تفاصيل من زيارة رجل دين مسيحي عراقي إلى مسقط في عام 1899

تفاصيل  من زيارة رجل دين مسيحي عراقي إلى مسقط في عام 1899
تفاصيل من زيارة رجل دين مسيحي عراقي إلى مسقط في عام 1899 تفاصيل من زيارة رجل دين مسيحي عراقي إلى مسقط في عام 1899

أثير- تاريخ عمان

إعداد: د. محمد بن حمد العريمي

 

تعاقب على زيارة مسقط مطلع القرن العشرين العديد من الشخصيات الفكرية والرحّالة والصحفيين والمستشرقين وغيرهم ممن مروا عليها قصدًا، أو باعتبارها محطة ضمن رحلة سفرٍ طويلة من أو إلى الهند.

 

وقد تبارت هذه الشخصيات في وصف مسقط وعمان من حيث موقعها، وجغرافيتها، ومناخها، ونشاطها الإقتصادي، كما قدموا معلومات مختلفة تتعلق بالنشاط الفكري وأبرز ملامح الحياة الاجتماعية بها.

 

وقد قامت “أثير” خلال سلسلة بعرض عددٍ من التقارير تتناول تلك الرحلات، وتعرض في هذا التقرير جانبًا من زيارة إحدى تلك الشخصيات إلى مسقط، وهو رجل دين مسيحي عراقي من أصل سوري زار مسقط في أكتوبر 1899 ضمن رحلته إلى الهند ما بين عامي 1899-1900، وهو القسيس مير أثناسيوس أغناطيوس.

“أثير”

 

أهمية الزيارة

على الرغم من قصر الزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام خلال الفترة من 13- 15 أكتوبر من عام 1899، إلا أن هذه الزيارة تكتسب أهميتها كعادة العديد من الزيارات التي قام بها عدد من الشخصيات والرحّالة إليها في أنها تسجّل لنا الأوضاع العامة في السلطنة مطلع القرن العشرين، من حيث طبيعة السكان والموارد الاقتصادية، كما تكشف لنا جوانب جديدة عن شخصية السلطان فيصل بن تركي وأبرز الصفات التي كان يتسم بها السلطان، ومُناخ التسامح الفكري الذي كان سائدًا في عهده، وترسم صورة عامة لمسقط من حيث موقعها، ومناخها، وأبرز أنشطتها، ومعالم التطور فيها.

 

كما تتطرق الزيارة إلى بعض القضايا السياسية التي كانت مثار اهتمام محلي وإقليمي زمن السلطان فيصل مثل تجارة الرقيق ودور الإنجليز في حظرها، وقضية الخلاف الفرنسي البريطاني على إقامة فرنسا لمستودعات للفحم في بندر الجصّة.

 

وتشير الزيارة إلى بعض الأنشطة الاقتصادية التي كانت رائجة وقت زيارته، كتصدير السمك المجفف، والتمور التي كانت تصدر إلى الهند والولايات المتحدة الأمريكية، والليمون البصري الذي اشتهرت به مسقط، بالإضافة إلى نشاط تصدير الحلوى المسقطية.

 

وقدّم صاحب الزيارة وصفًا جيدًا وإن كان مختصرًا للقصر السلطاني في مسقط من حيث موقعه، وطريقة بنائه، وأبرز أركانه، وبعض المواد التي استخدمت في بنائه، وهو وصف مهم في دراسة الجوانب المعمارية المتعلقة بتاريخ مسقط وعمان.

 

كما لم يخلُ تقرير الزيارة من الحديث عن بعض النقاشات الفكرية التي دارت بين الطرفين في بلاط السلطان فيصل كموضوع التدخين وحرمته، وبعض القضايا العقائدية التي لم يشر إليها أثناسيوس بشكلٍ واضح لكن يمكن استنتاجها من سياق الحديث.

 

صاحب الزيارة

لا توجد معلومات كثيرة عن مار أثناسيوس أغناطيوس نوري، ونورد هنا ما ذكره محرّر الرحلة والمقدّم لها، الشاعر السوري نوري الجراح مدير مشروع (ارتياد الآفاق) في مقدمة الكتاب الذي جاء في (160) صفحة من القطع الكبير، من أن مير أثناسيوس أغناطيوس نوري هو سوري عاش فتوته في مدن الشمال السوري والعراقي: دي الزور، القامشلي، حلب، الموصل، قبل أن يرسّم قسّيسًا عام 1881 على يد بطريرك حلب، وأن في رحلته ما يشير إلى أنه كان خوريًا في البصرة، أي كاهنًا أو قسًا، وأن له أخا يُدعى سعيد كان يشغل منصبًا مهمًا في الإدارة العثمانية في سوريا، وقد تولى أثناسيوس في فترة من الفترات قبل رحلته إلى الهند منصب رئيس أساقفة بغداد.

 

وكان الهدف من رحلته إلى الهند هو بيع وقف لكنيسته عبارة عن دارين لفقراء أبرشيته في الهند، وجمع تبرعات لبناء مدرسة عالية في بغداد، كما كان في عزمه مقابلة شخصية مسيحية عراقية ثرية مهاجرة إلى الهند وهو ملكون بن يعقوب الصابونجي المارديني شقيق القس لويس صابونجي الرحّالة الشهير، وكان ملكون من كبار الأغنياء في الهند وطمح أثناسيوس في قيامه بالتبرع للكنيسة.

 

معلومات عن مسقط

يبدأ مار أثناسيوس أغناطيوس نوري حديثه عن مسقط بوصفها بأنها من بلاد شبه جزيرة العرب، من مقاطعة تهامة، ولا يعرف من أخبارها في العصور الوسطى إلا النزر القليل، وأن صيتها قد ذاع لما استولى عليها البرتغاليون بيد كبير قوادهم البوكيرك سنة 1509، وحكموها إلى سنة 1658 ففتحها السلطان ناصر بن مرشد، وأنها لم تزل في قبضة الأئمة والسادة الذين اتخذوها كقاعدة لسلطنة عمان.

 

كما يذكر أثناسيوس في سياق وصفه لمسقط أنه يحكم فيها شيخ من شيوخ العرب من عائلة شيوخ زنجبار أي بني سعيد، وإن نسبهم يتصل ببني أسد، وحاكمها اليوم (خلال فترة زيارته لها) هو الشيخ فيصل بن الشيخ تركي، ويسمى هذا الشيخ سلطانًا، وأخوه حاكم زنجبار، وأنه كلما رست في فرضة مسقط باخرة من شركة (بريتش إنديا) أطلقت مدفعًا.

 

ومن خلال المعلومات السابقة التي سردها القسيس أثناسيوس يتضح لنا مدى جهله بتاريخ عمان، وخلطه بين المعلومات، فعمان بعيدة كل البعد عن إقليم تهامة الواقع على ساحل البحر الأحمر، ولم تكن تابعة له في يومٍ من الأيام، كما أنه يصف حكام عمان تارةً بالسلاطين كما وصف بذلك الإمام ناصر بن مرشد، بينما يصفهم بالشيوخ تارةً أخرى عند حديثه عن سلاطين عمان من أسرة البوسعيد، ولعل سبب استخدامه لمصطلح (الشيخ)  يعود إلى البيئة التي تنقل بينها في الشام والعراق، ووجود مشيخات قبلية عديدة بها، بالإضافة إلى استخدام هذا اللقب لدى الإمارات القريبة منها.

 

وألحق أثناسيوس نسب أسرة البوسعيد إلى بني أسد دون ذكر دليل على ذلك، بينما يشير عدد من كتب الأنساب إلى أنهم من الأزد وهي من القبائل القحطانية بعكس أسد العدنانية، ويعود نسبهم إلى القائد المهلّب بن أبي صفرة إحدى أبرز الشخصيات العربية في صدر الدولة الأموية.

 

ثم يصف أثناسيوس موقع مسقط ومناخها بقوله إنه تحيط بها من جهاتها الثلاث جبال قاحلة جرداء، وأنه يشتد الحر فيها جدًا حتى تكاد تبلغ الأرواح التراقي، وأن درجة الحرارة صباح يوم 13 أكتوبر بلغت (35) درجة في مقياس سنتغراد، أما سكانها فكانوا فرحين يومئذٍ كأنه يوم من أيام النيروز.

 

ويضيف أنه مما أثار استغرابه أن الحرّ يشتد في الليل كما في النهار ويتصاعد إلى (45) درجة فأكثر أيام القيظ، ولذا فالتمر ينضج فيها قبل أن ينضج في البصرة بشهر، ثم يقارن بين حرّ مسقط وبين حرّ بغداد الذي برغم شدّته إلا أن نسمات الليل الباردة تنسي الشخص ما تحمّله بضع ساعاتٍ من النهار، بحسب رأي الرحّالة.

 

كما أشار مار أثناسيوس أغناطيوس نوري إلى عدد سكان مسقط حيث ذكر أنهم زهاء عشرة آلاف نسمة، ولهم بشرة سمراء تضرب إلى السواد، والنخّاسون فيها كثيرون، مع شدة مراقبة الإنكليز والفرنسيين لمنع النحاسة، وهو هنا يشير إلى منع بيع الرقيق الذي طبّق في زمن السلطان تركي بن سعيد، كما يضيف أن للانجليز قراصين جوّالة في هذه الأنحاء تفتش سفن تجار الرقيق.

 

ويذكر مار أثناسيوس أن اللغة الشائعة والأولى في مسقط هي العربية، ثم الهندية والبلوخستانية، وأن مرفأ المدينة جيد، والبواخر تقرب من البحر كثيرًا، وعمق البحر حيث رست (آسيريا)، وهي السفينة التي أقلّته إلى مسقط، ثلاثون قدمًا إنكليزية.

 

كما يشير إثناسيوس إلى بعض الأنشطة الاقتصادية التي لاحظها في ميناء مسقط ومنها نشاط تجارة الصيد، حيث يذكر أن الأسماك تكثر جدًا في مياه مسقط، وأنهم يصطادونها ويقدّدونها ويوسقونها في سفنهم ويذهبون بها إلى بومباي فيبيعونها مملّحة مقدّدة، كما يشير كذلك إلى شهرة المدينة بالحلوى التي يضعونها في علب (تنك) ويصدّرونها إلى الخارج.

صورة أرشيفية لمسقط. مكتبة قطر الرقمية

ويذكر كذلك في معرض حديثه عن مسقط أنهم حين وصلوا إلى مسقط شاهدوا قرصانًا إنكليزيًا راسيًا أمام القنصلية الإنكليزية، وبعد وصولهم ببرهة أقلع القرصان المذكور إلى (جاسك) ورجع في اليوم التالي، وقد علموا أنه يذهب بالتلغرافات القنصلية لترسل منها بحكم أن بها مركزًا تلغرافيًا، وأن مسقط لا يوجد بها مركز تلغراف. ويتساءل بتعجب: ” ولم نعلم ما الذي يمنع الإنكليز حتى اليوم من أن يمدوا إليها الأسلاك البرقية. إن في ذلك لعجبًا”.

” ولم نعلم ما الذي يمنع الإنكليز حتى اليوم من أن يمدوا إليها الأسلاك البرقية. إن في ذلك لعجبًا”.

وربما يعود سبب وصف أثناسيوس للإنجليز بالقراصنة في أكثر من موضع إلى موقفه السلبي منهم، وعدم رضاه على سياستهم في المنطقة، وربما تأثرًا بالمدّ العربي الذي بدأ يظهر خلال تلك الفترة وما قبلها في كتابات بعض المفكّرين العرب.

زيارة القنصل الفرنسي

يشير أثناسيوس إلى أنهم استأجروا صباح يوم السبت الموافق 14 أكتوبر قاربًا صغيرًا طوله ثلاثة أمتار وعرضه متر وانطلقوا إلى قنصلية دولة فرنسا، فاستقبلهم قنصلها أحسن استقبال، وهو يحسن العربية، وأنه بدهائه قد نال من أمير البلاد امتيازًا لدولته بأن تلقي فحم مراكبها بالقرب من مسقط، غير أنه شقّ على الإنجليز مثل هذا الامتياز، وأغلظت جرائدها في الكلام للفرنسيين.

ويقصد الرحّالة مما ذكر قضية مستودع الفحم في (بندر الجصّة) الذي اتفق عليه الفرنسيون مع السلطان فيصل ثم تدخلت بريطانيا للاعتراض على هذا المشروع في إطار التنافس التقليدي بين البلدين، وتم إلغاؤه فيما بعد.

وكعادة القسّيس أثناسيوس في كتابه، لا يتخلى عن إظهار رأيه الخاص ومشاعره تجاه الإنجليز حيث يذكر: ” ونظنّ أن غيظهم صادر عمّا هو مصوّر في مخيّلتهم وخريطتهم من أن خليج فارس وعمان من نصيب إنكلترا في المستقبل، لكن الإنكليز نسوا إن ما كل ما يتمنى المرء يدركه”.

” ونظنّ أن غيظهم صادر عمّا هو مصوّر في مخيّلتهم وخريطتهم من أن خليج فارس وعمان من نصيب إنكلترا في المستقبل، لكن الإنكليز نسوا إن ما كل ما يتمنى المرء يدركه”.

زيارة السلطان فيصل

يذكر القسيس أثناسيوس أنهم قبل لقائهم بالمرسل الأمريكي (كانتين)، وهو أحد أعضاء الحملة التنصيرية الأمريكية وعمل لفترة في البصرة قبل توجهه إلى مسقط، وقد التقى به أثناسيوس في مسقط لسابق معرفته به، بعثوا أحد حراس القنصلية الفرنسية إلى السلطان فيصل ليخبره بأنهم يرغبون في زيارته، فأتى الجواب بأنه مستعد لقبول زيارتهم، فذهبوا إلى قصره يتقدمهم اثنان من حراس القنصلية، فلما بلغوا باب القصر شاهدوا مجموعة من البلوش واقفين والبنادق في أيديهم، وهم شاكّو الخناجر ذوات القبضات المفضّضة، وأنهم لما دخلوا القصر رأوه غاصًا بالعبيد الزنوج، وشاهدوا السلطان قد خرج من ردهة الاستقبال وأقبل لملاقاتهم.

السلطان فيصل بن تركي وخلفه عدد من الشخصيات العمانية من بينهم السيد علي بن سالم. شبكة المعلومات العالمية

 ويشير أثناسيوس إلى أنهم حيّوا السلطان بتحية العرب، فحيّاهم بأحسن منها، وأنهم ساروا معه حتى وصلوا ردهة الاستقبال، وهي مكتضة بكبار القوم، فقال السلطان لقومه إن ضيفهم عربيّ، وأن القوم رحبوا بهم ترحيبًا كبيرًا حيث يذكر أثناسيوس: ” ..فرحبوا بنا أيّ ترحيب، فقدم لنا السلطان بيده كرسيًا وأجلسنا عن يمينه، حينئذٍ عرّفنا باثنين من كبار قومه وقال إنهما وزيراه، فجلسا قبالتنا، وأما الباقون فجلسوا على الحضيض، ثم سألنا من أين أتينا وإلى أين نذهب فأجبناه عن أسئلته”.

 

” ..فرحبوا بنا أيّ ترحيب، فقدم لنا السلطان بيده كرسيًا وأجلسنا عن يمينه، حينئذٍ عرّفنا باثنين من كبار قومه وقال إنهما وزيراه، فجلسا قبالتنا، وأما الباقون فجلسوا على الحضيض، ثم سألنا من أين أتينا وإلى أين نذهب فأجبناه عن أسئلته”.

قصر السلطان

لم ينس أثناسيوس في محفل حديثه عن لقائه بالسلطان أن يصف القصر السلطاني حيث ذكر أن قصره في أحسن موقعٍ من البلدة، وهو يشرف على البحر، وله بابان، أحدهما من جهة البحر والآخر من جهة البر. وكانت الردهة مرصوفة بالرخام الأبيض والأسود وفيها المرايا الكبيرة والطاولات الهندية الجميلة الصنعة.

صورة أرشيفية لمسقط يبدو من خلالها القصر السلطاني.


مكتبة قطر الرقمية

ويذكر أثناسيوس موقفًا طريفًا له دلالته حيث بينما هم جلوسٌ يتجاذبون أطراف الكلام أتاهم الخادم بكأس شرابٍ مرطّب، ثم بالقهوة، وبعد شرب القهوة قدموا لجلالته لفافة (سيكارة) من التبغ، فأجاب كاتب ديوانه إنهم لا يدخنون التبغ (التتن) لأنه مسكر ومكيّف وقد حرّم عليهم، فرد عليه أثناسيوس بأن القهوة كذلك من المكيّفات، وأن السلطان تبسّم لهذا الجواب وقال لكاتبه ووزيريه: تحذروا يا ناس وتنبهوا، إن الرجل يفحمكم بأجوبته.

ثم يشير القسيس إلى استنتاجه بأن سبب امتناع السلطان وقومه عن التدخين هو أنهم من الوهابيين! وهنا يقع أثناسيوس مرةً أخرى في الخلط بسبب ضعف معلوماته الدينية والتاريخية عن المنطقة، وربما بسبب ديانته المختلفة، حيث يعتقد أن كل من لا يدخن أو يمتنع عن المحرمات فهو بالضرورة وهّابي، وقد يكون لما سمعه من قصص وأحداث مرتبطة ببلاد الشام والعراق وعلاقتها بنجد دورٌ في ذلك.

الحرية الفكرية

ويتحدث القسيس أثناسيوس عن مناخ الحرية الفكري في بلاط السلطان فيصل حيث يذكر:     ” وكأن أحد الوزيرين والكاتب يسألاني عن القرآن والإنجيل ويجادلاني في قضية الدين، فطال الجدال بنا وقد التزم الجميع الحشمة والأدب مع الحريّة التامّة في هذا البحث أمام السلطان، وهو يظهر على نفسه أمارات البشاشة والفرح من الجدال. وكان أحد الوزيرين يكثر من طرح الأسئلة فأعطيته الجواب عنها كلّها، فقال له السلطان: يا عليّ، إنك تفتح أبوابًا ولا تدري كيف تقفلها”.

” وكأن أحد الوزيرين والكاتب يسألاني عن القرآن والإنجيل ويجادلاني في قضية الدين، فطال الجدال بنا وقد التزم الجميع الحشمة والأدب مع الحريّة التامّة في هذا البحث أمام السلطان، وهو يظهر على نفسه أمارات البشاشة والفرح من الجدال. وكان أحد الوزيرين يكثر من طرح الأسئلة فأعطيته الجواب عنها كلّها، فقال له السلطان: يا عليّ، إنك تفتح أبوابًا ولا تدري كيف تقفلها”.

ويبدو أن عليّ المقصود هو السيد علي بن سالم بن ثويني وكان من الشخصيات المقرّبة من السلطان فيصل، وقد تزوج ولي العهد وقتها السيد تيمور بن فيصل من ابنته السيدة فاطمة بنت علي بن سالم والدة السلطان سعيد بن تيمور.

ويضيف أثناسيوس في معرض حديثه عن الحرية الفكرية في بلاط السلطان فيصل قائلًا: “وكدنا لا نصدّق أن حرية الأديان مطلقة في هذه البلاد إلى هذه الدرجة، حتى إن للبروتستانت مكتبة دينية في سوق البلدة يبيعون فيها كل الكتب التي تضاد معتقدات المسلمين، مثل كتاب إسحق الكندي، وميزان الحق، وغيرها، وليس من معترض، ولا مانع”.

“وكدنا لا نصدّق أن حرية الأديان مطلقة في هذه البلاد إلى هذه الدرجة، حتى إن للبروتستانت مكتبة دينية في سوق البلدة يبيعون فيها كل الكتب التي تضاد معتقدات المسلمين، مثل كتاب إسحق الكندي، وميزان الحق، وغيرها، وليس من معترض، ولا مانع”.

ولعل أثناسيوس ليس الرحّالة الوحيد الذي كتب عن تسامح السلطان فيصل الفكري، فقد سبقه عدد من الرحّالة وزوار مسقط من الصحفيين والعلماء ومن بينهم الصحفي قاسم الهمايوني، والمفكّر الشيعي هبة الله الشهرستاني الذي تناول لقاءه بالسلطان فيصل أثناء زيارته إلى مسقط سنة 1912، والنقاشات التي دارت في مجلس السلطان، وتأليفه مخطوطة بهذا الشأن سماها (فيصل الدلائل في أجوبة المسائل).

وداع السلطان

كما لم يفت القسيس أثناسيوس أن يصف وداعه للسلطان ووصف مظهره وسجاياه: ” ومن ثم استأذنت السلطان في الذهاب، فخرج من الردهة مشيّعًا إياي حتى السلّم كما استقبلني. فرجعت إلى آسييريا فرحًا من مشاهدة هذا الحاكم اللطيف الليّن العريكة والحسن الشمائل. وله لحية خفيفة، وهو رشيق الحركة، وعمره بين الثلاثين والثلاث والثلاثين، والمسموع أنه محبوبٌ بين رعاياه”.

” ومن ثم استأذنت السلطان في الذهاب، فخرج من الردهة مشيّعًا إياي حتى السلّم كما استقبلني. فرجعت إلى آسييريا فرحًا من مشاهدة هذا الحاكم اللطيف الليّن العريكة والحسن الشمائل. وله لحية خفيفة، وهو رشيق الحركة، وعمره بين الثلاثين والثلاث والثلاثين، والمسموع أنه محبوبٌ بين رعاياه”.

بيوت مسقط ومنتجاتها

تطرق مار أثناسيوس أغناطيوس إلى وصف مسقط من حيث بيوتها ومنتجاتها الزراعية، حيث ذكر أن بيوتها جميلة المنظر، فسيحة، لها طبقتان عاليتان، كثيرة المنافذ، وفيها زهاء مائتي دار، وأنه على مسافة ميلين منها تقع قرية أخرى تدعى مطرح، وعدد سكانها أكثر من سكان مسقط، وأنه يكثر في برّ مسقط النخل والرمان والليمون البصري الحامض وهو بحجم الجوزة، وكذلك البصل والشعير.

كما أشار إلى أن بساتينها تسقى من مياه الآبار، وأن السفينة (آسيريا) شحنت كثيرًا من تمر هذه البلدة إلى بومباي، ومنها إلى أميركا ضمن صناديق.

صورة لمسقط عام 1910.


شبكة المعلومات العالمية

الوداع

يختم القسيس مار أثناسيوس أغناطيوس نوري حديثه عن مسقط بفقرة تتناول سؤاله للسلطان فيصل بعد أن رأى شناعة موقع مسقط بين الجبال القاحلة السوداء من وجهة نظره: أضاقت بكم الدنيا حتى سكنتم في هذا المكان؟ وأن السلطان أجاب: إنه وطننا، ومحبوبٌ لدينا مهما كان.

المرجع

  • نوري، مار أثناسيوس. رحلة إلى الهند، تقديم نوري الجرّاح، دار السويدي للنشر والتوزيع، ط1، أبوظبي، 2003.

Your Page Title