بأيِّ اللُّغاتِ أَتيتُكَ أَحبو
وَكُلُّ اللُّغاتِ صِفاتٌ تُؤَجِّلُ فيكَ اكتِمالي؟
أَنا حَسرَةُ الأُمنياتِ الأَخيرَةِ عِندَ الزَّوالِ
صَهيلُ الظُّنونِ
وَنارُ الجُنونِ
أَنا رَغبَةُ النَّهرِ
جوعُ الطِّباقِ
وَسِرُّ العِناقِ
وَأُمّي تَدَلَّتْ عَلى مَذبَحِ الطِّينِ قَبلَ الظِّباءْ
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةِ الكِبرِياءْ
أُحَرِّرُ سِجنَ الطُّفولَةِ مِنِّي
أُقايِضُ ثَوبي بِتفَّاحَةِ اللهِ
كَي لا أُعيدَ التِباسَ النُّبوَّةِ
أَيُّ الكَلامِ سَأَلبَسُ كَيما أُجَنَّ
وأَرتَدَّ فيكَ بلا كَومَةِ الطَّميِ
شُعلَةَ ماءْ ؟
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةِ الكِبرِياءْ
أَزيدُ مِنَ الصَّمتِ كَيلَ اكتِشافي
وَسِرَّ ارتِعاشي
أُرَفرِفُ طِفلاً تَفَلَّتَ مِن جاذِبيَّةِ قُطبِ التُّرابِ
فَمَنْ لي إذا القَلبُ حارَ
وَصارَ الفَريسَةَ
يَقطُرُ دَمعاً
وَيَحمِلُ رائِحَةَ الحُزنِ كالغُرَباءْ ؟
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةِ الكِبرِياءْ
ظَلامٌ عَلى الوَقتِ بَينَ الظَّهيرَةِ والصُّبحِ
والشَّرقُ حُرٌّ يَدورُ بلا عَقربِ الوَقتِ
عكسَ الطَّبيعَةِ
كُلُّ الرَّمادِ تَحرَّرَ مِن قَبضَةِ المَوتِ
هذا السَّديمُ حَماماتُ أُمّي
أَنا خادِمُ المَزهَريَّةِ في الشِّعرِ
كُنتُ أُقَلِّمُ بَعضَ الأَصابِعَ
أَصنَعُ مِنها وُروداً
أُغَمِّسُها بالدِّماءِ
لَعلَّ أَريجَ الأَصابِعَ
يُخرِجُني مِن حِصارِ الإناءْ
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةِ الكِبرِياءْ
عَلى ضَوءِ زَيتٍ الحِجارَةِ
كُنتُ أَخيطُ الرَّسائِلَ في خَيمَةِ اللهِ وَحدي
وَأُسدِلُ جُرحي عَلى صَوتِ نايٍ
وَأُسنِدُ غَيمَ السَّماءِ بِرأسي
غَريباً عنِ النَّهرِ قُلتُ : أُحِبُّكِ
حَتَّى وَلَو ذابَ قَلبي كَصابونَةٍ
في وِعاءٍ مِنَ الماءِ
إنِّي أُحِبُّكِ
كانَ أَبي هَرَماً مِن حِجارَةِ هذا الطَريقِ
يُحَدِّقُ حيناً إلى غَيمَةٍ
مِن بَقايا السَّماءِ الَّتي سَقَطَتْ فَوقَ أَسوارِ عَكَّا
وَحيناً إلى الرِّيحِ تَنشِبُ في صَدرِهِ مِخلَبيها
حَزيناً تَداعى
وَكُنتُ كَدَفْقَةِ حُزنٍ أَخيرٍ مَعَ النَّهرِ أَجري
إلى مُنتهايَ
إلى رَحمِ أُمِّي
إلى حَيثُ فارَت كُؤوسُ الرِّثاءْ
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةِ الكِبرِياءْ
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى قَلَقِ الخَلقِ/
ماذا تَبَقَّى سِوى حَفنَةٍ مِن غُبارِ السِّنينِ لأُمِّي؟
وماذا تَبَقَّى سِوى قَبضَةِ الطِّينِ مِنِّي؟
وَكيفَ استَحالَ الغَريبُ إلى ضِفدَعٍ
في الزِّقاقِ يُغَنِّي
وَلَمْ تُشفهِ قُبَلةُ العِشقِ مِن كَيدِ سِحرِ النِّساءْ؟
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةِ الكِبرِياءْ
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى قَلَقِ الشِّعرِ/
ماذا تَقولُ القَصيدَةُ للشُّعَراءِ
إذا مالَتِ الأَرضُ مِنْ ثِقَلِ الأَنبِياءِ الَّذينَ قَضَوا
عِندَ بابِ المَدينَةِ مِن أَجلِ قَطرَةِ ماءْ؟
وَماذا تَقولُ القَصيدَةُ للشُّعَراءِ
إذا بالَ كَلبٌ عَلى مَوكِبِ الشُّهَداءْ؟
وَماذا تَقولُ لِعبَّادِ شَمسٍ أُصيبَ بِضَربَةِ شَمسٍ
وَأَوغَلَ في الإنحِناءِ
بِحُجَّةِ أَنَّ الصَّلاةَ إلى الشَّمسِ صارَتْ رِياءْ؟
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةِ الكِبرِياءْ
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى قَلَقِ الخَوفِ/
ماذا وَرِثتُ سِوى جَسَدٍ وَرَقٍ في الحَريقِ
وَسجنٍ لعَقلي
وَخِتمِ الذَّهابِ؟
احتَرَقتُ بِشِعري
وَلَمْ أَستَعِدْ بَعدُ دَربَ الإيابِ
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى صَدرِ أُمِّي
عَلى الوَقتِ
أَيُّ النِّساءِ سَتَحفَظُ سورَةَ حُزني
وَحُلمَ الشِّتاءْ؟
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةِ الكِبرِياءْ
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى قَلَقِ المَوتِ/
أَيُّ الحواجِزِ تَفصِلُ بَينَ الخَيالِ
وَحُزنِ الرِّجالِ
إذا الشَّمسُ غابَت وَراءَ السَّحابِ
وَمالَت عَلى صَفحَةِ الماءِ بَعضُ النَّوارِسِ
والأرضُ دارَت بلا مِحوَرٍ
كَي تُعيدَ انبِثاقَ البَلابِلِ مِن صَوتِ نايٍ
يُحَرِّكُ دَمعَ الحَجَرْ؟
لإسكَندَرَ الطَّبلُ، والشِّعرُ، والأُغنياتُ
وَأَقواسُ غارٍ
وَللمَيِّتينَ شَواهِدُ بَيضاءُ مَدَّ البَصَرْ
فَمَنْ ذا تَذَكَّرَ جَيشَ الرِّجالِ الَّذينَ قَضَوا
دونَ أَيِّ اعتِذارٍ وأَيِّ رِثاءْ؟
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةِ الكِبرِياءْ
سَلامٌ إلى مَطلَعِ الفَجرِ
وَالكَونُ سِرِّي
أَرى الأَرضَ يَحمِلُها رَجُلانِ عَلى الكَتِفينِ
وَكُلُّ الرِّجالِ نِقاطُ ارتِكازٍ هَواءْ
أَرى الظِلَّ يَمشي بلا صاحِبٍ
والمَدينَةَ تَهوي
أَرى الوَقتَ وَشماً عَلى مَقعَدٍ حَجَريٍّ
أَرى امرَأَةً لا تَهُزُّ النَّخيلَ
وَجيشَ المَغولِ تَدافَعَ صَفَّينِ
مِن ماءِ دِجلَةَ حَتَّى الجَليلِ
وَفَرجَ البَتولِ يَسُحُّ دِماءْ
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةٍ قَد تُسَمَّى مَجازاً بَقاءْ
أُدَرِّبُ نَفسي عَلى لَعنَةِ الكِبرِياء.
___________________________________________