تاريخ عمان

قبل نحو 60 عامًا:  قصة الهروب الكبير من سجن الجلالي

قبل نحو 60 عامًا:  قصة الهروب الكبير من سجن الجلالي
قبل نحو 60 عامًا:  قصة الهروب الكبير من سجن الجلالي قبل نحو 60 عامًا:  قصة الهروب الكبير من سجن الجلالي

أثير- تاريخ عمان

إعداد: د.محمد بن حمد العريمي


قلعة الجلالي

كانت قلعة الجلالي تعد السجن المركزي في البلاد الذي یسجن فيه أهم السجناء مثل معارضي الحكومة وكبار المجرمین في الدولة، حیث یوجد بها غرف خاصة للمعارضین، كما كانت توجد غرفة واسعة للجنود الذین یعملون في القلعة بالإضافة إلى مجموعة من الغرف الكبیرة للسجناء الآخرین وكل منها تضم من 10 إلى 14 سجینا.

جرت العديد من الأحداث التي ارتبطت بتاريخ هذا السجن، كما مرّ عليه العديد من الشخصيات السياسية البارزة على مدار القرون الماضية منذ بناء القلعة في منتصف القرن السادس عشر، كما ارتبطت به العديد من الأساطير والقصص التي تحكي عن جانبٍ مما كان يحدث في كواليسه.

في هذا التقرير تصحبكم “أثير” للتعرف على إحدى قصص الهروب من هذا السجن الرهيب، والتي أطلق عليها ” الهروب الكبير”، حيث سنتعرف على تفاصيل الواقعة والأساليب التي استخدمها السجناء، ومصير ذلك الهروب!

قصة الهروب الكبير

حدثت القصة في فبراير عام 1963م عندما قرر مجموعة من السجناء الهروب الجماعي من سجن الجلالي. وقد تناول عدد من المصادر العربية والأجنبية حادثة الهروب هذه من بينها: مذكرات الرائد لال بخش بن مراد البلوشي، وكتاب “عمان المجهولة” لويندل فيليبس، وكتاب الحياة الاجتماعية والاقتصادية لولاية مسقط من إعداد الدكتور سليّم الهنائي، والمذكرات الشهرية لمسقط عام 1963، وكتاب Historical Muscat لمؤلفه جي بيترسون JE Peterson.

ويشير ويندل فيليبس في كتابه “عمان المجهولة” إلى أنه في يوم 14 فبراير عام 1963 وقعت أول محاولة لعملية هروب المساجين من سجن الجلالي، ولم يكن عدد المساجين في كل زنزانة يزيد عن 10 أو 15 سجينًا، إلا أن الذين حاولوا الهرب في هذه الحادثة كانوا 44 سجينًا وكانوا خليطًا من القتلة ومهربي الأسلحة، وكانوا قد وضعوا كلهم في زنزانة واحدة لإفساح المجال لترميم السجن، وكانت القيود في أقدام السجناء لا أيديهم. وقد اكتشف المعتقلون أن مجموعة منهم يمكنها أن تحل القيود التي وضعت في أرجلهم.

أحداث شهر فبراير في المذكرات الشهرية لمسقط

خطة الهروب

أعدت خطة الهرب بحسب ما ذكر فيليبس إعدادًا متقنًا، ولم يشترك فيها أحد من الحراس. ويبدو أن إحدى فوهات المدافع المنصوبة في الحائط الرئيس للبرج كانت فارغة، وعن طريقها تمت المحاولة.

وقد استعان المعتقلون بالقضبان الحديدية المتينة في عجلات المدفع لحفر الممر أثناء الليل، وفي النهار كانوا يعودون إلى حشوها بالملابس القديمة لتبدو الفتحة مسدودة. وكان المعتقلون يتسلّمون مخصصاتهم الغذائية في أكياس من الخيش ولذلك أخذوا يحلّونها ويصنعون من فتائلها حبالًا ليستخدموها في الهرب.

ويذكر الرائد لال بخش بن مراد بخش البلوشي وهو أحد الضباط الذين عملوا لفترة في قلعة الجلالي، في مذكراته غير المنشورة أنه ” في الفترة التي سبقت تولیتي منصب مسؤول في الجلالي, كان أحد السجناء يقوم بالتخطیط هو ومن معه من السجناء للهروب من السجن وذلك من خلال أنهم كانوا یقومون بكسر جزء من جدار السجن كل یوم بالتدریج, ویكملون في الیوم التالي وهكذا. كان أحد جدران السجن مواجهًا للبحر, وبعد عملیات الكسر المتواصل تمكنوا من إحداث فتحة في الجدار, كما قاموا بإستخدام الأغطیة التي یتغطون بها أثناء النوم وصنعوا منها حبالا, وكانت كل هذه الأفكار والخطط لزعيمهم……”.

” في الفترة التي سبقت تولیتي منصب مسؤول في الجلالي, كان أحد السجناء يقوم بالتخطیط هو ومن معه من السجناء للهروب من السجن وذلك من خلال أنهم كانوا یقومون بكسر جزء من جدار السجن كل یوم بالتدریج, ویكملون في الیوم التالي وهكذا. كان أحد جدران السجن مواجهًا للبحر, وبعد عملیات الكسر المتواصل تمكنوا من إحداث فتحة في الجدار, كما قاموا بإستخدام الأغطیة التي یتغطون بها أثناء النوم وصنعوا منها حبالا, وكانت كل هذه الأفكار والخطط لزعيمهم……”

.

ويضيف الرائد لال بخش أنه “كان أحد قوانین السجن في قلعة الجلالي أن تقفل جمیع أبواب السجون بعد المغرب بحیث یكون السجناء معزولین تمامًا عن الجنود حتى صباح الیوم التالي ولا یأتي الجنود إليهم أبدا, وبالتالي في حالة اذا احتاج أحد السجناء أي شي فیجب علیه الصبر حتى الیوم التالي لیحصل على ما یرید، ومن جانب آخر استفاد بعض السجناء من ھذا القانون وكان في مصلحتهم, وبالفعل ففي إحدى اللیالي استطاعوا الهروب من خلال تلك الفتحة التي صنعوها في الجدار, أما الحبال التي قاموا بصنعها فاستخدموھا للنزول من القلعة حیث كانت القلعة مرتفعة جدا والجدران التي أرادوا الهرب من خلالها كانت مطلة على البحر, لذلك كان من الضروري استخدام الحبال”.

“كان أحد قوانین السجن في قلعة الجلالي أن تقفل جمیع أبواب السجون بعد المغرب بحیث یكون السجناء معزولین تمامًا عن الجنود حتى صباح الیوم التالي ولا یأتي الجنود إليهم أبدا, وبالتالي في حالة اذا احتاج أحد السجناء أي شي فیجب علیه الصبر حتى الیوم التالي لیحصل على ما یرید، ومن جانب آخر استفاد بعض السجناء من ھذا القانون وكان في مصلحتهم, وبالفعل ففي إحدى اللیالي استطاعوا الهروب من خلال تلك الفتحة التي صنعوها في الجدار, أما الحبال التي قاموا بصنعها فاستخدموھا للنزول من القلعة حیث كانت القلعة مرتفعة جدا والجدران التي أرادوا الهرب من خلالها كانت مطلة على البحر, لذلك كان من الضروري استخدام الحبال”.

نزل السجناء من خلال ذلك الحبل وتمكنوا من الهرب بنجاح، كان عددهم حوالي 14 سجینا ولكن بقي شخص واحد لم يهرب معهم، وكان هذا الشخص رجل كبیر في السن فما كان من السجناء إلا أن قاموا بربطه وربط فمه، ثم هربوا وعددهم 13 سجينًا بدون ذلك الرجل المسن.

أما فيليبس فيشير إلى أنه قد تخلف أربعة من المعتقلين عن الهرب لكبر سنهم ولكن زملائهم شدوا وثاقهم على مشهد منهم ، وقد ادّعى هؤلاء الأربعة فيما بعد بأنهم ضربوا بعد شد وثاقهم، وقد وجد الحبل الذي استخدمه المعتقلون للنزول محلولًا أسفل الحائط، وكان السؤال المحيّر: كيف استطاع آخر المعتقلين النزول وحلّ الحبل في نفس الوقت!

قبل نحو 60 عامًا:  قصة الهروب الكبير من سجن الجلالي
قبل نحو 60 عامًا:  قصة الهروب الكبير من سجن الجلالي قبل نحو 60 عامًا:  قصة الهروب الكبير من سجن الجلالي

ما بعد الهروب

بحسب مذكرات الرائد لال بخش بن مراد بخش البلوشي فقد مثلت هذه الحادثة أول عملیة هروب من نوعها تحدث في هذا السجن وهي بمثابة كارثة للحكومة أن يهرب أخطر المجرمین والمطلوبین من أكبر وأهم سجن في البلاد.

هرب السجناء بعد أن قفزوا بالحبال من الجانب الآخر اتّجاه البحر, ومن هناك أخذوا بالفرار إلى أماكن مختلفة في أنحاء مسقط لینجوا بأنفسهم, ولكن أغلب هؤلاء الهاربين من خارج مسقط, لم یكونوا على درایة بالمنطقة فأغلبهم ینتمي إلى الثوار الذین كان یحظر عليهم دخول مسقط, فمنهم من هرب متجها نحو الجبال، ومنهم من اتّجهَ نحو الأسواق والأحیاء السكنیة، حيث تمكن أحد الأشخاص هناك من معرفة حقیقة كونهم سجناء هاربين وذلك من خلال مظهرهم وتصرفاتهم والسلاسل التي كان تكبّلهم.

ويذكر ويندل فيليبس أن السجناء نزلوا على الصخور التي أسفل القلعة ثم عبروا الساحل خلف القنصلية البريطانية، ثم اجتازوا الصخور حتى وصلوا إلى مقبرة الشيخ جابر حيث التقوا جميعًا هناك وتركوا ملابسهم المبلّلة. وقد سار كل شيء ضدهم منذ البداية، فقد تأخر طلوع القمر عمّا كان متوقعًا، كما كان البحر في حالة مدّ، ولهذا فعندما كانوا يمرون على الصخور اضطروا إلى السير عبر طريقٍ أكثر ارتفاعًا حيث كانت الصخور أشبه بسنان الرماح، ومن ثم فقد تركوا وراءهم أثار من الدماء التي كانت تنزف من أقدامهم وهم يسيرون في الطريق.

اكتشاف خطة الهروب

يشير ويندل فيليبس في كتابه “عمان المجهولة” إلى أنه بعد وقتٍ قليل من حادثة الهرب عثر أحد الضباط البريطانيين في سداب على بعض الهاربين وكان عددهم تسعة، كما ألقي القبض على 26 سجينًا، وقتل إثنان منهم.

وقد اكتشفت خطة الهرب في مسقط عندما انشق اثنان من الهاربين عن جماعتهم وقصدوا المدينة وأخذا يسيران في شوارعها بدون مصباح. وعند استجوابهما اعترفا أنهما هربا من الجلالي مع 42 سجينًا، وعلى الفور بدأت الدوريات القريبة من المنطقة تعقبهم، وكان كل سجين يحمل معه رزمة من أكياس الطعام، وكثيرٌ منهم غرباء على المدينة وتنقصهم خطة للعمل خارج المنطقة.

لم يتلق السجناء أية مساعدة من الأهالي، وعند قيامهم بعملية الهرب الكبير كان معظم جنود السلطان خارج البلاد يقومون بالتدريبات العادية، ولكنهم سرعان ما أبلغوا وقسموا إلى مجموعات صغيرة ورابطوا على كل المنافذ المؤدية إلى المدينة.

أما لال بخش البلوشي فيذكر أنه بدأ انتشار الخبر بهروب سجناء من سجن قلعة الجلالي, وتوجه أحد الأشخاص مباشرة إلى السید شهاب آل سعید حاكم مسقط وأخبره بأمر الرجلین الذین رآھما في السوق واشتباھھم بأن یكونوا سجناء ھاربین, وقام السید شهاب مباشرة بالاتصال بالرقیب الأول خمیس البلوشي مسؤول القلعة, وأشار إلى وجود شخصین مقیدین بالسلاسل في السوق، وكان السيد يريد التأكد ھل هم حقًا من السجناء الھاربین أم ماذا, فأجابه الرقیب أول خمیس قائلا: إنه یصعب على السجناء الهروب وذلك لأنهم یقفلون جمیع أبواب قلعة الجلالي بإحكام مع وجود حراسة أمنیة, ولكن السید شهاب أمر بإلقاء القبض على هذين الرجلین بالسوق وتم الإمساك بهم والإمساك أیضا بشخص ثالث هارب في السوق، كان یبدو واضحًا عليهم أنهم من بين الهاربين فقد كان مظهرهم والسلاسل التي تقيدهم دليلا على ذلك, وبعد أن تم التحقيق معهم انكشف أمرهم وتم التعرف على السجن الذي ھربوا منه, فتوجه أفراد الجیش إلى السجن المقصود وعثروا على ذلك الرجل العجوز مقیدًا, وعثروا أیضًا على تلك الفتحة في الجدار التي هربوا منها.

في الیوم التالي من هذه الحادثة, أصبح خبر هروب السجناء ینتشر بسرعة بین الناس, وبدأت عملیات البحث عنهم من قبل الجیش والشرطة. وكان من المفترض أن تكون مهمة البحث عن السجناء من مسؤولیة الشرطة فقط إلا أن الجیش ساعد أیضا في مهمة البحث, حیث قام الجنود الجدد بالمشاركة أیضا في هذه العملیة وكذلك شأن المواطنين الذين تكاتفوا جمیعا للعثور على السجناء الهاربين، إلا أن السجناء لم یتمكنوا من العبور خارج مسقط, لذلك تم القبض عليهم بعد ثلاثة أیام من هروبهم باستثناء سجین واحد لم یكن بالشخص السهل الذي یمكن العثور علیه بسهولة وهو زعيمهم وصاحب فكرة الهروب.

هروب الزعيم

يذكر الرائد لال بخش بن مراد أن محاولات العثور على صاحب فكرة الهروب الجماعي فشلت، ولم یستطع أحد أن یعرف إلى أین قد ذهب، وسبب تمكنه من الهروب بسهولة وعدم العثور علیه هو معرفته الكبیرة بالطرق والمناطق المختلفة في البلاد، وبالتالي تمكن من الاختفاء عن أعین الجمیع والهروب بنجاح, بینما البقیة كانوا يجهلون الطرق التي تؤدي للعودة إلى مناطقهم التي أتوا منها.

ويضيف: “وبعدها أصبحت أنا في منصب مسؤول القلعة وبعد مضي ثلاثة أشهر من عملي كمسؤول في القلعة, تلقینا خبر إلقاء القبض عليه في المنطقة الحدودیة مع دولة الإمارات, وهذا یدل على ذكائه ودهائه وشجاعته حیث استطاع الوصول إلى هناك وكان هدفه أن یتوجه إلى دبي”.

“وبعدها أصبحت أنا في منصب مسؤول القلعة وبعد مضي ثلاثة أشهر من عملي كمسؤول في القلعة, تلقینا خبر إلقاء القبض عليه في المنطقة الحدودیة مع دولة الإمارات, وهذا یدل على ذكائه ودهائه وشجاعته حیث استطاع الوصول إلى هناك وكان هدفه أن یتوجه إلى دبي”.


المراجع

  • الأرشيف الرقمي للخليج العربي، “المذكرات الشهرية لمسقط” عن الفترة بين ديسمبر 1962 ونوفمبر 1963، ملف FO 371/168686، https://www.agda.ae
  • فيليبس. ويندل. عمان المجهولة، ترجمة محمد أمين عبد الله
  • مذكرات الرائد لال بخش البلوشي. نسخة إلكترونية غير مطبوعة من أرشيف ابنه عدنان بن لال بخش البلوشي.
  • الهنائي، سليّم بن محمد. ولاية مسقط الحياة الاجتماعية والإقتصادية، مشروع جمع التاريخ المروي، وزارة التراث والثقافة، مسقط، عمان،
  • JE Peterson. Historical Muscat، Publisher, BRILL, 2008
  • الأرشيف الرقمي للخليج العربي، “المذكرات الشهرية لمسقط” عن الفترة بين ديسمبر 1962 ونوفمبر 1963، ملف FO 371/168686، https://www.agda.ae

https://www.agda.ae

  • فيليبس. ويندل. عمان المجهولة، ترجمة محمد أمين عبد الله
  • مذكرات الرائد لال بخش البلوشي. نسخة إلكترونية غير مطبوعة من أرشيف ابنه عدنان بن لال بخش البلوشي.
  • الهنائي، سليّم بن محمد. ولاية مسقط الحياة الاجتماعية والإقتصادية، مشروع جمع التاريخ المروي، وزارة التراث والثقافة، مسقط، عمان،
  • JE Peterson. Historical Muscat، Publisher, BRILL, 2008


Your Page Title