مسيح الخطيئة
شعر: عبد الله أبو شميس
( في ذكرى الرّاحل الشاعر الأردني حبيب الزّيودي)
حمامٌ هادلٌ في السّفحْ
وسفحٌ مائلٌ بالقمحْ
ووشوشةٌ على الشّبّاكِ
من سطحٍ تمرُّ لسطحْ
تنبّهُ غفوةَ النّعناعِ
تفتتح المدى للشّرحْ..
**
كان رهطُ رُعاةٍ على التّلِّ
يستدفئونَ على حطبِ ( الهيلِ)
والنّايِ
والأغنياتِ المضيئةْ
عندما ارتعشت وردةٌ في الجوارِ
ببرقِ المشيئةْ!
فهل ظهرتْ للرُّعاةِ البُداةِ ملائكةٌ
يحملون البشارةَ للشّعبِ،
أم خبّأوا السّرَّ في العُشبِ
حتّى استطال بأهدابهِ
فوق كنز الخبيئةْ؟!
ومَنْ باح باسمِكَ؟
مَن قال إنّ النّدى
قد غدا ولداً يتقافز بين ( جراح الحبيبِ)
وشوكِ النّبوءةْ
ومَنْ باح باسمِكَ؟
مَن قال إنّ السّحابَ
قد اختار أن يتجسّد في تينةٍ مُتربةْ
ويدخلَ في التّجربةْ؟
ومَنْ باح باسمِكَ؟
حتّى غدا
قمراً في مساء القُرى
شجراً فوق نارِ القِرى
سمراً أخضراً
يا مسيح الخطيئةْ!
**
نطقتَ بأوّل الكلماتِ
ترنيماً على السّكّةْ
ضفرتَ الزّهرَ للفتياتِ
أهداكَ الهوى شوكَهْ
” لأنّ الحبّ في ( العالوكِ)
كالإلحادِ في مكّةْ”!
**
مدىً واسعٌ
والرّمالُ تنمنمُ رجلين حافيتينِ
وتشخَصُ حرباءُ في حرّها
والدّيارُ خلاءُ
وفي الجيب قنّينةٌ من عفاريتَ:
” هل أشربُ الجنَّ؟!
ماذا لو انفلتت في ثيابي الجِداءُ؟!
وماذا لو احمرّ حولي الهواءُ؟!
ولكنّ ذاك اللّعينَ يقول تداويتُ..
والحلوةُ اختبأتْ خوف جارتها
وأخيها، وخوف جهنّمْ!
( وذاك اللّعين يقول تداويتُ..)
والنّخلةُ انكسرت فوق مريمْ..
(وذاك اللّعين يقول تداويتُ..)
والدّاءُ
في القلبِ
داءُ “
**
مشيتَ إلى صليب الذّاتِ
لم تحفلْ بما قيلا
وقلتَ: بآخِرِ اللّذّاتِ
أبصِرُ صورتي اﻷولى
فإمّا لعنةُ اللّعناتِ
أو سأصير إنجيلا!
**
وكنتَ تلخّص عمركَ بالفتياتِ
وتسردُ تاريخَكَ امرأةً.. فامرأةْ
كم امرأةٍ
سطعتْ في دُخان الأحاديثِ لؤلؤةً!
وكم امرأةٍ
همدتْ فوق منفضةِ العمرِ مُطفأةً
مُطفأةْ
وما بين هذي وتلكَ
نساءٌ مررنَ خِفافاً على شفتيكَ..
نساءٌ أصبْن شفاهَكَ بالتّأتأةْ!
**
صديقُ النّهايات دوماً
ترقُّ.. ترقُّ
إلى أنْ تصير التفاتَ غزالْ
وتقسو إلى أن تصير صراخَ الغزالْ
وأنعمُ من جلدِ أفعى
تسيلُ بإبطِ الرّمالْ!
وسِلتَ لعمّانَ فجراً
.. وصوتُ الأذانِ
يبلّلُ نومَ البيوتِ العتيقةْ
فتنهضُ في كسلٍ مستفيقةْ
فأدركتَ بعد ثلاثِ دقائقَ من صخبِ الباصِ كلّ الحقيقةْ:
المدينةُ منذورةٌ للضّجيجْ
والرُّعاةُ
سينسربونَ مع النّاي شيئاً فشيئاً
وراء المروجْ مثلما اختفتِالدُّورُ
خلف الجبالْ
بكى فيكَ قلبُ الغزالْ
وتحفّزَ قَرن الغزالْ!
**
عشقتُكِ!
صحتُ من عينيكِ:
إنّ هوايَ ( عَمّاني)
حصانيْن ابتدأنا الجريَ
لم نهدأْ بميدانِ
سأفنى فيكِ أو أُفنيكِ
أنت غراميَ الثّاني!
**
المدينةُ صانعةُ الشّمسِ
بائعة الجنسِ
بعد العشيّةْ
وأنا فارسُ الأبجديّةْ
مَن سيهزم مَن؟!
والشّياطينُ تحت ثيابيَ
مثل الشّياطينِ تحت ثيابكِ
يا ( مجدليّةْ) !
**
وعمّانُ تغرق في الكحلِ
يأخذها شاعرٌ بذراعيهِ
أخذاً جميلا
” ينقّحُ نعناعَها
ويوضّحُ أوجاعَها
ويزحزحُ إيقاعَها”
بأناملهِ العشرِ
حتّى تميلا
وعمّانُ
أغنيةٌ / فَرَسٌ
تتمايل فوق شفاهِ المغنّي
وتركض فوق السّفوحِ
صهيلا!
وعمّانُ
يأخذها فارسٌ بذراعيهِ
أخذاً نبيلا!
**
صحوتَ.. ولم تعد عمّانُ
في الألفين عمّانَكْ
تميلُ لحانةِ الغرباءِ
صارت تلك عنوانَكْ
وتحلفُ للسّكارى جاهداً
ما خنتَ من خانَكْ!
**
وكان اللّيل يأتي
من ثقوب البابِ
يدخل خلسةً للنّفسْ
وحيناً
كان يخرج من ثقوب النّفسْ
وكنتَ تقول: لا!
ويقولُ ( تيسيرُ السبول)*:
“اجرُؤْ!
وخذها بغتةً في الرّأسْ!”
تقولُ: ” أنا سليلُ القمحِ
سوف أموتُ
حين يجفُّ عشبُ الحقلِ
تحت الشّمسْ”