يرى العديد من المستهلكين أن القاعدة الشائعة بأن “الغالي ثمنه فيه”، ليست على صوابٍ دائما، كما أن المثل العماني المتداول “إذا ما كنت تعرف فالسعر يعرف” والتي تبين أن ارتفاع السعر دليل على جودة المنتج، هي تجانب الصواب في أحايين كثيرة، كما أن الفكرة المسبقة التي يرسمها الناس في أذهانهم عن ارتفاع السعر بأنها خير برهانٍ على المعروض ذا قيمة جيدة هي في الحقيقة سبيلٌ من سبل التغرير النفسي، ذلك أنها ثقافة ظنيّة قائمة على الإعتقاد المسبق والصورة المتخيلة في الذهن ينبغي أن تغيب من مخيلة المستهلكين حتى لا يقعوا في مغبة الإستغلال وتبذير المال في فترةٍ ترتفع فيه أسعار المعيشة في كل شيء.
عشرة ريالات
مريم بنت صالح النوفلية، كانت لها تجربةً شيقةً في هذا الموضع من الإستشهاد، ذلك أنها في يومٍ عائلي خرجت فيه جميع أفراد الأسرة إلى رحلةٍ ترفيهية إلى أحد المواقع السياحية، تقطّع حذاؤها، مما جعلها أمام حرجٍ شديد، فما كان من شقيقها إلا أن اصطحبها إلى أقرب محلٍ لبيع الأحذية، وهو محلٌ بسيط، وجميع أسعار الأحذية به لا تتجاوز العشرة ريالات، ولم تعتد من قبل أن ترتدي ماركةً غير معروفة، لكنها مجبرةً الآن لقبول المتوفر، وبعد أن ارتدته شعرت بالراحة الشديدة، وأكملت يومها بأريحيةٍ تامة، ولم تجد ما يقلقها في الأمر، وخالت أن الحذاء لن يدوم لأكثر من يومٍ أو يومين، وازدادت دهشتها حينما اكتشفت أن الحذاء دام لأكثر من ستة أشهر، في حين كانت الأحذية التي ارتدتها من قبل وبأثمانٍ مرتفعة لم تدم لأكثر من شهرين، ما جعلها تؤوب إلى رشدها وتغيّر من نظرتها لحساسية الأسعار، وهي تعترف اليوم بأن فكرة الأسعار في غالبها إنطباع مسبق وشعور نفسي لا أكثر، وهو جانبٌ مهم استغلته العديد من الشركات وأصبحت تبيع المستهلكين بأسعارٍ مرتفعةٍ تفوق القيمة الحقيقية بكثير، حتعى يبقى مبتاعوها تحت هذا التأثير والمخدر فترةً طويلة.
مجرد خدعة
الأمر ذاته، حدث مع سمير بن محمد الهنائي الذي كان يشتري أدواتٍ كهربائيةٍ بأسعارٍ باهضة، وسرعان ما تصاب بالعطب في فترةٍ وجيزة، إذ يقول: “اكتشفت أنني كنت مغفلٌ لفترةٍ طويلة، وكلما ذهبت لشراء الأدوات الكهربائية والإستهلاكية بالمنزل يقابلني العامل في المحلات بلغته الركيكة المكسرة وهو يخبرني بأن بضاعته الغالية السعر تكمن قيمتها بداخلها، وأنها أفضل من غيرها وتدوم طويلاً، لكنني كنت أفاجئ بعطبها سريعاً، والغريب أنني أقع في ذات الخطأ في كل مرة، حتى ذهبت في أحد الأيام رفقة زميلي إلى السوق، ورأيته يشتري أدواتاً كهربائية ذاتها -التي كنت أشتريها وبأسعارٍ مبالغٍ فيه- بأسعارٍ رخيصة، وحينما قصصت عليه قصتي ضحك طويلاً، وأخبرني أنها خدعة يستخدمها الكثير من الباعة والتجار لخداع المستهلك، وبعد تجربةٍ حقيقية اكتشفت أنها فعلا مجرد خدعة، ومن يومها وأنا لا أخدع في المسميات ولغة السعر، بل أنني صدقاً أشعر بالتوفير وتنظيم الإستهلاك وهو ما جعلني أسيّر أموري المالية من دون تعثر.
120 ريال
المثير في الموضوع، أن الهاجس النفسي هو من يسيّر كل تلك القناعات، ولهذا فإن أحمد بن علي الراشدي جسّد هذه النقطة في قصته، ساعة كلّفه مديره بشراء بعض المستلزمات العملية الإلكترونية، فقصد مجمع أحد المحلات الإلكترونية الضخمة بجراند مول التجاري، شاهد لاب توب وضع ملصق السعر عليه بقيمة 120 ريال، فاحتقر السلعة كثيراً وازدراها، وظنَّ بأنها ماركة مقلدة أو جودتها منخفضة، وحينما ذهب إلى المحاسب لسداد قيمة جميع المشتريات، تبيّن له وجود خطأٍ على الملصق، وأن السعر الحقيقي للجهاز هو 290 ريالاً، هنا شعر بالراحة النفسية، وتعاظم المنتج في داخله، واطمئن بأنه عالي الجودة، وهو في ذهولٍ من تغيره وتقلب نظرته سريعاً، لكن الأمر لم يمر عليه مرور الكرام، وبعد مراجعةٍ جادةٍ مع النفس، استنتج بأن العملية أكثر ما تكون نفسيةً منها حقيقية، ومن ذلكم اليوم لم يجد السعر المرتفع مدخلاً إلى نفسه لكي يخدع، وأدرك أحمد أن السعر ليس بالضرورة يرتبط بالجودة دائماً.
خسارة كبيرة
السعر المرتفع أحياناً يكون وسيلة سهلة لإيقاع الناس في الخديعة والإحتيال، وهو ما وقعت فيه غادة بنت سليمان الحبسية، التي اكتشفت بعد زواجها أنها سقطت في فخٍ كبير، فجهلها بالقيمة الحقيقية للأسعار عرضها لخسارة مبلغٍ كبير، إذ تقول: حينما تمت مراسم خطوبتي، وبدأت أستعد للزفاف، تعهدت لشقيقاتي بأن أتكفل لهن بشراء جميع ما يخصهن، وكما يعلم الجميع فإن تجهيزات العرس في السلطنة وغيرها من البلدان الخليجية تستنزف الكثير من الأموال، وتستدعي شراء مستلزمات ومكملات في العادة والمألوف أنها للمظهرية لا أكثر، وبعدما دنى الموعد ولتزاحم الأعمال والمشاغل والإلتزامات علي، وجدتني مجبرةً في أفي بوعدي لأخواتي، وشرعت على عجل أشتري لهن تجهيزاتهن، وكان ديدني في الشراء هو النظر إلى السعر وتحكيمه في باطني أنه دليل الجودة والتميز والرقي، وبين كل غرضٍ أشتريه كان التفاضل عندي هو أيهما أغلى، إيماناً عميقاً مني في أن السعر العالي يعني الأفضل بلا منازع، وللأسف فإن الإحتياجات النسائية في العادة مكلفة، واكتشفت أنني اشتريت 5 فساتين بأكثر من 3000 آلاف ريال، غير أننا اكتشفنا بعد العرس أنها نوعية رديئة، ولا يستحق كل فستان في تقديرنا الخاص أكثر من ربع القيمة وربما أقل من ذلك بكثير، ولو لم ننجرف وراء الأسعار وخدعتها الكبيرة لتمكنا من شراء فساتين أفضل منها بكثير وبأقل القليل، الوضع ذاته يتكرر مع كثيرٍ من النساء في العبايات والعطور ومواد التجميل وغيرها، علينا أنا لا ننجرف وراء هذه الخدعة التي أدخلها الباعة الأجانب إلى السلطنة، وهذا ملاحظٌ كثيراً في السنوات العشر الأخيرة.
ضرورة التوعية
يبدو أن حميد بن سيف العامري وقع ضحيةً هو الآخر لهذه الخدعة الساذجة مثلما يصفها، وهو يحذر المستهليكن منها ويطالب جميع الجهات المعنية بتوعية الناس منها ونشر ثقافة التعقل والتأني في الشراء ويقول: لا تكاد تخلو سلعةً من السلع الموجودة بالأسواق، سواءً الإلكترونية منها أو الإستهلاكية أو الغذائية أو الكمالية أو حتى في مجال السيارات والتعليم والمقاولات، بل حتى في الخدمات الأخرى المقدمة لا تخلو من هذا الأسلوب البدائي في استغلال المستهلكين البسطاء، والغريب أننا مع تقدم التكنولوجيا وتدفق الثروة المعلوماتية والمعرفية، لا نزال غير مدركين لحقيقة هذه الطرق الإحتيالية، الكثير من المتسوقين يتخذ السعر ميزاناً يزن به الجودة، فيدفع الكثير من ماله، وهو أحوج الناس إليه، ظناً منه أنه يحسن عملا، كما أن البعض منهم ينخدع بالسعر المرتفع فتبرق عيناه ويخاله ضرباً من ضروب الرفاهية، فالباحثون عن الفخامة كُثر وإن كانت جيوبهم خاوية، فيشتري ساعةً يدويةً مثلاً بمئات الريالات وهي في حقيقتها أقل من ذلك، لكنه خدع بالسعر فانجرف وراء هذه الخديعة المبطنة، وهنالك من يشتري هواتف محمولة نزل سعرها، لكنه يذهب إلى محلاتٍ كبيرة حتى يشتري نفس الهاتف المتدني السعر في محلاتٍ صغيرة، ظناً منه أن ارتفاعها دليل جودتها، والغريب أن مصنعها واحد وموديلها واحد، والكثير الكثير من هذه القصص. آمل من وسائل الإعلام المختلفة أن تقوم بدورها في هذا الجانب من التوعية، فما نراه من استغلالٍ وعدم وعيٍ بحقيقة الأشياء يؤلمنا، والمتضررين من عدم المعرفة والإلمام بهذه الحقيقة هم كثر.
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC