يكتب الصحفي خبره كما تشاء إدارة صحيفته، وينشره اليوم التالي.
يحرك المواطن أصابعه على لوحة المفاتيح، لا يعنيه كثيرا قانون المطبوعات والنشر، ولا يفكر في توجيهات وزارة الإعلام، ولا حساسية المسئول الفلاني تجاه ما يكتب عن مؤسسته، وينسف في لحظة غضب بكل أعراف الصحافة والكتابة والاحترام.. فقط لينشر ما يريد، بحرية اختارها، وغالبا، وهذا مؤكد، لا يتحملها على نفسه عندما تصدر من غيره.
ويحرك الصحفي أصابعه محاولا كتابة مادته الصحفية، الرقباء يحاصرونه، أخطرهم ذلك الجالس على كرسي هزاز داخل رأسه، وأشدهم بأسا تلك المسماة بالمهنية، فهو يكتب في جريدة، أو مجلة، وعليه واجب الصياغة الصحفية.
حينما يكتب، لا يحفل المواطن بالأخطاء المطبعية، وتلك ما تسمى بالمصداقية، أو تحري المهنية الإعلامية، تلك المفردات تنضح من قاموس الحكومة، وهو لديه قاموسه الخاص، يختار المفردات كيفما يشاء، يرتكب الأخطاء في اللغة كيفما يشاء، يرتكب أخطاء أشد في آخرين كما تشاء حريته.
لكن الصحفي ليس من حقه كتابة خطأ إملائي واحد، سيهزأ منه المصحح، وسيهزأ القاريء من جريدته كاملة، وعليه أن يداري كل خطأ، في اللغة أو في الآخرين، أبواب المحاكم مفتوحة، هذا إذا سمح رئيس التحرير بارتكاب تلك الأخطاء.
يهجم المواطن بكل قوته على الجهة أو الشخص الذي كتب له القدر أن يقف أمام وجهه، يقرأ قانون العمل بمنظوره الخاص فيهاجم المدير والشركة ووزارة القوى العاملة والحكومة وكل أحد ساقته أقداره ليكون في ذلك النطاق..
ولا يشترط أن يكتب اسمه كما يجب على الصحفي، وليس عليه أن يبرر أخطاءه مهما بدت واضحة، هو لا يخطأ، الحكومة وحدها تخطأ، وذلك الصحفي إن لم يهاجم بقوة وقسوة فهو ليس إلا (صحيفي) لا علاقة له بالصحافة أو (كويتب) لا يعرف معنى الكتابة، أو مرتش وفاسد وباحث عن منصب ومتسلق، وغيرها من الصفات.
تظهر الحقيقة لاحقا بأن ما كتبه الصحفي ليس من الحقيقة في شيء.. وبسرعة البرق يغض الطرف عنه، وكأنه لم يكتب شيئا..
وويل للصحفي لو أن ربع الخبر الذي كتبه ليس دقيقا، ستسير بسيرته الركبان، وتنهال عليه السهام، آناء الليل وأطراف النهار، وعليه الاعتذار فورا، وفي ساحة عامة، كي يسهل أمر رجمه بالأحجار.
الصحفي هو مواطن، شرب من ذات الفلج السائر في شرايين الوطن، وابتلت عروقه بماء كالذي سرى في أرواح جميع المنتمين إلى هذا الوطن.
المواطن الصحفي يواجه شقيقه المسمى بالصحفي المواطن، واحد يعمل صحفيا ممسكا بمواطنته، وآخر مواطن فتحت له سماوات التقنية أن يقوم بدور الصحفي، ناقل الخبر، وهذا هو الأغلب، لأن هناك مواطن كتب الخبر، نشره في منتدى، أو أية وسيلة الكترونية، أهمها برنامج الواتس اب الذي أصبح الصحيفة الأكثر انتشارا، وتلقي بعشرات الأخبار الكاذبة يوميا، ومع ذلك لا يمضي الناس في تبيّن كذبها قدر ما يشكون في صدقها، فمصداقيتها أقرب إلى تكذيبها، ربما لأن كاتب الخبر مواطن مثلهم، لا صحفي من أولئك المشتغلين في الصحافة.
“كلام جرائد”.. كدلالة على أنه ليس كل ما يكتب.. صحيح.
وقد يكون في ذلك قدر من الصحة.
لكن، هل أثبت الإعلام الجديد، أو البديل، الإمكانية الدائمة على أنه صائب.
أظن بأن الإعلام التقليدي ستعود إليه المصداقية بعد توالي عثرات هذا البديل، والمهم في هذه المرحلة الدمج بين الإعلامين، أن يجد الإعلام البديل (المعتمد على التقنية) أسلوبا يشبه الإعلام التقليدي، حيث التأكيد على الخبر الموقع من كاتبه، والصيغة المؤسسية التي تضع الأمور في نصابها كونها تخشى فقدان مصداقيتها إذا تواترت الأخبار الكاذبة منها، وهي تمتلك السرعة لتصل إلى المتابع، كما تمتلك الجرأة التي لا تقدر عليها المؤسسات التقليدية، لأن مصالحها المتشابكة، وإداراتها المترددة، وهوياتها الرسمية (حتى وهي المحسوبة على القطاع الخاص) تفرمل سعيها لجرأة الطرح، بما يتواكب مع حضور منافس قوي ولا مبالي.. هو المواطن الذي يشتغل بالصحافة، وهو جالس في ركنه البعيد، مع شاشة حاسوبه أو هاتفه النقال، يرسم ملامح الخبر كما يحب، لا كما تقتضي أصول المهنة.
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC