تطرح مسألة الترجمة في العالم العربي الكثير من النقاش النظري، دون الاهتمام، على الأقل، بتطبيق التوصيات أو نتائج التقارير الدولية على أرض الواقع، عكس ما تفعل به الدول المتقدمة التي خصصت لجان بحث ومخابر لاستشراف المستقبل، وفي هذا الإطار صدر كتاب بعنوان “الترجمة والعولمة” لمجموعة من الباحثين، ترجمه إلى اللغة العربية وعلق عليه أ. د. محمد خير محمود البقاعيّ، عضو هيئة تدريس في قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة الملك سعود، صدر هذا الكتاب في بيروت وباريس، عن منشورات ضفاف والملحقية الثقافية بباريس، يقع في 142 صفحة ويحتوي على ثمانية مداخلات تصب حول الترجمة في مجالات مختلفة “الترجمة كرهان العولمة الأساس”، ما يستعصى ترجمته والعولمة”، اللغات والترجمة في صلب الاتحاد الأوروبي”، العلوم الصحيحة والترجمة”، إضافة إلى “التنوع الثقافي ورسالة الترجمة”، الترجمة من العربية وإليها في عصر العولمة”، “الترجمة والتعدد اللغوي قي بوركينا فاسو” “الترجمة جواز عبور للوصول إلى الآخر” وهي مقالات أو بالأحرى دراسات كتبها مختصون في الترجمة التي تعتبر جسرا مهما بين الثقافات وتقديم الذات وفهم الآخر، وهي تساهم في الحوار الثقافي والفكري والعلمي، هذا الحوار الذي يعد أفظل ضامن للسلام
كما تشجع على المساهمة في بناء مجتمع المعرفة، بل هي “الوجه الآخر للعلومة” رغم أنها الأقل رؤية على السطح، والأقل مهرجانية بالتأكيد، ولكنها “لا تقل أهميتها الجوهرية عن العولمة، لأنه لا وجود لانفتاح ممكن عن الآخر دون احترام هويته الثقافية ” وتفتح المجال على معرفة اللغات الآخرى، إذ لن تكون هناك عولمة سليمة بدون صناعة ترجمة معترف بها، كما يؤكد على ذلك الخبير الفرنسي دومنيك فولتون، وإن أردنا أن نختبر أو نطبق هذه المعطيات على الترجمة في العالم العربي فإن الدكتور فؤاد العروسي والدكتور إبراهيم البلوي يؤكدان على أن الترجمة احتلت على الدوام “مكانة مركزية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية من العصر من العصر الوسيط”، بحيث يؤرخان إلى مسار الترجمة عبر العصور ليختما بالقول: ” أن العالم العربي هو اليوم أكثر من أي وقت مضى، بحاجة إلى أن نهتم على قدم المساواة بالترجمة بحد ذاتها أو بصفتها آداة صالحة لتشجيع على الحوار بين الثقافات، إنه بحاجة إلى المسارين كليهما، ومهما يكن من أمر فإن الترجمة كانت على الدوام واحدة من أدوات نقل أكثر المعارف تميزا”، غير أن وضعها في العالم العربي يدعو إلى الحيرة، ويبين تخلفا كبيرا في هذا المجال، مما يكشف غياب استراتيجية ثقافية عربية تسمح لنا بالدخول في صف الشعوب إلى ما يسمى بصناعة المعرفة، فكيف يتم ذلك والتقارير الدولية تؤكد على أن ما يترجم من وإلى اللغة العربية لا يتعدى 1 في المائة، أي ما يعادل ترجمة 400 عنوان، بينما ما يترجم من وإلى اللغة الأنجليزية يتجاوز 42 في المائة، ومن وإلى اللغة الفرنسية 13 في المائة.
تجدر الإشارة إلى أن الدراسات المترجمة والمثبتة في كتاب “الترجمة والعولمة” مأخوذة من مجلو “هرمس” الفرنسية الذائعة الصيت، وهي تعمل على تسهيل وصول جميع إلأبحاث المعاصرة، خاصة وأن العالم اليوم “يعيش أعظم مراحل حياة الإنسان على الأرض وأخطرها في مجالات الكون كله: الفضاء، أعماق البحار، أقاصي الدنيا، الدماغ البشري..” تمثل الترجمة في هذا الحالات “وسيلة الاتصال بما نسمية اليوم العولمة” كما يؤكد على ذلك مترجم الكتاب المميز .
كل ما تنشره "أثير" يدخل ضمن حقوقها الملكية ولا يجوز الاقتباس منه أو نقله دون الإشارة إلى الموقع أو أخذ موافقة إدارة التحرير. --- Powered by: Al Sabla Digital Solutions LLC