أثير – عبدالرزّاق الربيعي
إذا كان خطر وباء (كورونا) قد قُضي عليه، تقريبا، وتمّت السيطرة عليه مثلما تمّت السيطرة على الكثير من الأوبئة التي حصدت أرواح ملايين البشر عبر التاريخ، كالطاعون، والجدري، والسل الرئوي، والكوليرا، فهناك وباء أخطر من هذه الأوبئة جميعا، ما زالت المجتمعات تعاني من شراسته، فهو يفتكُ يوميّا بالكثير من الأرواح البريئة التي تقع ضحيّة هذا الوباء الخطير، الذي يتفشّى سريعا في جسد المجتمعات، ويفتك بها، ويهدّد أمنها واستقرارها، وهو وباء المخدّرات، خصوصا أنّ الحروب اليوم، بين الدول، اتّخذت أشكالا متعدّدة، ولم تعد، هذه الحروب قائمة على تدمير المنشآت الصناعية، والاقتصادية، عندما تحرّك الدول الغازية جيوشها، وتشنّ هجمات قتاليّة بمعدّات عسكريّة، بل تقوم بتدمير المجتمعات عن طريق تسهيل دخول، وانتشار هذا (الوحش)!
وكثيرا ما يقع ضحيّة هذا الوباء المفترس شباب في عمر الزهور، يغرّر بهم، مروّجو هذا السمّ القاتل، من عديمي الضمير، الذين هدفهم الثراء عن طريق المتاجرة بهذه السموم على حساب صحّة وسلامة المجتمع، ناهيك عن أهداف أخرى غير خفيّة على المتبصّرين ببواطن الأمور.
وبدون شعور من هؤلاء الشباب المراهقين، وأغلبهم من طلبة المدارس، ينقادون إليها، ويدمنونها، وفي النهاية يدفعون حياتهم ثمنا لإدمانها، فكم من شاب ينتظره مستقبل زاهر، راح ضحيّة هذا الوباء الذي انتقل إليه بالعدوى عن طريق أصدقاء السوء!؟ ويكون قد بدأ رحلة التعاطي، بهدف التجربة والتسلية، وبدون أن يشعر ينقاد إليه، كما يُقاد الأعمى، ويسير في طريق الضياع، فيتراجع مستواه التعليمي، إذا كان طالبا، وأداؤه الوظيفي إذا كان موظفا، وواجباته الاجتماعية، إذا كان عضوا فعّالا في المجتمع، بعد أن يتعاطى هذه السموم!
وكم من أسرة تفكّكت، وتعرّضت لفواجع، بعد أن وقع أحد أفرادها ضحيّة خطر هذا “الوحش المفترس”!؟
فضلا عن تأثيراتها الخطيرة على صحّة الأفراد، والأمن المجتمعي، كم من جريمة ارتكبت بسبب الإدمان على المخدّرات التي هي رأس كلّ بلاء، فالضحايا بعد تعاطيها هذه السموم، يختلّ تفكيرها، وتتراجع لديها سيطرة العقل، فتفعل كلّ ما في وسعها للحصول على المادّة المخدّرة، ولو عن طريق السرقة، لاسيّما أن حيازتها تحتاج إلى مال وفير، قد تحصل عليه بعد ارتكاب جريمة!
لقد أعاد خبر استشهاد رجل الأمن السعودي (محمد العجلان) إثر إصابته بأعيرة نارية أثناء مداهمة أمنية لمروّجي المخدرات في جدة، أثناء ضبطهم، الأسبوع الماضي، إلى الواجهة الحديث عن خطر هذا “الوحش المفترس”، خصوصا أن هذا الخطر بدأ يستشري في المجتمعات الخليجيّة، لانفتاح حدودها، ومنافذها البحريّة على دول تنتشر فيها هذه السموم، وتكون قد وصلت إليها من دول أخرى تنشط فيها (مافيات) خطيرة تنتجها وتروّج لها، وتتاجر بها، مستهدفة فئة الشباب المراهقين كونهم يندفعون نحو غرائزهم، ولا يمتلكون خبرة في الحياة تحصّنهم من الإصابة بمثل هذه الأوبئة الفتّاكة التي تدمّرهم، وتقضي على مستقبلهم، وربما حياتهم.
ويجب أن يعرف الجميع أن هذا” الوحش” يمكن أن يدخل أيّ بيت، فأفراده ليسوا بمعزل عن المحيط الخارجي الذي قد يكون مخترقا من قبل التجّار من عديمي الضمير، ودرء خطر هذا الوحش مسؤوليّة الأفراد والحكومات، فعلى الأفراد عدم التستّر على المتعاطي، ولو كان أحد أفراد الأسرة خوفا من تغيّر نظرة المجتمع، فهذا يؤزّم المشكلة، ولا يحلّها، وينبغي مراقبة أرباب الأسر الأبناء، فإذا تدهورت صحّة أيّ فرد من أفراد الأسرة، وخصوصا إذا كان مراهقا، وتراجع مستواه التعليمي، فتعاطي المخدّرات يؤثّر على المخّ وينعكس هذا على السلوك والأعصاب، وأهمل مظهره العام، وقلّت شهيّته للطعام، وزادت حاجته للمال، وكثرت مصاريفه، وقلّ التزامه بالواجبات المناطة به، وتراجع شعوره بالمسؤوليّات، وتغيّرت سلوكياته، وصار عدوانيّا، وانطوائيّا، فإنّ ناقوس الخطر يكون قد دقّ، لذا يجب مضاعفة المراقبة التي تشمل التدقيق في ذراعه الذي يمكن أن تظهر عليها آثار الحقن التي عن طريقها تدخل المخدرات الجسم، وتكون على شكل ندبات، أو قرحات، وكذلك تفتيش سلال المهملات قبل رميها في مكبّ النفايات، فقد تكون فيها الحقن المستخدمة عند التعاطي.
أمّا الواجب الملقى على الحكومات، فينبغي عليها فتح مراكز علاج الإدمان وتقديم خدماتها بالمجّان مع الاحتفاظ بالسرّيّة التامّة، وتشجيع المتعاطين على مراجعتها، وتلقي العلاج ليعود عنصرا فعّالا في المجتمع، وإدماج الشباب في الأعمال التطوعية، وفتح مراكز الشباب، والجمعيّات، وفي هذا المجال يمكن الاستفادة من دول لها تجارب ناجحة في مكافحة الإدمان على هذه السموم، وتكثيف البرامج التوعويّة، والاستعانة بشخصيّات عامّة محبّبة للشباب تقوم بتنبيههم لتجنّب الوقوع في حبائل مروّجي تجارة المخدّرات، واستضافة أشخاص مرّوا بهذه المشكلة ونجحوا في التعافي منها، بمساعدة مراكز علاج الإدمان، وصلابة الإرادة، وقوّة الإيمان، فالله تعالى حرّم كلّ ما يؤذي النفس، وجاء في كتابه “وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ”(البقرة-195)
وهل توجد تهلكة أشدّ من تهلكة تعاطي المخدّرات!؟.