مسقط-أثير
إعداد: د. راشد بن حمود بن أحمد النظيري، كلية الحقوق، جامعة السلطان قابوس
قاعدة عامة في القانون العُماني في كيفية تسليم المبيع، جاء في المادة 385: ((يكون التسليم بوضع المبيع تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون حائل، ولو لم يستول عليه استيلاء ماديا ما دام البائع قد أعلمه بذلك، ويحصل هذا التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعة المبيع))، ولا يكون مجرد تسجيل العقار تسليما له، وعلى البائع تسليم العقار المبيع إلى المشتري طبقا لأحكام المادة: 379 من قانون المعاملات المدنية العُماني: ((يلتزم البائع بتسليم المبيع إلى المشتري مجردا من كل حق آخر ما لم يكن هناك اتفاق أو نص في القانون يقضي بغير ذلك)).
وعليه لو هلك المبيع بسبب قوة قاهرة قبل التسجيل والتسلم كان من ضمان البائع(المدين)؛ لأنه لم يقم بتنفيذ التزامه، جاء في المادة 362: ((إذا هلك المبيع في يد المشتري بعد تسلمه لزمه أداء الثمن المسمى إلى البائع، وإذا هلك قبل التسليم بسبب لا يد للمشتري فيه يكون مضمونا على البائع))، وفي القواعد العامة ورد في الفقرة الأولى من المادة 172: ((في العقود الملزمة للجانبين إذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا انقضى معه الالتزام المقابل له وانفسخ العقد من تلقاء نفسه)).
وأما إذا هلك المبيع إن كان عقارا بعد التسجيل وقبل التسلم فإنه يكون من ضمان البائع، ولو هلك بعد التسجيل وبعد التسلم كان من ضمان المشتري، ورد في المادة 382: ((إذا سلم البائع المبيع إلى المشتري أصبح غير مسؤول عما يصيب المبيع بعد ذلك))، وإذا هلك بعد القبض وقبل التسجيل كان من ضمان المشتري؛ لأن تبعة الهلاك متعلقة قانونا بالتسلم، وليس بانتقال الملكية، طبقا لأحكام المادة 389: ((إذا هلك المبيع قبل التسليم بسبب لا يد لأحد المتعاقدين فيه انفسخ البيع واسترد المشتري ما أداه من الثمن…))، وجاء في المادة 362: ((إذا هلك المبيع في يد المشتري بعد تسلمه لزمه أداء الثمن المسمى للبائع وإذا هلك قبل التسليم بسبب لا يد للمشتري فيه يكون مضمونا على البائع))، وفي المادة 382: ((إذا سلم البائع المبيع إلى المشتري أصبح غير مسؤول عما يصيب المبيع بعد ذلك)).
ولو هلك المبيع (عقارا كان أو منقولا) قبل التسليم وبعد الإعذار فإنه يهلك على حساب المشتري، ورد في المادة 228: ((إذا تم إعذار الدائن تحمل تبعة هلاك الشيء محل الالتزام …))، وورد في المادة 385: ((يكون التسليم بوضع المبيع تحت تصرف المشتري بحيث يتمكن من حيازته والانتفاع به دون حائل، ولو لم يستول عليه استيلاء ماديا ما دام البائع قد أعلمه بذلك، ويحصل هذا التسليم على النحو الذي يتفق مع طبيعة المبيع)).
وإذا اتفق المتعاقدان على شرط نقل الملكية بعد الوفاء بالثمن كاملا فإن الملكية لا تنتقل قانونا إلا بالوفاء بالثمن كاملا؛ لأن البيع معلق على شرط واقف()، وهو الوفاء بالثمن كاملا، ورد في المادة 378: ((1.يجوز للبائع إذا كان الثمن مؤجلا أو مقسطا أن يشترط تعليق نقل الملكية إلى المشتري حتى يؤدي جميع الثمن ولو تم تسليم المبيع.
2. إذا تم استيفاء الثمن تعتبر ملكية المشتري للمبيع من وقت البيع)).
وهدف البائع من هذا الشرط ((تظهر في تمكنه من حجز المبيع واسترداده عند الإخلال بدفع الثمن أو أداء الأقساط في مواعيدها دون أن يزاحمه دائنو المشتري))().
وهذا مخالف لقرار مجمع الفقه الإسلامي رقم 51(2/6) : ((لا يحق للبائع الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة))، وجاء في المعايير الشرعية رقم 8/5/4: ((لا يجوز اشتراط عدم انتقال ملكية السلعة إلى العميل إلا بعد سداد الثمن ولكن يجوز إرجاء تسجيل السلعة باسم العميل المشتري لغرض سداد الثمن…))، وسبب المنع أن ذلك يتنافى ومقتضى عقد البيع.
هذا، وقد جعل الشيخ مصطفى الزرقا التسجيل قبضا، فقال: ((ومما يجب التنبيه إليه اليوم في موضوع تسليم العقار المبيع أنه في البلاد التي فيها سجل عقاري كبلادنا يجب أن يعتبر تسليما كافيا فراغ البائع عن العقار المبيع إلى المشتري فراغا رسميا أي تسجله على اسم المشتري في السجل العقاري…فالأحكام القانونية التي تقطع كل علاقة لبائع العقار بعد التسجيل، وتحل المشتري محل البائع تجاه المستأجر من كل وجه، تدل على أن العقار بعد التسجيل قد أصبح في حوزة المشتري من كل وجه، ولم يبق للبائع علاقة ولا عليه عهدة، وأن كل يد غير مشروعة ولو يد البائع تزال إزالة بدعوى نزع اليد.
ومثل ذلك يقال في العقود التي يتوقف تمامها شرعا على التسليم كالهبة، فيجب القول أنه بمجرد فراغ الواهب عن العقار الموهوب، وتسجيله على اسم الموهوب له تتم الهبة، ويعتبر مستلما، ويحل محل المالك السابق الواهب في جميع حقوق الملكية.
وقد أطلنا في هذا الموضوع؛ لأنه كان محل نقاش واختلاف بين الحكام اليوم في بعض القضايا أمام القضاء، ومنهم من يرى أن تسجيل العقار على اسم المشتري أو الموهوب له لا يعتبر تسليما كافيا، فلا تتم به الهبة، ولا ينتقل به ضمان المبيع إلى عهدة المشتري المفروغ له، فلا بد بعده من التسليم بالصورة التي ذكرتها المجلة والفقهاء في قبض الأراضي والعقارات؛ للتترتب عليها الأحكام المقررة للقبض فقها، والصواب ما بيناه؛ لأن الطريقة الفعلية التي نص عليها الفقهاء في تسليم العقار إنما كانت قبل تأسيس نظام السجل العقاري الذي يهدف القانون إلى اعتباره تنفيذا كاملا في العقود التي تقتضي تسليما، وهو موافق أيضا للغرض الفقهي من التسليم في نظر الفقهاء كما أوضحناه.
وهذا ما ذهبت إليه محكمة التمييز السورية بقرارها ذي الرقم /78/ الصادر في 19 مارس سنة 1946م، حيث اعتبرت تسجيل الحصة الموهوبة من عقار على اسم الموهوب له تسليما كافيا، تتم به الهبة دون حاجة إلى قبض فعلي.
فتبقى الطريقة الأصلية التي بينها الفقهاء في تسليم العقار المبيع أو الموهوب أو المرهون مقصورة على البلاد التي لم يؤسس فيها نظام السجل العقاري))().
حكم البيع قبل القبض:
اختلف الفقه الإسلامي في ذلك فقيل: البيع صحيح، ويكون البائع عاصيًا، والربح للبائع الأول، قال القطب: ((وهوضعيف؛ لأن صاحب المال لم يبعه، ولم يوكل آخذه علىالبيع))()، وقيل: لا يثبت البيع الثاني إلا إن أجازه البائع الأول؛ لأنه مما لم يدخل في ضمانه، فكان بائعا لمال غيره، قال القطب: ((والواضح عندي عدم الثبوت إلا إن أجازه))()، وقيل: العقد الثاني باطل، ولابد من تجديده؛ للنهي الوارد فيه()؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد))، قال الإمام الشوكاني: ((النهي يقتضي التحريم بحقيقته ويدل على الفساد المرادف للبطلان كما تقرر في الأصول))()، وقال الحنفية: هو عقد فاسد().
وأما القانون العُماني فلم يأتِ نصٌّ يمنع المشتري من التصرف في السلعة بعد انتقال الملكية إليه إن لم يقبضها، وعليه إذا باع الشخص سلعة منقولة معينة بالذات (هاتف معين، قلم معين،…) انتقلت الملكية إلى المشتري فور تمام العقد الصحيح بقوة القانون – كما تقدم- وإذا باع المشتري هذه السلعة نفسها إلى مشترٍ ثانٍ انتقلت الملكية إلى المشتري الثاني ولو لم يتسلمها للمشتري الأول، وإذا باع البائع الأول السلعة إلى مشتر آخر كان بائعا ما لا يملك()، إلا أنه في المنقولات المعينة بالذات إذا باع البائع السلعة إلى مشتر آخر حسن النية -لا يعلم أن السلعة لا يملكها البائع بسبب بيعها لشخص سابق() -فتسلمها كان مالكا للسعة؛ لأن الحيازة في المنقول سند الملكية، فلم تنتقل الملكية للمشتري الثاني بمقتضى عقد البيع، بل بموجب الحيازة، وذلك من أجل حصول الطمأنينة والاستقرار في التعامل، وإلا لما اطمأن شخص إلى ما يشتريه من آخر فقد يكون ملكا لغيره()، ورد في المادة 939/1: ((لا تسمع دعوى الملك على من حاز منقولا أو حقا عينيا على منقول أو سندا لحامله وكانت حيازته تستند إلى سبب صحيح وحسن النية)).
وعليه، فإن الملكية تنتقل من المشتري الأول إلى المشتري الثاني، وليس من البائع الأول إلى المشتري الثاني()، ويكون للمشتري الأول الضمان عما لحقته من خسارة وما فاته من كسب بسبب فعل البائع، ورد في المادة 181: ((يقدر التعويض في جميع الأحوال بقدر ما لحق المضرور من ضرر وما فاته من كسب بشرط أن يكون ذلك نتيجة طبيعية للفعل الضار)).
وأما ما يحتاج إلى فرز(المنقول المعين بالنوع/ المثليات) فإن الملكية لا تنقل إلى المشتري مع وقوع البيع صحيحا إلا بالفرز – كما تقدم- ويثبت على البائع إلزام بفرز المبيع وتسليمه إلى المشتري، ولو هلك المبيع قبل الفرز كان هلاكه على حساب البائع؛ لأنه المالك().
وهكذا الحال في العقار، فإن الملكية لا تنتقل إلى المشتري حتى يتم التسجيل في السجل العقاري، ويكون على عاتق البائع أو ورثته التزام التسجيل باسم المشتري، فإذا تمِّ السجيل انتقلت الملكية من وقت العقد.
وإذا لم يتم التسجيل وباع صاحب العقار الأول إلى مشتر آخر، وسُجل العقار باسم الثاني فإن الملكية تنتقل إلى المشتري الثاني؛ لأن البائع باع ما يملك، سواء أكان المشتري الثاني حسن النية أو كان سيئ النية، ويثبت للمشتري الأول الضمان().
للاطلاع على الجزء الأول: