خالد المخيني يكتب عن غلق الفجوات التأريخية

خالد المخيني يكتب عن غلق الفجوات التأريخية
خالد المخيني يكتب عن غلق الفجوات التأريخية خالد المخيني يكتب عن غلق الفجوات التأريخية

أثير- خالد بن علي المخيني، كاتب عماني

إن الانجاز الحضاري للعمانيين مقارنة بعددهم يعد كبيرا للغاية، ويهتم العمانيون بالتاريخ كثيرا فهو جزء ملازم للعماني في عاداته وتقاليده وتكوين شخصيته، وفي عمان تجد في كل زاوية ركنا من التاريخ، وحيثما يممت وجهك ترى بقايا أطلال له هنا أو هناك.

كثر التأريخ من قبل المؤرخين العمانيين الكلاسيكيين والمستشرقين والرحالة الذين مروا على هذه الأرض ووجدوا فيها أكثر مما توقعوا بسبب العزلة التي فرضتها السياسة حينا والجغرافيا في أغلب الأحيان فاحتفظت أرضها بالكثير مما أبهرهم ويمكن الكتابة عنه.
ثم أين الخلل إذا؟


تم الاعتماد في كتابة التاريخ العماني على عدد محدود من الكتب للمؤرخين الكبار، فأصبح كل ينهل منها كما هي، دون بحث في الأسباب للأحداث التي كتبت لأجلها، أو النظر في خلفية من كتبها، ومع بزوغ نهضة السبعين وتخرج العديد من طلبة العلم المتخصصين زاد معدل الكتابة عن التاريخ العماني بشكل لافت لثراء محتواه وتشعب مواضيعه، وهنا استمرت مشكلة ما تزال قائمة حتى الآن وهي عدم أخذ التاريخ والجغرافيا جملة واحدة، وكما يقول المؤرخ الفرنسي جول ميشليه بأنه بغير الأساس الجغرافي يبدو لنا أن الناس الذين يكتبون التاريخ كما لو كانوا يمشون على الهواء، وهو محق في قوله إذ لا غنى لأي مؤرخ معتبر عن الأخذ في الاعتبار تأثير الجغرافيا على صيرورة التاريخ فهي من يصدق التاريخ أو يكذبه.

إن المتتبع لتاريخ عمان المكتوب يجد تكرارا عجيبا فيه، فكل مؤرخ يأخذ من الآخر دون إضافة حقيقية، وهناك مبالغة في ذكر شخصيات بعينها، وإهمال أكبر لشخصيات محورية أخرى ربما سقطت سهوا أو قيدتها ظروف كاتب ذلك الزمان، أما التساؤل الكبير فهو تحييد الجغرافيا والسكوت عن تاريخ كثير من المناطق الساحلية من عمان!
فلماذا ننظر إلى تاريخنا بعين واحدة؟
لا يمكن أن يفهم التاريخ العماني بعيدا عن البحر، إذ إن الظهير الطارد لعمان دفعها تجاهه، وكانت المناطق الساحلية من عمان وعبر التاريخ هي من يتلقى الصدمة الأولى للغزو الخارجي بحكم موقعها الجغرافي، ولقد أسهمت تلك المناطق بالكثير في تاريخ عمان، وما خبر أسطول صور التجاري الكبير عنا ببعيد، فعلى الرغم من تعرضه للقصف والتفتيش الجائر من قبل القوى الكبرى مرات عديدة إلا أن نواخذته الكبار لم يثنهم شيء عن مواصلة واجبهم، فهم نواخذة البحر وملاحيه الذين شرقوا وغربوا طوال ثلاثة قرون، وهم من كانوا حلقة الوصل بين عمان الآسيوية وامتدادها الأفريقي في أوج ازدهارها، وهم من ضمن الإمداد التجاري لعمان إبان الحربين العالميتين والكساد الكبير بينهما.


أعجب كيف يهمل جزء مهم من تاريخ ناصع لأمة بحرية عظيمة كعمان؟ وكيف تصدر كتب ومجلدات تتحدث عن التاريخ البحري دون إشارة منصفة له سوى من محاولات فردية تحاول جاهدة إيصال صوتها حيثما بلغ؟ فيما تفتخر بلدان أخرى بربع ذلك الإنجاز أو نصيفه وتقيد له مؤسسات ومتاحف لنشره.
على الرغم من أن عمان أمة بحرية بامتياز ما زلنا لا نرى تاريخا بحريا مكتوبا لمناطق ساحلية بأكملها مثل الوسطى ومصيرة وجعلان ومسندم وساحل الباطنة خلا صحار إبان العهد الإسلامي، وجميعا شهدت أحداثا جساما وأسهمت بشكل فاعل في تسطير تاريخ عمان المجيد، فكيف يتم القفز على الجغرافيا هكذا؟


إن كشف المبهم من تاريخ هذه المناطق في بلدنا سيثري جوانب اقتصادية كبيرة للناس، وسيسمح بعمل متاحف ومزارات لأماكن الأحداث التاريخية المهمة فيها، ويعدل ميزان كتابة التاريخ العماني، شريطة ملء الفجوات الكبيرة فيه من قبل مختصين ومطلعين على التاريخ المحلي للمناطق التي ما زالت بكرا وتحتفظ بتاريخ ثري في انتظار من يبرزه ويعزز به ما لدينا الآن، ليظهر لنا مثل لوحة فسيفسائية جميلة تليق بهذا الوطن العظيم.

Your Page Title