الأولى

ما علاقة عمان بالعرب البائدة؟

مسقط-أثير

إعداد:عبد العزيز بن عبدالله السعدي– باحث في التاريخ العماني

لا تخفى أهمية علم التاريخ باعتباره سجلا حاويا للحرك البشري، إذ هو يسجل حركة البشرية في جوانبها السياسية، والعسكرية، والاجتماعية، والفكرية، والعلمية، والاقتصادية، إلى غير ذلك من أمور الحراك البشري على ظهر هذه المعمورة، لذلك أطلق على علم التاريخ أبو العلوم؛ لأنه كاشف لها. من هذا المنطلق أرتأيت أن أضع مقالاً مصغراً فريداً في نوعه عنوانه عمان والعرب البائدة، وسيكشف المقال بعض الجوانب التاريخية للعرب البائدة في عمان.

أولا: أقسام العرب.

ينقسم العرب إلى ثلاثة أقسام، هم:

–العرب العاربة: وهم عرب الجنوب وعرفوا بالقحطانيين نسبة إلى قحطان بن عاثر.

–العرب المستعربة: وهم عرب الشمال وعرفوا بالعدنانيين سكان الحجاز، وهم بدو رحل حتى أنهم عرفوا باسم “أهل الوبر”، وينتسب العدنانيون إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.

– العرب البائدة وهو إطار البحث فسموا بذلك؛ لأنهم أبيدواولم يصلنا شيء من آثارهم، إلا ما ذُكر في القرآن الكريم، وأشهر قبائلهم: عاد وثمود وطسم وجديس. وارتبط ذكر قوم عاد بعمان بشكل مباشر؛ لأنه يعتقد بأنهم سكنوا عمان قديما، فقد كانت منازلهم بالأحقاف في صحراء الربع الخالي من عمان، واشتهر قوم عاد بقوة الأجسام، وكان يطلق عليهم بالعماليق، ولعل هذ اللقب يطلق على جميع العرب البائدة، وقد وصفت القبائل المعاصرة لقوم عاد بأنهم جبارين في الأرض، وهذا ما برهن عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: “ أتبنون بكل ريع آية تعبثون، وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون، وإذا بطشتم بطشتم جبارين، فاتقوا الله وأطيعون“.

ولم يعين القرآن الكريم موضع الأحقاف، وإنما عينهالمفسرون ، فقد عدّوا الأحقاف جزءًا من مملكة قوم عادويقول الحموي في الأحقاف: ” هي جمع حقف من الرمل، والعرب تسمي الرمل المعوج حقافاً، والأحقاف المذكورة في القرآن تقع بين عمان وحضرموت”.

لقد سكن قوم عاد منطقة ( أوبار) أو (وبار)، ووبار هذه ليست اسم مدينة وإنما كانت أرضا واسعة، ومن الممكن القول بأن الأحقاف جزء من وبار. كما ورد ذكر عاد في تاريخ بطليموس، وأن اسم عاد مقرون باسم إرم في كتب اليونان، فهم يكتبونها ” أدراميت” ADRAMITAE، وتؤيد الكتب اليونانية تسمية القرآن الكريم لها “بعاد إرم ذات العماد“.

أما عن عبادة قوم عاد فقد كانوا أهل أوثان، ولهم ثلاثة أصنام رئيسية هي: صداء، وصمود، والهباء، وكان أشهر ملوكهم شداد بن عاد ، والذي تميز بقوته وجبروته كما أن له أعمالًا عديدة في الجوانب المعمارية على حد وصف القزويني.

قوم عاد ونفوذهم في عمان

يقال بأن عاد المذكورة في القرآن الكريم في قوله تعالى ” ألم ترى كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد” هي عاد الأولى، وتنسب إلى عاد بن إرم بن عوص بن سام بن نوح، أرسل الله إليهم نبيههود عليه السلام، ويوجد في الحدود مع جمهورية اليمن وادٍ يقال له: (برهوت) بالحميرية، ويعني بر هود حيث إن الدال تنطق في الحميرية بلفظ التاء، وذلك دليل على وجودقوم عاد الأولى والثانية في عمان، كما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى ” واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين”.

وبذلك تكون قوم عاد هي أول الأمم التي قامت بعد الطوفان الكبير في عهد نبي الله نوح عليه السلام، ولا اختلاف على أن مساكن قوم عاد هي عمان وحضرموت،ويؤكد المؤرخ ابن الأثير هذا الأمر بقوله وكانت مساكن قوم عاد بين عمان وحضرموت والشحر، وكانوا جبارين طوال القامة).

إلا أن مناطق نفوذهم لم يتم تحديدها، ويمكن الظن بهامن خلال المصادر التاريخية والأثرية، ولكن هل عاد هي أول الأمم التي قامت بعد الطوفان وسكنت عمان؟ القول هنا بأن السومريين هم أول من سكن عمان، وفي الحقيقة الجواب محير، مع العلم أن الطوفان ورد في النصوص السومرية القديمة، ومن ضمنها وثيقة تحتفظ بها المتاحف البريطانية.

وعلى هذا فإن العرب البائدة من قوم عاد هم أول من عَمر عمان، وهم الذين أنشأوها. لذلك كانت نشأة عمان نشأة عربية خالصة، وبما أن قوم عاد من الأمم القديمة، وهم عرب، فهذا يقودنا إلى القول بأن اللغة العربية هي أقدم اللغات؛ لأنه من المعقول والمقبول أن يقال بأن لغة قوم عاد هي لغة قوم نوح، ولغة قوم نوح هي لغة آدم أبي البشرية عليه السلام، ولغة آدم على الأرض هي لغته في الجنة.

إن قوم عاد هم الأكثر تأثيرا في التاريخ العمانيالقديم، ويعطي وجودهم لمحة بأن أول الأمم التي نشأت بعد الطوفان نشأت في عمان، وأشار ابن هشام في تاريخه وهو من كبار المؤرخين المسلمين وأدقهم في الوصف إلى أن بلاد عاد ما بين عمان وحضرموت.

الدلائل على أن عمان هي أرض عادوفقا لمجموعة من الأدلة يمكن القول بأن عمان هي أرض قوم عاد، ومن تلك الأدلة:

1– ما ذكره المؤرخون العرب من أن قوم عاد مسكنهم بين عمان واليمن، على الرغم من غلو بعض المؤرخين ليصفوا مساكن عاد بالقرب من بلاد الشام، وهو قول مردود عليه حيث لبس عليهم لفظ إرم وأرام (الأراميون).

2– تشير المعالم الأثرية للتلال الجنوبية من ظفار إلى أنها كانت مسكنا لقوم عاد الثانية في أرض الأحقاف التاريخية، فعلى بعد 50 كيلو مترا إلى شمال من ولاية صلالة، عثر على عدة مواقع تضم مجموعة من المعالم الأثرية أهمها: بقايا مستوطنة تتكون من 20 مبنى على شكل دوائر حجرية، ومجموعة متنوعة من النقوش والكتابات الصخرية، كما تشير الدراسات ونتائج التحاليل المجهرية للأدوات المصنوعة من حجر الصوان، والتي تم العثور عليها في مناطق مختلفة من محافظة ظفار، أنها كانت تستخدم لنحت وصناعة أعمدة من أخشاب الأشجار، ووجدت هذه الأحجار الصوانية بشكل كبير في التلال والمناطق المرتفعة، وتؤكد هذه الدلائل انتشار الأعمدة الخشبية في مناطق مختلفة من أرض الأحقاف، قال تعالى ” وعاد ثمود وقد تبين لكم من مساكنهم وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل وكانوا مستبصرين”.

من الأدلة السابقة ممكن أن نتيقن قطعيا بأن عمان هي أرض عاد، وباستنادنا إلى هذا الأساس فإنه يمكن الاعتماد على هذا المبدأ في حل الكثير من الألغاز التاريخية، كما يتضح أن عمان هي من أوائل الدول التيقامت بعد الطوفان العظيم.

نهاية قوم عاد.

يذكر لنا القرآن الكريم بأن عاد هَلكت بريح صرصر عاتية، وأنها استمرت سبع ليالٍ، وثمانية أيام فأهلكت عاد على بكرة أبيها، قال تعالى: “كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر، إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر، تنزع الناس كأنهم أعجاز نخلٍ منقعر”، بالرغم من التحذير والإنذار، إلا أن القوم كانوا في ضلالهم يتمادون، حتى إنهم لم يكونوا ليدركوا ماذا يحدث عندما رأوا العذاب يقترب منهم واستمروا في تكذيبهم.

لقد رأى القوم سحابة تقترب منهم، إلا أنهم لم يفهموا ما بها وظنوا أنها تحمل الأمطار، وهذه دلالة مهمة على الكيفية التي كانت تقترب فيه الكارثة من قوم عاد؛ لأن الزوبعة الرملية أو الإعصار الحلزوني الذي يلف الرمال الصحراوية يبدو من البعيد كأنه سحابة ممطرة؛ إذًا فمن الممكن جدا أن تكون عاد قد خدعت بمظهر هذه السحابة، ولم تنتبه لحقيقة الكارثة المقبلة عليها، لقد استمرت هذه السحابة ثمانية أيام أدت إلى تكدس أطنانا من الرمال فوق مساكن قوم عاد في الأحقاف، وبذلك ينتهي وجود قوم عاد، الذين صنفوا من العرب البائدة ولم يبق لهم أثر.

المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

1. ابن الأثير، محممد بن محمد بن عبدالكريم بن عبدالواحد الجزري، (ت630هـ/1223م)، الكامل في التاريخ، تحقيق أبي الفداء عبدالله القاضي، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987م.

ابن الأثير، محممد بن محمد بن عبدالكريم بن عبدالواحد الجزري، (ت630هـ/1223م)، الكامل في التاريخ، تحقيق أبي الفداء عبدالله القاضي، ج1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1987م.

2. الحموي، شهاب الدين ياقوت بن عبدالله الرومي، (ت626هـ/1228م)، معجم البلدان، ج1، دار صادر، (د.ت).

3. الخروصي، حارث بن سيف بن حارث، تاريخ عمان بين التاريخ والاثار والجيولوجيا، مطابع النهضة، مسقط، 2009م.

4. السيابي، أحمد بن سعود، الوجيز في التاريخ العماني، الرؤيا للصفاحة والنشر، مسقط، 2018م.

5.الوجيز في التاريخ العماني، الرؤيا للصحافة والنشر، مسقط، 2018م ،

6. الشيخ، حسين، العرب قبل الإسلام، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1992م.

الشيخ، حسين، العرب قبل الإسلام، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1992م.

7. الرواس، عبد العزيز، وآخرون، عمان في التاريخ، وزارة الاعلام، لندن، 1994م.

8. زيدان، جرجي، العرب قبل الإسلام، ط2، دار الهلال، القاهرة، (ب. ت).

9. علي، جواد، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، ج1، ط2، جامعة بغداد، بغداد، 1993م.

10. العوتبي، سلمة بن مسلم، (حي القرن 5هـ/11 ميلادي)، الانساب، تحقيق محمد إحسان، ج1، ط 4، وزارة التراث والثقافة، مسقط، 2006م.

11. القزويني، زكريا بن محمد، (ت682هـ/ 1283م)، آثار البلاد وأخبار العباد، دار صادر، بيروت، (ب. ت).

12. مجموعة من الباحثين، تاريخ عمان عبر الزمان، مكتب مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية، مسقط، 2020م.

13. يحيى، هارون، الأمم البائدة، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1998م.

Your Page Title