أماني سليمان تطل علينا بـ “غيمة يتدلّى منها حبل سميك”

أماني سليمان تطل علينا بـ “غيمة يتدلّى منها حبل سميك”
أماني سليمان تطل علينا بـ “غيمة يتدلّى منها حبل سميك” أماني سليمان تطل علينا بـ “غيمة يتدلّى منها حبل سميك”

أثير – مكتب أثير في تونس
قراءة: محمد الهادي الجزيري


(إنّه مجنون ومارق، وغير قابل للتأويل هذا العالم)

بهذه الجملة الحازمة والصارمة والمستحوذة على كلّ حقيقة، أعتقد أن السيدة أماني سليمان داود قالت كلّ ما تريده من الأوّل، وأنا أحبّ هؤلاء المتطرفين في الحقّ وخاصة إن امتشقوا أقلاما وانكبوا على الأوراق لتشريح جثة هذا العالم المتداعي للسقوط، هذا إن لم يكن قد وقع في غفلة منّا، على كلّ هذه تحيّة للكاتبة على الجرأة والاستعداد للصدام مع القارئ، ريثما نقرأ النصوص، وبي شهية بالغة للاطلاع عليها…

“غيمة يتدلّى منها حبل سميك” هذه القصة الأولى التي أهدت للمجموعة عنوانها، وصراحة وجدتني في بداية القصة متهاطلا ضحكا، أقرأ وأضحك للصور المصوّرة في ذهني بفضل قلم هذه الكاتبة التي قادني إليها صديقي أنيس الرافعي مشكورا، المتن السرديّ يدور حول السارد الذي يقول لكلّ من يصادفه: “سيقطعون رأسي بعد ثلاثة أيام”، وتتحرّك الصور مع حركة السارد، فمن الحافلة إلى السوق إلى البيت، المهمّ أنّك سيد القارئ تفهم تدريجيا أنّك تقرأ “لسارد” مجنون، يرى العالم كلّ العالم يتهدّده ويتوعّده بل أمسى كله غيمة يتدلّى منها حبل سميك، والأجمل من كلّ ما ذكرت أنّ جميع من مرّ بهم في القصة يعودون في آخرها معتذرين منه متودّدين له، صراحة لابدّ من قراءة هذه القصة لكي تستوعبوا تفاصيلها، وقد وجدت صعوبة وحرجا في انتقاء مقطع منها وأخيرا اخترت هذه الفقرة:

“…ثمّ جاء جمع من الأولاد المشّردين فالتمّوا حولي يتقافزون، وصاروا يمدّون أيديهم ورؤوسهم، فأسلّم عليهم وأقبّل رؤوسهم وهم يتضاحكون، قلت لهم: بالطبع أنتم تعلمون بأنّهم سيقطعون رأسي بعد ثلاثة أيّام، فأخذوا يضربون إلْيَتِي بأحذيتهم المهترئة ويشتمون أبي، رددت الشتائم عليهم بأقذع منها وركضت بعيدا عنهم، ثمّ نظرت خلفي، أسعدني أنّ أحدا لم يلحق بي”.

في “ناي القحط” نقرأ عن زوجين: الزوجة تميل إلى الاستقرار أمّا الزوج فيعشق السير في البراري، وأجمل شيء شدّني في هذه القصة مدخلها وبداية القص، ففيه الكثير من الصنعة المخفية والظرف ومعرفة كيفية إضحاك القراء، على كلّ في نهاية المتن يختفي الرجل في السهول المفتوحة وتأخذ المرأة مكانه:

“وريّة تحبّ الشاي، تحبّ الشاي تحت سقف، لو كان واطئا، وصالح أن يحبّ سقفه السماء، وحيطانه الجبال المتباعدة في أفق لا يَبين”.

“فطيرة سوداء وامرأة مبصرة”، قصة تدور أحداثها بين رجل طلسم وامرأة ضريرة، وتعجّ هذه القصة بجمل شعرية وصدامية مدسوسة وسط المتن النثري، وسأقتني منها ما يلي:

– آلمتني قصّته التي ظلّت نهايتها مفتوحة على الوجع تكرّس اليأس لا الأمل.
– لطالما سألني كيف لدموع أن تنهمر من عينين ضريرتين، وكنت أجيبه بأنّ روحي هي التي تبكي ، إنّها مبصرة .
– وجدت أنّ الفرح لا يُنتج قصصا.


وتنهي القاصة الحكاية المحبوكة بنجاح العملية وفرح الضريرة باسترداد النظر بالتحديق في العالم من “أعلى برج إيفيل”، وتقول في الخاتمة:

“من تلك القمة قرّرت أن أرسل لرجل عجز عن احتواء امرأة ضريرة بأنّ قصتّه فعلا جميلة في مجملها، على أن يبدأها من مشهد فيه نصفُ فطيرة سوداء، تُرك وحيدا على طاولة، فرغتْ من زبائنها بانتظار زبائن جدد”

حقيقة لقد سعدتُ بمعرفة أماني سليمان داود، ووجدتني في مناخ قصصي وأدبي شيّق، وقد اخترت مجموعة من القصص لأنّ المجال لا يسع الجميع، المهمّ أنني اكتشفت في بحر الأدب قاصة رائعة ونصّها يعدُ بإبداع وخلق وإضافة.

Your Page Title