أثير – ريمـا الشـيخ
نعيش حاليًا أيامًا فريدة من نوعها، سريعة ومتحولة في مجتمعنا، حيث نمر بمرحلة انتقالية من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد الذي يمكن أن نطلق عليه “الاقتصاد الرقمي”، تحيطه تقنيات جديدة من الرقمية إلى متناهية الدقة، وصولًا إلى الموجة الرقمية وهي تقنية “البلوك تشين”.
وهنا قد يتساءل القارئ ما هي تقنية البلوك تشين؟ وكيف تعمل؟ وما فائدتها؟ وهل هي فعالة في السلطنة؟
تعريفها
يجيب عن هذه الاسئلة الدكتور سلطان بن سالم اليحيائي، شريك مؤسس لأكاديمية البرمجة وأستاذ زائر بجامعة السلطان قابوس، خلال حديثه مع “أثير”، حيث قال بأن تقنية البلوك تشين تعمل لتوثيق ونقل الأصول بطريقة لا مركزية، بحيث يشترك مجموعة كبيرة من الناس لتوثيق أصولهم عن طريق هذه التقنية والبرمجة حول العالم ويتفقوا على هذا التوثيق (قد تكون هذه الأصول لمجوهرات أو أحجار كريمة أو عقارات أو حتى أصول غير مادية) وتدار عملية انتقال هذه الأصول فيما بين هذه المجموعة المشتركة بطريقة لا تحتاج إلى جهة مركزية، إنما يتم التوثيق من خلال عملية الإجماع، أي التأكيد بأن هذه الأصل يعود للشخص الفلاني من المجموعة نفسها، وإذا أراد نقلها لشخص آخر، عليه أن يحصل على موافقة المجموعة بأكلمها من خلال الحاسوب أو برامج الهاتف الذكية.
ضمان سرية معلومات المشتركين
وأضاف: المشتركين في تقنية البلوك تشين في الغالب لا يشتركون بأسمائهم الحقيقية، لهذا تضمن سرية المعلومات، فنحن نستطيع أن نتعرف على أن الشخص الفلاني يمتلك أصل لشيء ما، ولكن نحن لا نعلم الهوية الحقيقية له، أي إن هذه التقنية تضمن أمرين: الشفافية والسرية، كذلك كون العملية لا مركزية وتتم من خلال الإنترنت واشتراك عدد كبير من الناس، فهذا يضمن حماية كبيرة لهذا النظام من خلال صعوبة التلاعب في هذه السجلات؛ لأن عدد المشتركين كبير وكل شخص يمتلك نسخة من هذا السجل، فإذا أراد شخص أن يخترق هذه التقنية فعليه أن يخترق كل السجلات الموجودة في النظام، وهذا أمر يكون شبه مستحيل، مما يضمن أمن البيانات، فالبيانات المرسلة والموجودة في هذه التقنية بيانات مشفرة تضمن حماية كبيرة لهذا النظام، فاليوم نتحدث عن الأصول مثل حقوق الملكية الفكرية، الصور الرقمية، مقاطع الصوتيات وغيرها من الأصول التي يمتلكها الإنسان، ويستطيع من خلالها أن يوثق هذه الأصول ويتبادل يتبادلها ويبيع ويشتري من خلال تقنيات البلوك تشين.
فوائدها
ومن الفوائد المرتبطة بتقنية البلوك تشين هي التخلص من الجهة المركزية في هذا الإطار، حيث يمكن معالجة وإنجاز المعاملات بوقت قصير جدًا وبأي وقت، بنظام آمن وسري بشكل كبير ولا يمكن لأي شخص التلاعب بالبيانات المرتبطة به، كما يمكن استخدامها في حماية البيانات الطبية، وفي مجال الدفع، وخاصة الدفع العابر للحدود في تنقل الأموال أو تناقل الأموال بين المستخدمين والمستفيدين، كما تستخدم عمليات البلوك تشين فيما يسمى بالهوية الرقمية بحيث تكون للإنسان هوية رقمية واحدة يستطيع من خلالها إظهار البيانات التي تحتاجها بدون السماح للجهات بالإطلاع على بياناته الخاصة التي لا يرغب المستخدم بمشاركتها، كذلك تستخدم في التجارة الدولية وفي سلاسل التوريد.
معوقاتها
ولكن في المقابل توجد بعض المعوقات في هذه التقنية، حيث ذكر الدكتور سلطان بأن تقنية البلوك تشين أصبحت بطئية في التقدم وكثير من الحكومات حول العالم لم تدعمها بسبب الاستخدامات السيئة في بعض المجالات مثل تجارة السلاح، تمويل الإرهاب، عمليات غسيل الأموال وبيع الأعضاء وغيرها من التجارات الممنوعة وغير المشروعة، لهذا لم تتلقى هذه التقنية الدعم الكافي لها.
العقود الذكية
العقود الذكية
يقول الدكتور سلطان بأن هناك نمط جديد من العقود في عالم التكنولوجيا يسمى بالعقود الذكية، وهي عقود برمجية تستخدم فيها تقنية بلوك تشين لتنفيذ هذه الأوامر البرمجية، وهي عبارة عن اتفاق رقمي يتم تطبيقه بواسطة مجموعة محددة من القواعد البرمجية بمعنى أن يتم برمجة هذا العقد ابتداء من وقت تفعيل العقد، سيتم تسليم المبالغ في وقت استلام الخدمة، أي إن العقود الذكية حلت محل الطرف الثالث الموثوق للجهتين (الطرف الأول والثاني) خلال عملية الشراء، فيستطيع الأطراف تبادل المنافع والمنتجات والخدمات التجارية عن طريق العقود الذكية دون الحاجة إلى وسطاء، كذلك تساعد العقود الذكية على تقليل التكلفة المالية وتقليل الوقت، كما تستخدم العقود الذكية في مجال شراء الألعاب والتطبيقات، الرعاية الصحية، تقديم الخدمات من الجمعيات الخيرية وكذلك في مجال سلسلة التوريد والتصدير والاستيراد والإطراء والعمليات المرتبطة بها.
تجربة فريدة من نوعها في السلطنة
لدى السلطنة تجربة جيدة في هذا الجانب، ويمكن القول بأنها رائدة وفريدة حاليًا في عُمان، وهي تجربة شركة أوكيو، التي قامت باستخدام العقود الذكية المبنية على تقنية البلوك تشين في اتفاقياتها لتصدير منتج البولي بروبلين لجمهورية تايلاند من خلال عقد ذكي مبني باستخدام تقنية البلوك تشين، وتم استخدام منصة كوندور لإبرام هذا العقد، وتمت هذه العملية في عام 2019 والشحنة الثانية التي استخدمت أيضًا العقول الذكية المبنية على تقنية البلوك تشين في مارس 2021م.
انتشار تقنية البلوك تشين في السلطنة
ذكر الدكتور سلطان اليحائي خلال ختام حديثه مع “أثير” بأنه يوجد في السلطنة ناد خاص لتقتنية البلوك تشين وأيضًا الشركة العمانية لتقنيات البلوك تشين، ولكن يجب تطوير الجانب التشريعي في مسألة تقنين استخدام التقنية والسماح بها بشكل أكبر، وتطوير التقنية من الجانب البرمجي والتقني لكثير من رواد الأعمال حتى تنتشر بشكل كبير، أما عالميا، فالتقنية تأخذ مجالاتها وأشكالها المختلفة، فهناك تطور كبير في موضوع العملات المشفرة والعقود الذكية وبيع الأصول غير المادية كالصور ومقاطع الصوتيات وغيرها.
