أثير – مكتب أثير في تونس
حاوره: محمد الهادي الجزيري
اليمن السعيد، تجده في بسمة ضيفي وقدرته على التحمّل والصبر، ذاك هو قدر الكاتب والصحفيّ اليمنّي في هذه الفترة الحرجة التي تمرّ بهذا البلد العربي، هذه فاتحة أولى لحوار صريح مع الشاعر جميل مفرّح حول ما يجري في اليمن وما يحدث الآن للمواطن والوطن..

ـ كيف هي ظروف العمل عندك أنت؟ ولدى الصحفيين اليمنيين والحرب تأكل كلّ شيء؟
لم يعد هناك من عمل يا صديقي لتكون له ظروف.. منذ اندلاع الأزمة واشتعال الحرب، سقطت مملكة الصحافة في اليمن، وذلك بتعطل مؤسساتها وتوقف منابرها، ليجد الصحفيين أنفسهم في قلب الفراغ والهامش من جهة، وفي معترك الحاجة والخوف من جهة أخرى…
لأنها لم تكن متوقعة فقد صنعت الحرب في اليمن ما لم يكن متوقعاً أو يخطر في الحسبان، حولت كل شيء ذي قيمة إلى هشيم تذروه البغضاء والفرقة والانتقام.. تعطلّ كل شيء حتى الأحلام لليمنيين عامة وللكتاب والمثقفين والصحفيين خاصة.. فكثيرون من هؤلاء تحجّمت مشاريعهم الضخمة وتضاءلت هواجسهم المتعالية حتى غدت لا تبارح الجوع والخوف..
ـ ماذا ظلّ في نفسك من سنة 2015 حين دعيت لمهرجان أثير الشعري؟ كم صورة رسخت في رأسك؟ وكم نسجت من علاقة لك مع أصدقاء عمانيين وعرب؟
كانت تجربة مهمة بكامل تفاصيلها ابتداء من صعوبة السفر في ظل الحرب وظروفها، ومروراً بالصداقات المكتسبة ومن بينها صداقة شاعر نبيل مثلك وشعراء عرب آخرين سعدت وشرفت كثيراً بمعرفتهم وفي مقدمتهم الشاعر الجميل صلاح أبولاوي والشاعر والروائي المبدع أحمد أبو سليم اللذان استضافاني بعد المهرجان في فعاليات وجلسات وصالونات إبداعية في العاصمة الأردنية عمان.. ومن لبنان أتابع الشاعر روحاً وكتابة الدكتور مهدي منصور ورحلاته المكوكية.. ومن العراق الدكتور عارف الساعدي الذي يبهرني مؤخراً، إلى جانب تألقه الإبداعي، نشاطه الأكاديمي وفاعليته الثقافية الخلاقة.. وأيضاً الشاعر حسن شهاب الدين من مصر أتابع تجلياته وجديده وأقرأ له كثيراً.. ومثل كل هؤلاء وأكثر أتتبع الصديق الناقد والكاتب العراقي الدكتور حسن مجاد الذي أتوق دائما إلى قراءة كتاباته وإطلالاته من نوافذ التواصل الاجتماعي فأتتبع ما أدرك منها..
من ناحية أخرى كان المهرجان فرصة جديدة لأؤكد انطباعي تجاه الشعب العماني، كشعب متطلع وشغوف تجاه كل ما هو ثقافي، العمانيون شعب ودود محب للسلام.. وهذا يميزهم كثيراً عن بقية الشعوب العربية..
ـ سنة 2003م حزت جائزة رئيس الجمهورية للشباب في مجال الشعر، فهل كان لهذا التتويج وقع عليك وعلى مسيرتك الشعرية؟ أم ثمّة عوامل أخرى أثرت فيك وفي مجراك الإبداعي؟
جاءت هذه الجائزة في خضم نشاط إبداعي متواصل وطموح على الجانب الشخصي، وفي قلب حراك ثقافي متميز على مستوى الساحة الوطنية داخل اليمن، منابر ومؤسسات ثقافية حافلة بالأنشطة وصحافة ثقافية متخصصة، وإنتاج ثقافي وإبداعي ثر وغزير لم يحدث من قبل، وقد استفدت بشكل شخصي من التواصل والوصول إلى خارج الوطن عبر نشر النصوص والكتابات في أبرز المنابر والإصدارات العربية الرائجة ثقافياً كمجلة نزوى العمانية التي يرأس تحريرها شاعر عماني أفخر كثيراً باكتساب صداقته وهو الشاعر الجميل سيف الرحبي، إضافة إلى مجلات وصحف ثقافية أخرى كالعربي والرافد ودبي الثقافية والفيصل وأخبار الأدب والنص الجديد والكويت وغيرها التي استطعت بمثابرة دائمة أن أطل من خلالها بإنتاجي على واقع الكتابة الجديدة وحراك المشهد الأدبي…
ـ وأنا أقرأ نبذة حياتك راعني توقّف إصداراتك مع (ربطة عنق أنيقة -نصوص- 2013م)
فماذا جرى لتراكم التجربة وبقاء على الرفّ (4 كتب شعرية ونصيّة وكتاب مقالات صحفية) دون صدور، أشمّ رائحة الحرب والدمار والفقر والضياع، حدّثني عن اليمن كيف كان وكيف هو اليوم؟
نعم يا صديقي إنها الحرب.. وليس سوى الحرب ما عطل الحياة عموماً فما بالك بالحراك الثقافي والأدبي الذي أصيب بمقتل، فقد تعطلت أدواته وهدمت منابره وانعدمت تقريباً منتوجاته.. ولكنها ربما استفاقت نسبياً في القريب، بعد امتداد واستطالة الحرب، وعاد شيء من حضورها ولكنه حضور خجول لا يكاد يذكر بما كان عليه الحال في السابق.
شهد اليمن منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي كما أسلفت حراكاً ثقافياً نوعياً كان وما يزال له الأثر الأكبر في تمثيل الثقافة اليمنية وإعادة تشكيل صورتها في المشهد الثقافي العربي، فترة أنتجت المئات من الأسماء الإبداعية والتجارب الجديدة والمتجددة والكتاب المتميزين الحاضرين تقريباً على المستوى العربي والدولي.. ثم جاءت الحرب لتهدم وتعطل كل شيء جميل وذي قيمة في الوطن، بما في ذلك المنجز الثقافي الذي تنامى طوال أكثر من عقدين حتى وصل الأوج، فأصرت الحرب إلا أن يتهاوى من أعاليه ويقع على رأسه…
ـ هل لديك صداقات مع أدباء عمانيين.. رغم الحرب الكارثية التي يعرفها اليمن؟
- نعم من أوائل أصدقائي الشاعر الكبير سيف الرحبي والشاعر طالب المعمري والشاعر المشاكس والرائع خميس قلم ومسك الختام الشاعر الجميل صديقنا المشترك عبدالله العريمي.. تعرفت على هذا الشاعر المبدع في مناسبة ثقافية في الشارقة، لفت انتباهي ذات مرة بصوته الإذاعي الجميل وإلقائه الأنيق، لأتعرف بعدها على شاعر مبدع ومؤثر في كل شيء حتى في علاقاته وصداقاته…
ـ الأكيد أنّ شاعراً مثلك ..من المستحيل أن يتوب عن الكتابة ..فما الذي يقترفه اليوم ..في الفترة الأخيرة من نصوص وقصائد؟
أكتب نعم.. بمجرد أن أخلو بنفسي لا أقبل الاعتراف بالعزلة والانطواء عن العالم، أعد ذلك من الهزائم التي لم أخلق وأوجد من أجلها.. أكتب وأطل على العالم لأعيد تشكيله وفق ما أراه مثالياً.. أقتحم الأسوار الشائكة والمنغصات وأركل كل أسباب الفشل وأمضي في الكتابة، لديّ كتابان شعريان وآخر نصوص حرة وثالث لمقالات صحفية ثقافية.. هذا ما دافعت نفسي بعصا القسر واستطعت تجميعه وتنسيقه في شكل كتب.. ولدي عزم على القيام بعملية مماثلة لبقية النصوص والكتابات المتناثرة، وفي انتظار الانتصار لها على نفسي من نفسي…