أثير- موسى الفرعي
عمان كلها تفجرت ذمما ومروءة، وقدمت أعظم صور المواطنة الصالحة السليمة، عمان أمٌّ تسوِّرها أفئدة أبنائها، وينبض قلبها الخفاق جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- محبة وخوفا عليها. ملحمة وطنية أبطالها كلهم حقيقة لا مجاز، وواقع لا تخييل، وأفعال لا أقوال، ملحمة وطنية لن يكون سهلا على الذاكرة الجمعية والفردية نسيانها، بل ستبقى محفورة في الوجدان العام ولن تستطيع التواريخ هزيمة الثامن من أكتوبر، فهو يوم مستقل ومكتمل بذاته، يوم بذل فيه العمانيون أسمى معاني العطاء وأبهى صور الإنسانية، بل لم يقف الأمر عند العمانيين فقط، فقد رأينا كلنا أناسا من جنسيات مختلفة، بعضهم دفعته إنسانيته، والبعض الآخر قال بما مكنته لغته العربية البسيطة ( أنا أحب عمان فكيف لا أساعدها ) ذلك هو الحب الخالص الذي يتمكن من القلوب، فيكون العطاء هبّة وجدانية خارج كل الحسابات، وتلك هي عمان التي لا تعرف سوى أن تقنع الآخرين بحبها من الدفقة الأولى، وأما العمانيون فقد سقطت منهم كل احتمالات الانتظار وقراراته، فلم ينتظروا إرشادا أو توجيها من أحد، انطلقوا كلهم بقلب واحد لا هدف لهم سوى إغاثة أخوتهم، سقطت المناصب والثقافات والشهادات، ولم تبق سوى روح عمانية مندفعة بجرأة وشجاعة ومروءة إلى الباطنة ليكتمل المشهد الساحر وتكون الباطنة أجمل لوحة ترسمها أفعال أبنائها، وتكون الباطنة أعذب موسيقى يعزفها العمانيون، وتكون الاتجاهات والشوارع كلها ممرات لنبع الإنسانية والكرم وتكاليف المروءة الساعية إلى مصبها في شمال الباطنة، لا شيء يمكن أن يصف العرس الوطني الذي شهدناه، ولا يمكن لعدسات الكاميرا أن تترجم أحاسيس العابرين إلى الباطنة في ذلك اليوم المبارك، لا شيء يقدر على وصف بلاغة ما حدث، إنها عمان التي ضخت الدم في القلوب والعقول، وعمان التي حركت وعمان الفاعل والسبيل والأداة، عمان البناء الذي استوى قيما ومبادئا، إنها عمان التي نحب وهؤلاء أبناؤها الذين حقَّ للإنسان أن يفاخر بهم.