أثير- تاريخ عمان
إعداد: د. محمد بن حمد العريمي
عرِف عن سلاطين عمان على مدى التاريخ الحديث قيامهم بالعديد من الزيارات والجولات الخارجية التي شملت دولًا عديدة، وذلك بغرض التعرف على مظاهر التطور الإداري والسياسي والاقتصادي في تلك الدول وإمكانية الاستفادة من تجاربها، أو لأغراض طبية وسياحية تعكس مدى الانفتاح الذي عرف عنهم على ثقافات الشعوب المختلفة.
وتعد المملكة المتحدة من أبرز الدول التي حرص السلاطين العمانيون خلال المائة سنة الأخيرة، وتحديدًا منذ عهد السلطان تيمور بن فيصل على زيارتها، وذلك للعلاقات التاريخية التي جمعت بين البلدين، كما قام سلاطين زنجبار بزيارات مماثلة منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، علمًا بأن السفينة ( سلطانة ) كانت قد وصلت إلى موانئ بريطانيا في عام 1842.
وفي هذا التقرير تستعرض “أثير” أبرز الزيارات التي قام بها سلاطين مسقط منذ عهد السلطان تيمور وحتى الزيارة الحالية التي يقوم بها جلالة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله، علمًا بأن ” أثير” كانت قد نشرت سابقًا عددًا من التقارير المفصّلة عن بعض تلك الزيارات، تم الرجوع إليها عند إعداد هذا التقرير.
زيارة السلطان تيمور بن فيصل إلى بريطانيا
قام السلطان تيمور بن فيصل برفقة مستشاره المالي بروترام توماس بزيارة إلى المملكة المتحدة خلال الفترة من 15 سبتمبر إلى 13 أكتوبر 1928، وهي جزء من رحلة طويلة بدأت من الهند وانتهت فيها كذلك في 31 ديسمبر 1928، وشملت زيارة عدة دول في أوروبا، ومصر، والهند.
وبحسب التقارير الإنجليزية التي تناولت الزيارة فقد كانت الزيارة في المقام الأول لأسباب طبية لعلاج التهاب الزائدة الدودية المزمن، كما يشير الباحث الدكتور صالح البلوشي إلى أن السلطان تيمور كان يرغب في أن تكون زيارته إلى أوروبا زيارة رسمية، الهدف الأساس منها هو العلاج من مرضٍ خطير يشكو منه، وأنه سيستشير في البداية الأطباء في لندن عن إجراء عملية جراحية، كما يرغب في أن يقابل جلالة ملك بريطانيا العظمى.

وقام السلطان تيمور بن فيصل خلال زيارته إلى المملكة المتحدة بزيارة العديد من المواقع والأماكن والشواهد الأثرية والسياحية، كما حضر عددًا من المقابلات واللقاءات والولائم، وذلك وفق جدولٍ زمنيّ أعدّ لهذه الزيارة.

The Sphere – Saturday 22 September 1928

Daily Mirror – Friday 12 October 1928
وفي يوم الأحد 14 أكتوبر 1928 انتهت زيارة السلطان تيمور بن فيصل إلى المملكة المتحدة، حيث استعد للمغادرة إلى أوروبا.

Illustrated London News – Saturday 22 September 1928
زيارات السلطان سعيد بن تيمور
عرف عن السلطان سعيد بن تيمور أنه كان كثير الأسفار، ولم يدّخر – بحسب الباحث صالح البلوشي ” أي فرصة للسفر والترحال داخل الهند، وكذلك في العراق خلال فترة دراسته، وهو ما منحه فرصة ثمينة لمعرفة أحوال الملوك والممالك، والرخاء أو المعاناة التي كانوا يعيشونها أو يعانون منها، وأسباب ازدهار واضمحلال الدول”، لذا فقد قام بالعديد من الزيارات والرحلات والجولات الداخلية والخارجية ، ومن أبرزها جولته العالمية بين آسيا وأوروبا والولايات المتحدة بين عامي 1937 و1938، وزياراته المتكررة إلى الهند وباكستان، وزيارته إلى مصر والشام في أبريل 1944، وزيارة المملكة المتحدة في يوليو 1955، والعراق في أغسطس 1955، وزيارة خاصة إلى بريطانيا عام 1958، وغيرها من تلك الزيارات.
”
فرصة للسفر والترحال داخل الهند، وكذلك في العراق خلال فترة دراسته، وهو ما منحه فرصة ثمينة لمعرفة أحوال الملوك والممالك، والرخاء أو المعاناة التي كانوا يعيشونها أو يعانون منها، وأسباب ازدهار واضمحلال الدول”،
وتعد رحلة السلطان سعيد بن تيمور في الفترة من 9 نوفمبر 1937م إلى 13 يوليو 1938م من أهم الرحلات التاريخية على مستوى العلاقات بين حكومة مسقط وحكومات الدول التي زارها، إذ بدأ رحلته إلى الهند مرورا بسنغافورة، وهونج كونغ، ثم اليابان، ومنها توجّه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أول زيارة يقوم بها حاكم عربي إلى واشنطن، ثم ارتحل إلى إنجلترا، ومنها غادر إلى فرنسا
وقد غادر السلطان سعيد نيويورك على ظهر الباخرة كوين ماري متوجها إلى المملكة المتحدة التي وصلها في 28 مارس 1938م، وحينما وصل السلطان للمملكة المتحدة تم استقباله استقبالا رسميا حافلا من قبل الحكومة البريطانية، إذ التقى السلطان بالملك جورج السادس في القصر الملكي، وأجرى محادثات رسمية حول تعديل معاهدة الصداقة، والتجارة، والملاحة الموقعة بين السلطنة وبريطانيا عام 1891م.

The Tatler – Wednesday 13 April 1938


كما قام السلطان سعيد بن تيمور بزيارة إلى المملكة المتحدة خلال الفترة من الثالث من يوليو وحتى السادس من أغسطس عام 1955، وذلك بغرض تلقي العناية الطبية، والتعرف على الأوضاع المختلفة هناك، والسياحة، وقد رافقه خلال الزيارة الوالي إسماعيل بن خليل الرصاصي واثنان آخران، حيث وصل إلى تيلبري على متن السفينة أركيديا يوم الأحد الثالث من يوليو.

تغطية صحفية للزيارة. بيتربورو الجمعة 29 يوليو 1955
وقد تم تنظيم برنامج متكامل للسلطان خلال زيارته، حيث حضر في يوم السابع من يوليو مأدبة غداء في قصر باكنغهام بحضور رئيس الوزراء البريطاني، كما التقى بعدد من المسؤولين البريطانيين في زيارات متبادلة، وقام السلطان سعيد بن تيمور وواليه إسماعيل الرصاصي بزيارة لعدد من الأماكن والمعالم في المملكة المتحدة.

صحيفة ايلاستريتيد لندن نيوز السبت 16 يوليو 1955
صحيفة
ايلاستريتيد لندن نيوز السبت 16 يوليو 1955
وقد تناولت جريدة (الفلق) الصادرة في زنجبار زيارة السلطان سعيد بن تيمور إلى لندن، وذلك في عددها الصادر بتاريخ 28 سبتمبر 1955، حيث أشارت إلى زيارة السلطان لدار الإذاعة البريطانية (BBC) في لندن.

وفي مايو من عام 1958 قام السلطان سعيد بن تيمور يرافقه سكرتيره الخاص واثنان من المرافقين، بزيارة خاصة إلى المملكة المتحدة عن طريق إحدى البواخر البحرية التي انطلقت من عدن، وذلك لمدة شهر واحد.

Coventry Evening Telegraph – Monday 26 May 1958

Birmingham Daily Post – Tuesday 27 May 1958
زيارات السلطان قابوس بن سعيد
قام السلطان قابوس بن سعيد – طيب الله ثراه – بعدد من الزيارات الرسمية والخاصة إلى المملكة المتحدة من بينها زيارة خلال الفترة من السادس من سبتمبر 1973 إلى الرابع عشر من سبتمبر 1973، من ضمن زيارة السلطان الموسعة إلى أوروبا التي استغرقت خمسة أسابيع، أجرى خلالها محادثات مهمة مع كبار المسؤولين البريطانيين، حيث التقى برئيس الوزراء إدوارد هيث، وناقشا عددًا من الموضوعات من بينها: حضور عُمان لمؤتمر حركة عدم الانحياز في الجزائر العاصمة، والوضع الأمني في عُمان و ظفار، ومسألة التدخل العسكري البريطاني، وعلاقة السلطان مع إيران.

Sultan Qaboos is greeted by Britain’s Prime Minister Edward Heath in London on Sept. 11, 1973. (Photo: AP)
كما عقد السلطان قابوس بن سعيد لقاءً مع وزير الدفاع اللورد كارينغتون تناولا فيه موضوع تمويل نظام دفاع جوي شامل في عُمان، وتقرير مرفق متعلق بالنتائج التي توصلت إليها بعثة عسكرية إلى عُمان بشأن تقييم الحاجة إلى نظام دفاع جوي.
والتقى السلطان قابوس – طيّب الله ثراه – بوزير الخارجية السير أليك دوغلاس-هوم حيث ناقشا عددًا من القضايا منها ما يتعلق بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي)، وخطة الدفاع الجوي، وعلاقات السلطان مع رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، ومخاوف السلطان بشأن السفارة العراقية في أبوظبي، والمساعدة الإيرانية، والجامعة العربية، ومؤتمر عدم الانحياز.

وخلال الفترة من 16 – 19 مارس 1982 قام السلطان قابوس بن سعيد – طيّب الله ثراه – بزيارة إلى المملكة المتحدة حيث استقبله في مطار جاتويك بلندن الأمير ريتشارد دوق جلوستر في عام 1982م، والتقى خلال الزيارة بعدد من الشخصيات من بينها: الملك إليزابيث الثانية، والأمير تشارلز أمير ويلز، والسيدة مارجريت تاتشر رئيسة الوزاء، وأقيمت للسلطان قابوس والوفد المرافق له مراسم استقبال رسمية، كما عقد جلسات مباحثات تناولت عددًا من القضايا التي تهم البلدين والشرق الأوسط.



زيارة السلطان هيثم بن طارق
يقوم السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله – ابتداءً من 14 من الشهر الجاري بزيارةٍ خاصة إلى المملكة المتحدة هي الأولى له لدولة غير عربية منذ تولي جلالته حفظه الله مقاليد الحكم في يناير ٢٠٢٠.

وقد التقى جلالة السلطان هيثم بن طارق بالملكة إليزابيث الثانية ملكة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية ورئيسة الكومنولث في قصر وندسور، حيث قدمت جلالةُ الملكة لجلالته وسام الفارس الشرفي الرفيع، تقديرًا لحضرةِ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم – حفظه الله ورعاه- واعتزازًا بالعلاقات التاريخية التي تربط سلطنة عُمان والمملكة المتحدة


والتقى جلالته – أيده الله – مع بوريس جونسون رئيس وزراء بريطانيا حيث تناول اللقاء علاقات الصداقة التاريخية التي تجمع البلدين وبحث سبل تعزيزها بما يفتح مجالات أرحب من التعاون الثنائي القائم بينهما خدمة للمصالح المشتركة للشعبين العُماني والبريطاني الصديقين.
وتأتي زيارة جلالة السلطان حفظه الله – بحسب البيان الصادر من ديوان البلاط السلطاني – سعيًا نحو مزيدٍ من الارتقاء بالعلاقات المتميزة بين البلدين إلى الرؤى والمصالح ذات الأهداف المشتركة، ودعمًا للروابط المتينة بين سلطنة عمان والمملكة المتحدة بما يحقق تطلعات وآمال الشعبين إضافةً إلى بحث المواضيع الراهنة التي تهم الجانبين على الساحتين الإقليمية والدولية.
كما حظيت زيارة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق — حفظه الله ورعاه— والسيدة الجليلة إلى لندن، ولقاؤهما مع الملكة إلىزابيث الثانية باهتمام إعلامي واسع من الصحف البريطانية والعالمية والعربية.