أثير- موسى الفرعي
هناك أشكال كثيرة للنقاء الإنساني، وأوجه كثيرة للصداقة الصافية، من أهم تجلياتها سعادة علي الجابري وكيل وزارة الإعلام الذي أعلن عن تقاعده مودعا المكاتب، واعدا بتواصله مع الأصدقاء والعمل الإعلامي، وهو من القلة التي تتقن ترك أثر رائع في القلب وذكرى صافية في الذاكرة، فمنذ عرفته وهو يقدم ابتسامته وطيب اللقيا افتتاحية علاقة وهوية إنسان، رجل وطني سخر إمكاناته الإعلامية الهائلة في خدمة هذا الوطن، فكان الصوت الذي أدمنته المسامع العمانية خلال مسيرة عملية حافلة بالعطاء والإنجازات، فكان الإنسان المخلص لقيمته الإنسانية الكبيرة ولعلاقاته الإنسانية التي أقنعت كل من تعامل معه، وكان نعم الأستاذ الذي ترك مدرسة إعلامية تتعلم منها الأجيال بلغة صافية وإيمان شديد بالرسالة الإعلامية التي تعد من أهم أدوات رفع المستويات الثقافية للفرد والمجتمعات على حد سواء، فكان الإعلام هو المرآة العاكسة لسلوكيات ووجدان إنسان وإعلامي قد امتزجا وتفاعلا في سبيل تحقيق الهدف السامي الذي ينشده الإعلام من خلال التأثير الإدراكي باختلاف النواحي وتعدد المدارك.
سعادة علي الحابري من القلة الذين نقف في حضرتهم لنكتب أن ما نريد الكتابة عنه يتجاوز حدود اللغة المسخدمة، وأن مقاسات الأحاسيس التي تدفقت خلال هذه الفرصة الزمنية أكبر من أن تقال، لكن سعادته يعطي درسا يضاف إلى قائمة القلة الكرام مفاده أن المناصب زائلة والكراسي القابلة للدوران قادرة على عكس عشرات الأوجه، ولكن الأثر الطيب وحسن المعشر لا تنتجها إلا الإنسانية الحق، وذلك هو المحرك لعمله ووجوده، لذلك نجد القلوب المتفقة على محبته أكثر من الكلمات التي كتبت بها خطابات الشكر والرسائل الرسمية، ولو تمكنا من رصد إحصائية لذلك لوجدنا أن أكثر هؤلاء المحبين لا علاقة مباشرة تربطهم به، ولا مصالح محركة لهم، لكنهم أبصروا نعم الإنسان فصدّقوا قلوبهم وعقولهم وكتبوا إليه.
ها هو يترك عمله الإداري الذي شغله بحرفية ومهنية عالية، دون انتظار أن يصاب بشيخوخة العطاء، بل لأنه يؤمن بتجديد الدماء، وأن وجوده وعطائه الإنساني وواجبه الوطني لا تحده الغرفة المغلقة، وليس رهنا بالألقاب والمناصب، نعم كان الأستاذ الذي تتلمذت على تجربته الكثير من الأسماء وتعاقبت عليها الأجيال، وبقي رقما صعبا في الساحة الإعلامية العمانية، وكان نعم الصديق الممتلئ بالوفاء والإخلاص، فمهما كتبنا لا نفي هذا الرجل حقه من المحبة والإيمان به، لكننا على يقين أنه يستشعر ما تخفيه له الصدور من محبة، وأن ما نعتقده فيه أهم وأجمل من قدرتنا على التعبير عنه، حسبنا إذًا شعوره وإحساسه بما نريد أن قول، وحسبنا أن التدفق الذي يجول في داخلنا أكثر صفاءً إلى الحد الذي تقف فيه اللغة الحاضرة عن التعبير عنه.