لقد سعى الكلدانيون إلى تأصيل أهمية عُمان بالنسبة لهم باعتبارها رافدا يستفاد منه في مجالات عديدة من حيث كونها مجتمعا حيا متفاعلا مع الحضارات المختلفة ومن حيث كونها عاملا مؤثرا في عملية الازدهار الاقتصادي، ومن حيث أهمية موقعها في عملية الاتصال والتوصيل وتأثيرها في العلاقات الدولية ومن حيث توافر عوامل العمارة فيها، بما يحقق الذات الإنسانية في تاريخها العريق ولذا فقد حرص الكلدانيون على ان لا تبتعد مسيرتهم عن هذه الأرض وإنها تكون ممتزجة بحصاها وترابها ورمالها فاطلقوا عليها (ابليتا) وان من أهم ملامح الفينيقيين في عُمان إلى يومنا هذا وجود مدينة صور في شرقية عُمان حيث أجمعت معظم المراجع التاريخية العربية واليونانية والرومانية على ان موطنهم هو هذه البلاد وان عملية البحث والتنقيب عن آثار حضارة الفينيقيين في عُمان سوف تظهر شواهد تحمل سماتهم وتدل عليهم ولكنها ليس بالضرورة ان تكون مطابقة لتلك التي وجدت في بلاد الشام أو في المغرب العربي ذلك لأنه نتيجة الاستقرار وهم بتلك البلدان فقد تأثروا بمعطيات الحضارات الأخرى كالفرعونية واليونانية، والرومانية وغيرها ما بدا ظاهرة في تفاصيل أبنيتهم وأدواتهم وملابسهم وخلافة.
وبقدر ما كانت عُمان في منظار الحضارات الأخرى كانت غير بعيدة عن تطلع الفرس وعن مرأى بصرهم وبصيرتهم مما هيا الأسباب لاحتلالها إدراكا منهم بقيمة ما اقدموا عليه، وتمكينا لهم في الاستفادة من مواردها ومن التجارب الحضارية التي تلاحقت على أرضها فلقد استعان اردشير ملك الفرس (255-241 ق0م) بخبرة العُمانيين البحرية وقيادة أسطوله البحري الذي مكنه من السيطرة على التجارة وضاف إليه قوة دعمت سيطرتها ومكنته من الاستمرار وكذلك قد فعل من قبله شيروس الأكبر مؤسس أسرة اخميد الذي فتح عُمان حوالي عام 563ق ولعلهم أطلقوا عليها اسما يدل على مدى اهتمامهم بها ومكانتها لديهم، غير الاسم الذي تشير إليه كتب التاريخ العُماني على نحو أخص وهو (مزون) لان هذه الكلمة لم تشر إليها المراجع والقواميس اللغوية العربية على إنها فارسية وإنما هي عربية صرفة اللهم إلا إذا استعارها الفرس أما بأصلها أو على سبيل ترجمة المعنى ككلمة فارسية أخرى وهذا غير مؤكد ولا نميل إليه.
كانت عُمان مركز تقاطع لحضارات مختلفة وكانت معبرا جيدا ممهدا عبرت من خلاله حضارات الشرق والغرب وأفريقيا وتلاقت في نقاط التقاطع وامتزجت في بوتقة اللقاء الإنساني والتواصل الحضاري.
فقد تلاقت على أرضها حضارة وادي السند (الأندس) (230ق وسيلان في موهيجنودار م بلاد ما بين النهرين فقد عثر البرتغاليون في مسقط وصحار عام 1507 على نقود رومانية ضربت في عهد القيصر طيبار يوس
كما تشابهت حضارة كولي في بلوشستان ومكران مع حضارة أم النار في عُمان وعبرت حضارة سمهرام في ظفار من خلال إنتاجها للبخور إلى معابد المصريين ومن ثم إلى الغرب وتعانقت حضارة شيسور في ظفار التي اشتهرت بصناعة التحجير وتصدير مواد البناء إلى بلاد الرافدين ومن ميناء(ماكيتا) وهو راس مسندم الحالي مدينة تريدون الآشورية والبضائع الأخرى كما أشار في مذكراته القائد اليوناني نياركوس علم 326ق0م.
وهناك بعض الإشارات عن اوفير وهي ظفار نقلتها إلينا التوراة من خلال ما ورد من أخبار عن الأسطول الذي سيره النبي سليمان عليه السلام إلى اوفير وعاد منها حاملا أربعمائة من ذهبا (سفر الملك الإصحاح 11الرقم 28).
وإذا كانت مثل هذه النظرة متوافرة لدى كثير من الحضارات التي عاصرت حضارة عُمان في ذلك التاريخ فإنها بقدر ما كانت تشكل باعثا أو دافعا للتطلع كانت أيضا هاجسا يراود الجميع ويسعون إلى امتلاك مظاهرة.
ان هيرودوت اليوناني مؤرخ القرن الخامس قبل الميلاد قد استطاع ان يجمع بعض الأخبار عن هذه المنطقة وعن طيوبها الشهيرة وحاول ان يتقصى من المصريين اكبر قدر من المعلومات عنها وربما سعى إلى التجارة من أهل هذه البلاد بقصد جمع ما يمكنه جمعه من المعلومات المفيدة.
وحاول المؤرخ اليوناني ديودر ان يرسم صورة عن الساحل الذي كانت تنمو عليه الأشجار والطيوب التي كانت تفوح في طول البلاد وعرضها ومن أشجار النجيل والصبر والغابات الكثيفة وأشجار البخور التي كانت سببا يضاف إلى أسباب رواج تجارة السكان وازدهار معيشتهم.
أما الجغرافي اليوناني استرابون الذي عاش في القرن الأول الميلادي فقد تحدث عن شعوب المنطقة مستقيا معلوماته من الفلكي اليوناني ايراثوستين الذي عاش قبل ذلك بثلاثة قرون وصف مستوى معيشتهم وأحوالهم فأورد ان البلاد كانت مزدهرة تزينها المعابد وان أهلها قد جمعوا ثروة طائلة من التجارة مع الحضارات الأخرى فاقتنوا أواني مطبخ ذهبية ومزهريات وكانت مساكنهم بادية الفخامة والروعة قد كسيت أبوابها وجدرانها وسقوفها بالفسيفساء الذهبية والفضية والعاجية المزدانة بالحجار الكريمة.
وقد أورد اياثوستين المشار إليه أنفا ان شبه جزيرة العرب كانت تتألف من جزأين كبيرين في الجنوب ويسمى (العربية السعيدة) والثاني في الشمال وسمى (العربية القفراء) وحاول ان يعطي صورة جغرافية لطبيعة البلاد وسكانها.
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC