في حافلةٍ مباركةٍ كنتُ أحدَ ركّابها ؛ كان الحبُّ يجلسُ أمامي، متجسداً في هيئةِ عاشقين، يتبادلان النظرات والوعود بمستقبلٍ مثمر، وفي آخر الحافةِ كان يتدفقُ ينبوعٌ شعرِيّ من هاتفِ أحدِ الطلابِ الجامعيين، كما حزرت.
كنت محاصراً بالجمال: الحبُّ من أمامي، والشعر من ورائي، وتتراقص الأحلام كالفراشات داخل الحافلة…
تزاوجُ الحبِّ بالشعرِ هو الشباب.. ميلادُ الأحلامِ هم.. ماءُ الحياة.. دمُ الأوطان.. إنّ الشبابَ هو كلُّ إضافةِ قوّةٍ إلى جمال..
لا شكّ أنّ المرحلةُ العُمْرية تساهم في ضخّ معاني الفتوّة في روح الشباب إلاّ أنّ ما يصنعُ الشابّ ليس مرحلة الفتوّة فحسب بل التوقّد والإصرار الذي يصاحب تلك المرحلة ويمتدّ لما بعدها، فلا فرق عندي بين شابّ فقد حماسةَ الحياة ونزقَها وشيخٍ سئم تكاليف الحياة..
وبمقدار تلك القوّة تكون تحديات الشباب في تفاعلهم مع مؤسسات التربية : المدرسة والأسرة جرّاء الهوّة الفكريّة الحادثة بين الشاب وتلك المؤسسات التي لا تواكب تطلعاته…
وتُلاحظُ تلك الهّوة من خلال تصفح المواقع الالكترونيّة التي يعبّرون من خلالها عن آرائهم، فجيل العولمة من الشباب – رغم اختلاف رؤاه – يشترك في عدم قبوله للعادات الاجتماعيّة التي لا تحترم فردانيته وخصوصيته وخياراته، بل هو ينظر إليها على أنّها عادات رثّةٌ، تستلبُ منه الواقع والمستقبل، كالتّمسح بالقبيلة وتقاليدها المقيتة، والولاءات الزائفة بكلّ أنواعها العرقية والمذهبيّة..
من جهةٍ أخرى، يتردد في بعض المجالس المضللة ( بفتح و كسر الضاد معاً) أن أقصى تطلّع للشباب الرقمي هو الحصول على وظيفةٍ وسيارةٍ فارهةٍ، وتتجاهل تلك المجالسُ فئةً محمودةً من الشباب كان لهم الفضل في تغيير سياسات داخلية كثيرة، فئة تحمل طموحاتٍ عظيمة لتضع نفسها في منافسةٍ معرفيّة مع أقرانهم من شباب العالم. وهنا يأتي دور المؤسسات الرسميّة والأهلية لدعم آمال الشباب وردم الهوّة بتوفير أرضيّة معرفيّة وعلمّية صلبة ليُقيم الشباب عليها مشاريعهم الثقافيّة والعلميّة، منتجين لا مستهلكين..
وفي ظلّ أو ( في حرّ ) تحولات المجتمع العربي، يوصم الشبابُ بأنهم ” مثاليون ” في محاولةٍ لكبح اندفاعهم، و زمّ تدفق أحلامهم، مطالبين إياهم بالتعقل والحكمة، وليس من بأسٍ في اتّهام الشباب بالمثاليّة أو حتى نعتهم بالنزق والجنون طالما أنّ تلك التهمةَ صادرةٌ من أناسٍ ” عَجَزة ” لا يملكون أسنان الشباب ليعضوا على عزيمتهم..
نارُ الشبابِ إذن وحدها قادرةٌ على إذابة صدأ الواقع، حتى يسهلَ طَرْقُ حديدِه، و تشكيلُه بما يليق بأحلامهم، ثمّ بعدها يستطيع الشابّ أن يخلدَ إلى برودة الحكمة.
__________________________________________