ في التزام أخلاق الأزمات، واستقراء الأفكار في البحث عن الحلول، بحيث يتم تدريس مبادئها وقيمها وأخلاقياتها ومكوناتها وعناصرها، مستفيدة من البني التشريعية والتنظيمية والمؤسسية العاملة في نطاق إدارة الأزمات والحالات الطارئة، وبالتالي أن يتعدى وجودها مجرد مساحة تدريسية في مناهج التعليم إلى ضمان صناعة مواطن الأزمات، وأن يكون تدريس إدارة الأزمات وفق معايير واضحة ، واستراتيجيات أداء دقيقة، ومراجعات مستمرة وتحليلات تقرأ بواعثها واسبابها ونواتجها ومخاطرها، وفلسفة عمان في التعامل مع الأزمات، منطلقا لتحقيق مبدأ الإنسانية، وتجسيد احترام حقوق الإنسان وكرامته.
ويبقى الحديث عن إدارة الأزمات في التعليم، ثقافة مجتمعية أصيلة، وفقه مواطن واع لواجباته ومسؤولياته وحقوقه، وسلوك مجتمعي يعبر عن إدراكه التام وفهمه العميق لإدارة الأزمات في الواقع اليومي، وبالتالي فهي بحاجة إلى جهد وطني يتعدى دور مؤسسة تعليمية بعينها، وعمل متقن تتكاتف فيه مؤسسات التعليم المدرسي وما قبل المدرسي والعالي وجامعة السلطان قابوس والمؤسسات الأمنية والعسكرية واللجنة الوطنية للدفاع المدني على حد سواء، للخروج بإطار وطني في إدارة الازمات من جهة، أو إيجاد مساق تعليمي موحد، أو إدماج أوسع وأكثر تأطيرا وتقنينا وتفسيرا لإدارة الأزمات في خطط التعليم ومناهجه وأنشطة الطلبة، يقوم على تدريسها والإشراف عليها، معلمين أكفاء وقدرات مهنية عالية من العاملين في إدارة الطوارئ والأزمات، فهل ستفصح جهود الهيكلة التعليمية لما بعد كورونا عن تحولات جادة في مسار إدارة الأزمات وتأصيل ثقافتها في فقه الطلبة وسلوك المجتمع؟


Your Page Title