مرمر القاسم الأنصاري من مواليد قرية أم الزينات” الفلسطينية المُهجرَة. ابنة لأم عراقية وأب فلسطيني. هذا اصدارها الثاني بعد نصوص “أوراق مهربة من الأراضي المحتلة” … “مجانين في زمن عاقل” رواية صادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في بداية العام 2013 في عَمان. تحمل في عنوانها جمالية متفردة لمضمونها. المثل الشعبي يقول: “العقل زينة واللي بلاه حزينة” ومن هنا يأتي التفرد فالكاتبة تضعنا أمام موازنة الأمور بمكاييل العقل في زمن ندُر فيه الفرح وصار الباحث عن الحب مجنوناً… القاسم تكتب من عمق الصراع الفلسطيني باختلاف المسببات والمؤثرات. وقد وظفت ما يحدث على الساحة السياسية للبحث في أسباب الانقسام الفلسطيني ..يلعب القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة والذي أُطلق عليه “قرار تقسيم فلسطين ” لحل النزاع العربي اليهودي على الأرض. كذلك الحياة التي يعيشها “فلسطينيو الداخل 48″ والتي تقتضي بحرمانهم من أبسط الحقوق من الامتلاك والتوظيف ما لم يخدموا في الجيش دوراً أساسياً في ذروة الحدث “حبكة الرواية”.
العلاقة داخل الوطن الذي تجزأ بحكم اتفاقية أوسلو بشكل خاص وبالنظرة الفوقية والعنصرية الخرقاء التي يتعامل بها بعض أبناء الشعب الواحد من ناحية أخرى صارت علاقة شائكة بمرور الوقت.
وبرغم ذلك فإن الكاتبة تنتصر لإنسانية المجانين في هذا الزمن حين تواجه الآخرين: “أنا عاقلة في زمن المجانين”… الحب لا تفرقه ثقافات أو أطر جغرافية أو حتى سياسية.
الحب معادلة موزونة تتساوى فيها الأطراف. القرارات العقلانية تحتاج لمشاعر انسانية ليستوطن النبض في الجسد. أي خطأ في المعادلة يؤدي لانهيار عالم الفوضى الجنونية للقلب. وهذا ما تؤكده الشخصيات الرئيسية للرواية “ليالي ابنة الداخل الفلسطيني” و “محمد ابن الضفة الغربية”… عباراتها واستعاراتها المكثفة لغة تحمل كينونة المشهد فتراها تحول ما هو موجود إلى بصمة خاصة تحسب لرصيدها ككاتبة فمثلاً في الصفحة 6 تقول “الحب في فلسطين فقط يعطي للسكون شكل الحركة” وفي صفحة 7 و8 “هناك وحدك في مدنٍ تفرح بالمطر. وتأكل آلامك بشغف”… تعكس الرواية ثقافة الكاتبة الواسعة والملمة بالعلوم والفلسفة والسياسة والأدب وتأثرها بالقدماء الكرماء كالجاحظ فهي تستطرد وكذلك يتداخل لسان الرواة عندها فتراها تحكي بلسان سحر حيناً وبلسان ليالي حيناً أخرى وفي كلتا الحالتين يكون “أنا” الكاتبة واضحاً في بعض التفاصيل المسرودة مشيرة لتشابه الوجع والحياة الفلسطينية. سخريتها وجديتها وتحديها لسياط الجلاد يصنع من عملها الأدبي انجازاً في زمن عز فيه السكوت .. الوطن باتجاهاته الأربع هو عالم مشروخ بفعل الانسانية يقتضي شفاؤه عمراً من الجنون..
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC