لستُ أتّفق مع القول القائل أن فن القصة القصيرة هو فن مستحدث، فالقصة القصيرة جدًا من الموروث الشّعبيّ الأكثر جماليّة وتعبيرًا عن أحوال المجتمعات العربيّة،والذي قد يجيء بسخرية موجعة تصل حدّ النّواح أحيانًا.
وأصل القصّة القصيرة جدّاتنا ،كنّ يبدعن في اختصار الحال بسطر أو سطرين وقلن الكثير بأقل الكلام،اللافت في مجموعة الكاتب أحمد القزلي”أشياء برسم الأكل”الّتي تراوحت ما بين القصة والقصة القصيرة جدًا،استنطاقه للجمادات،فأبدع في النّص القصير جدًا،وكذلك في القصة نجد تراكمًا نقديًّا يطرح من خلاله معاناة الفرد البسيط في المجتمع،متناولًا في مجموعته سلبيّة الصراع المجتمعيّ بما فيه من مفاهيم وراثيّة مغلوطة ومعاناة اقتصادية وسياسيّة أليمة.
مجموعة القزلي تقرأ من النّص “976”حيث شكلّ الرّقم 976 عنوانًا للنص على غرار بقيّة النصوص الّتي حملت عناوين حرفيّة.
” 976 “
“كم مَرّةً سأسميك حبيبي كم مَرّة! كم مُرّة قهوتُك المسائية كم هي مُرّة.”
هذا النّص جاء بمثابة صفعة لاسعة على وجوهنا،صفعة شعرتها لطمة قويّة كادت تلصقني بالجدار الخلفيّ الذي تجمّدَ فجأة.
مما يميّز نصوص القزلي تمتّعه بأسلوب يجعل روحه مرحة داخل النّص عارضًا قضاياه بجماليّة فنّيّة من خلال النّزعة الدراميّة،يضعنا أمام المفارقات بقوّة المشهد.
يتناول الكاتب أحمد القزلي في مجموعته هذه معاناة المواطن المسحوق، وهو يتعرف لمسألة العقل في صورة محدّدة، ويوضح ذلك منذ أول نص”هيك” مبنيّ على الخيال، يقول ذلك العربي الأشياء عن لسان الجمادات الصامتة،يستنطقها بلغة بسيطة معقولة، وإن استنتج من ذلك مالا يرضي البعض.
ويشير أحمد برأس قلمه هنا أن المجتمعات العربيّة خاضعة لحكم غيرها، وهي بعيدة في سلوكها العام والخاص عن منطق العقل والإنسانيّة، وبالتالي عن العقل والدين معاً، وهذا التناقض الملاحظ معترف به كما لو كان أمراً طبيعياً، غير مستبعد وفي هذه النصوص يتعرض لهذه النقطة بالذات ليعرض حالات عدّة في إطار ممارستنا الثقافية اليومية، في محاولة فهم الهوة السّاحقة الملاحظة بين ما نراه حقاً أو باطلاً، وما نراه باطلًا أو حقًا في سلوكنا، الخاص منه والعام.
الجميل في المجموعة القصصية “أشياء برسم الأكل” القفلة حين تجيء بسيطة ومدهشة في آن معًا،وتتّسم المجموعة بتمريرها الهادئ للعديد من المفاهيم من خلال بناء متميز، ارتكز على قوالب خاصة وتقنيّة ساخرة لبناء أحداث القصّة، كاعتماد النّص من خلال ممارسة القبول والرّفض والتّعرية في مواجهة مع القارئ، لصنع الحدث بشكل مكثّف، فالحكاية تحافظ على مقوماتها وأسسها، مع الانفتاح على توظيف جمالي متعدد، جعل مجموعة “أشياء برسم الأكل”زاخرة ومتسمة بطابع كتابة يشبه السّخرية إلا أنه أكثر عمقًا وأرى أن تصنيف المجموعة بالساخرة فيه ما يسيء إلى الأفكار المطروحة وتناولها المغاير بل ويقلل من قدرها.
______________________________________
مرمر القاسم
كاتبة – فلسطين